صفقة القرن والبُعد الاقتصادي

11 ابريل 2019
تفاصيل الصفقة غير واضحة حتى الآن (العربي الجديد)
+ الخط -

يُعَرّف الكتاب بأنه كلاسيكي، إذا كان الكل يتحدّث عنه، أو يقتبس منه، ولكن أحداً لم يقرأه.

ونحن الاقتصاديين نعتز مثلاً بمقدمة ابن خلدون، أو بكتاب آدم سميث "بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها"، أو كتاب ديفيد ريكاردو "الاقتصاد السياسي"، ولكن القلة هم الذين قرأوها. ويندرج هذا التعريف على كتاب كارل ماركس "رأس المال".

وتذكرتُ كم أصبحت هذه المؤلفات حديث الناس ومجال اقتباسهم، كما يحصل الآن مع "صفقة القرن"، والتي تحوّلت، كما يقول الفيلسوف البريطاني فرانسيس بيكون، المتوفى عام 1626، إلى "صنم ذهني"، أو حسب اللفظ الإنكليزي "idol of the mind".


ونحن العرب نخلق أصناما ذهنية كثيرة، لتصبح مجرد رمز لفكرةٍ معينةٍ، تغنينا عن التحليل المتعمق في الأمور، وفهم كنه الأشياء وتفاصيلها.
وصفقة القرن اصطلاح كلاسيكي، لأنه يشغل بال الناس والمحللين والسياسيين، قبل أن يعرف أحد ما هو تماماً، فهل هو مشروع اتفاق توقّع عليه الأطراف المعنية، أم هو عملية مستمرة من القرارات المتتالية الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية والحقوق التراكمية المترتبة للشعب الفلسطيني، أم أنها وضع حد نهائي لما يطلق عليه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

ولقد بدأت مقالات، في الآونة الأخيرة، تتحدث عن مبالغ تراوحت تقديراتها بين مائة مليار دولار ومائتي مليار دولار، تنفَق على الدول المستوعبة للفلسطينيين، وتوطينهم في أماكن إقامتهم في الدول العربية المضيفة لهم، مثل الأردن، وسورية، ولبنان، ومصر. 
ويرى بعض الناس ممن فقدوا الأمل أن "الأفضل لنا أن نقبل بذلك، ونحسّن أوضاعنا الاقتصادية، بدلاً من أن يُفرض علينا الحل بدون مقابل".
من يمول صفقة القرن؟
وبما أن المبلغ الطلوب كبير، فمن الذي سوف يدفعه؟ هل هي بريطانيا التي تتحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية كبيرة، بصفتها بذلت جهوداً جبارة في خلق إسرائيل حتى قبل وعد بلفور عام 1917، وبصفتها صاحبة الانتداب على فلسطين من عام 1917 وحتى 1948 وحصلت النكبة والتشريد الفلسطيني تحت سمعها وبصرها، وبتخطيط مباشر منها؟

هل تدفع الولايات المتحدة تلك المبالغ الضخمة، بصفتها أسوأ للقضية من بريطانيا منذ مطلع الستينات من القرن الماضي، وانتهاءً بإجراءات الرئيس دونالد ترامب المعادية كلية للمصالح الفلسطينية والعربية؟

أم تدفع الدول العربية النفطية التي تتحمل أوزاراً مالية وعسكرية كبيرة في حروبها المباشرة وغير المباشرة ضد اليمن، وفي ليبيا، وسورية، وتواجه تحديات اقتصادية داخلية، تهدد بعض اقتصاديات هذه الدول؟

ادعاءات إسرائيل

وماذا عن ادعاءات إسرائيل بأن لمواطنيها حقوقاً داخل الدول العربية تركوها خلفهم، عندما قرّروا الهجرة إلى إسرائيل. وقد كان هنالك مواطنون يهود كثر في كل من المغرب والجزائر وتونس واليمن والعراق ومصر. وكان بعضهم نشيطاً اقتصادياً في مصر والمملكة المغربية بشكل خاص، ولكن هناك مبالغات في أعداد من تقول إسرائيل إنهم تركوا بلدانهم العربية كرهاً وغصباً، ولإسرائيل تاريخ طويل في اتهام بعض الدول العربية التي لم تسمح لليهود بالهجرة، بأنها كانت تحتجزهم رهائن لديها.

والأطرف من ذلك كله أن مطالبة الفلسطينيين بالتعويضات عن ممتلكاتهم لمن يختار عدم العودة سيواجهها الإسرائيليون بمطالباتٍ مقابل الضرائب المستحقة عليها، وأية تحسينات طاولتها. وليس لهذه الادعاءات بآلاف الملايين من الدولارات ما يبررها على الإطلاق، فاليهود الذين اختاروا أو أرغمتهم الوكالات اليهودية على مغادرة مواطنهم في العالم العربي لا يستحقون تعويضات عليها، لأن أحداً لم يُرغمهم على ذلك.

وإن حصل ذلك، فالدليل مطلوبٌ عليها. وأي مُلكٍ يعود لمواطن اختار أن يترك بلده، أو مات بدون وريث، فالخزينة العامة في تلك الدولة تصبح وريثته. ومما ينفي هذه المزاعم أن معظم الدول العربية، وحتى إيران، والذين اختار بعض اليهود مغادرتها، فإنها تسمح لهؤلاء بالعودة إن شاءوا، وتحفظ لهم حق العودة إليها، ليقسموا لها قَسَم الولاء، وليستعيدوا جنسيتهم فيها.

غلق الحدود أمام اللاجئين

في المقابل، تمنع إسرائيل اللاجئين من العودة مقابل فتحها حدودها لكل يهود العالم أن يقيموا فيها بموجب قانون العودة، وأن يحصلوا على الجنسية فيها بموجب قانون الجنسية، وأن يتملّكوا في ما تسمى "أرض إسرائيل" حيثما شاءوا على حساب المواطن الفلسطيني، بموجب قانون قومية الدولة اليهودية الصادر في نهاية عام 2018.
ولقد ارتكبت اسرائيل مذابح في القرى العربية، ودمرت مئات من القرى والتجمعات السكانية، وطمست معالم اللغة والحضارة، وحرمت أهلها من العيش بحرية وهناء في وطنهم، ما يرتب على إسرائيل تعويضاتٍ كبرى في مقابل الشقاء، عدا عن الملكيات المنهوبة والدخل الذي كان سيترتب للفلسطينيين منها، لو أنهم لم يُحرَموا منها عن طريق القتل والهدم والتشريد. 

يتطلب حلّ مشكلة اللاجئين من عرب فلسطين وحدها مئات المليارات من الدولارات. والسعي إلى إعادة توطينهم في دول أخرى، يتطلب كل هذه المبالغ وأكثر، وتعويض الدول المضيفة.

وليس هناك من أحد جاهز لتقديم هذه المبالغ، إلا إذا قدّمتها الرأسمالية الصهيونية في العالم، والدول الاستعمارية التي سهلت مهمة احتلال الأرض، ومهمة إحلال أناسٍ من مائة دولة. فهل هؤلاء جاهزون للدفع؟ وهل العرب قادرون على المطالبة بذلك بفعالية وقدرة؟


دلالات
المساهمون