04 نوفمبر 2024
صفقة النووي والداخل الإيراني
تتراوح التوقعات المتعلقة بتأثير الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني على الداخل الإيراني بين التمنيات بحدوث انفراج في البلاد، وإمكانيات حدوث هذا الانفراج وحدوده. وبغض النظر عن المنافع التي سيوفرها الاتفاق لإيران، في أن تصبح دولة نووية، وفي تخفيف الحصار عنها، والإفراج عن ودائعها المالية، فإن كثيرين من أبناء الشعب الإيراني الذين خرجوا إلى الشوارع محتفلين بالتوقيع، لم يفعلوا ذلك سوى لأنهم يمنون أنفسهم بحقبة تقطع مع فترة الحصار الغربي الطويلة التي اتخذها النظام الإيراني حجة لقمع الحريات والامتناع عن القيام بإصلاحات اقتصادية، تنعكس على معيشة الشعب وآماله المستقبلية.
ويأمل الإيرانيون، بعد هذا الاتفاق، بإنهاء حالة العداء المستمرة مع معظم دول العالم التي تعيشها بلادهم منذ نحو ثلاثة عقود ونصف. وهي حالة جعلت إيران تُدخل نفسها في سباق تسلح أشبه بسباق التسلح الذي كلف الاتحاد السوفييتي السابق وجوده أوائل تسعينيات القرن الماضي. وإن كانت سياسة إيران عاملاً في جذب عداء المحيط العربي لها، بدءاً من العمل بنظرية "تصدير الثورة" إلى العالم الإسلامي، التي أطلقها الملالي لدى وصولهم إلى حكم البلاد أواخر السبعينيات، ودخولها في حرب مع العراق، بقيت ترفض إيقافها حتى لم يعد لها طائل بالاستمرار فيها. فإن الدولتين تتماثلان في كثير من أوجه ذلك السباق الذي أجبر الاتحاد السوفييتي على دفع أكلاف باهظة لمجاراة تقدم الدول الغربية التكنولوجي في مجال الأسلحة، وخصوصاً الاستراتيجية منها، ما جعله يهمل التنمية الداخلية والارتقاء بمستوى معيشة شعبه، حتى وصوله إلى مرحلة أصبح عاجزاً عندها عن إيقاف انهياره. الأمر الذي ينطبق على إيران التي خلقت أوهامَ عداء المحيط لها، وعداءٍ مع الغرب استجلبته منذ حادثة احتجاز الرهائن الأميركيين في سفارة بلادهم في طهران، جعلها تكرس مواردها النفطية والاقتصادية وطاقاتها البشرية، لتحقيق تقدم على المستوى العسكري، علاوة على عقود الأسلحة مع روسيا والصين وكوريا الشمالية، لمواجهة اعتداء غربي أو إسرائيلي محتمل، ما كلفها تخلفاً على الصعيدين، الاجتماعي والاقتصادي، جعل نسبة 40% من الشعب الإيراني يرزحون تحت خط الفقر، حسب تقرير لمنظمة الصحة العامة التابعة لوزارة الصحة الإيرانية في مايو/أيار الماضي.
كما يأملون أن إنهاء حالة العداء تلك، سوف تكون دافعاً لإنجاز مصالحة داخلية، تنهي حالة الفرز الداخلي وتصنيف الأشخاص بين موالٍ للثورة ومضاد لها. وأنه سيكون حافزاً لإنهاء ملف الإيرانيين المنفيين، أو الذين اختاروا المنفى طوعاً، هرباً من القمع المفروض على المجتمع. وهو ملف جعل البلاد مقسومة بين إيران الداخل وإيران الخارج، نتيجة العدد الكبير من الإيرانيين الذي فضلوا الهجرة والعيش خارج بلادهم، لتفادي الاعتقال أو التصفية أحياناً. بالإضافة إلى أن عامل الفقر وقلة فرص العمل كان دافعاً آخر لتلك الهجرة.
ويرى آخرون أن انفتاح البلاد على الاستثمارات الخارجية، ربما يكون عاملاً لتحقيق انفراج في مسألة حقوق الإنسان وحرية الصحافة والانتخابات الحرة. والمعروف أن الدول الغربية درجت على الطلب من الدول التي ستدخل في شراكات اقتصادية، أو حتى في علاقات تجارية، أو في عقود استثمار مؤقتة معها، بإحداث تحسين في موضوع حقوق الإنسان لديها. لكن، وتبعاً لمواقف الدول الغربية من الثورات العربية، ودعمها سياسة القمع التي ينتهجها نظام عبد الفتاح السيسي بحق شعبه، وعدم رغبتها في إيجاد حلول للوضع في سورية، يمكننا الاستنتاج أن الموضوع لا يخرج من حقل المزايدات، للحصول على مزيد من التنازلات من هذه الدول للشروع في استثماراتها. ولن تكون إيران استثناء في هذا المجال، وخصوصاً بعد الانكماش الذي تعاني منه بعض الاقتصاديات الأوروبية، وسعيها إلى الاستثمارات في الخارج، من أجل توفير فرص العمل للجيل الجديد من أبنائها.
من جهة أخرى، حكام طهران القابضون على المفاصل الدقيقة للحياة في بلادهم، والقادرين على تجييش الجماهير وتوجيهها نحو الاتجاه الذي يرونه، ما زالوا يريدون من هذه الجماهير التفكير بعقلية الحرب والثورة بعد 35 عاماً من بدئها، في حين أنهم يتنعمون بحياة الرفاهية التي وصلوا إليها عبر تلزيم العقود التجارية والصناعية والخدمية لقلة من أفراد النظام والحاشية المحيطة. وعلى الرغم من أن توقيع الاتفاق سيجبر الحكام على وقف التهويل من التهديد الخارجي، لكنهم سيستمرون بدفع أبناء شعبهم على التفكير بعقلية الحرب، نتيجة تدخلهم العسكري أو اللوجستي في أربع دول عربية. وهو تدخل لا يبدو أنه سينتهي قريباً، كما لا يبدو الاتفاق عاملاً ملزماً لإنهائه. وبالتالي، سيستمر اعتبار المواطنين الإيرانيين أدوات لتنفيذ هذه السياسة وإدامتها، مع ما يرافق ذلك من قمع أي معارضة لها.
في ضوء هذا الواقع، لن تظل بارقة الأمل في تغيير ديمقراطي في إيران خافتة، إذ سيستمر التعويل على الجيل الجديد الذي يشكل غالبية في إيران، في أن يكون رافعة تغيير. وهو جيل تبين أنه أكثر انفتاحاً على العلمانية وعلى الجديد، في وقت لا تزال تجربة الحركة الخضراء التي ظهرت سنة 2009 ماثلة أمام عينيه.
كما يأملون أن إنهاء حالة العداء تلك، سوف تكون دافعاً لإنجاز مصالحة داخلية، تنهي حالة الفرز الداخلي وتصنيف الأشخاص بين موالٍ للثورة ومضاد لها. وأنه سيكون حافزاً لإنهاء ملف الإيرانيين المنفيين، أو الذين اختاروا المنفى طوعاً، هرباً من القمع المفروض على المجتمع. وهو ملف جعل البلاد مقسومة بين إيران الداخل وإيران الخارج، نتيجة العدد الكبير من الإيرانيين الذي فضلوا الهجرة والعيش خارج بلادهم، لتفادي الاعتقال أو التصفية أحياناً. بالإضافة إلى أن عامل الفقر وقلة فرص العمل كان دافعاً آخر لتلك الهجرة.
ويرى آخرون أن انفتاح البلاد على الاستثمارات الخارجية، ربما يكون عاملاً لتحقيق انفراج في مسألة حقوق الإنسان وحرية الصحافة والانتخابات الحرة. والمعروف أن الدول الغربية درجت على الطلب من الدول التي ستدخل في شراكات اقتصادية، أو حتى في علاقات تجارية، أو في عقود استثمار مؤقتة معها، بإحداث تحسين في موضوع حقوق الإنسان لديها. لكن، وتبعاً لمواقف الدول الغربية من الثورات العربية، ودعمها سياسة القمع التي ينتهجها نظام عبد الفتاح السيسي بحق شعبه، وعدم رغبتها في إيجاد حلول للوضع في سورية، يمكننا الاستنتاج أن الموضوع لا يخرج من حقل المزايدات، للحصول على مزيد من التنازلات من هذه الدول للشروع في استثماراتها. ولن تكون إيران استثناء في هذا المجال، وخصوصاً بعد الانكماش الذي تعاني منه بعض الاقتصاديات الأوروبية، وسعيها إلى الاستثمارات في الخارج، من أجل توفير فرص العمل للجيل الجديد من أبنائها.
من جهة أخرى، حكام طهران القابضون على المفاصل الدقيقة للحياة في بلادهم، والقادرين على تجييش الجماهير وتوجيهها نحو الاتجاه الذي يرونه، ما زالوا يريدون من هذه الجماهير التفكير بعقلية الحرب والثورة بعد 35 عاماً من بدئها، في حين أنهم يتنعمون بحياة الرفاهية التي وصلوا إليها عبر تلزيم العقود التجارية والصناعية والخدمية لقلة من أفراد النظام والحاشية المحيطة. وعلى الرغم من أن توقيع الاتفاق سيجبر الحكام على وقف التهويل من التهديد الخارجي، لكنهم سيستمرون بدفع أبناء شعبهم على التفكير بعقلية الحرب، نتيجة تدخلهم العسكري أو اللوجستي في أربع دول عربية. وهو تدخل لا يبدو أنه سينتهي قريباً، كما لا يبدو الاتفاق عاملاً ملزماً لإنهائه. وبالتالي، سيستمر اعتبار المواطنين الإيرانيين أدوات لتنفيذ هذه السياسة وإدامتها، مع ما يرافق ذلك من قمع أي معارضة لها.
في ضوء هذا الواقع، لن تظل بارقة الأمل في تغيير ديمقراطي في إيران خافتة، إذ سيستمر التعويل على الجيل الجديد الذي يشكل غالبية في إيران، في أن يكون رافعة تغيير. وهو جيل تبين أنه أكثر انفتاحاً على العلمانية وعلى الجديد، في وقت لا تزال تجربة الحركة الخضراء التي ظهرت سنة 2009 ماثلة أمام عينيه.