صفقات التسلح المغربية تقلق إسبانيا

22 ابريل 2020
يعمل الجيش المغربي على تطوير ترسانته العسكرية(فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أيامٍ على موافقة وزارة الخارجية الأميركية على تزويد المغرب بعشرة صواريخ بوينغ "AGM-84L هاربون بلوك 2" المضادة للسفن، في صفقةٍ بلغت قيمتها 62 مليون دولار أميركي، برز توجس إسباني من المسألة، وصل إلى حدّ مطالبة المشرعين الأميركيين بتجميد الصفقة، فيما قلّل متابعون من إمكانية أن يأخذ التضخيم الإسباني، الناجم خصوصاً عن ضغط بعض الأحزاب، منحى أكثر تصعيداً. وعلى الرغم من أن تحركات المغرب لتعزيز ترسانته العسكرية، ليس بالمعطى الجديد خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الإعلان الأميركي عن إعطاء الضوء الأخضر لتزويد الرباط بصواريخ "هاربون بلوك 2" المضادة للسفن، التي لا تمتلكها في شمال أفريقيا سوى مصر، أثار حفيظة أوساط سياسية إسبانية، كان من أبرزها حزب "سيودادانوس" (المواطنة - يمين)، الذي سارع عبر نائبه في البرلمان الأوروبي المكلف بالعلاقات الخارجية، رامون باوسا، إلى مراسلة كلٍّ من رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جيمس ريتش، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب إليوت إنجل، لحثّهما على معارضة الصفقة، وذلك لـ"تأثيراتها السلبية عسكرياً على الأمن القومي الإسباني".

وبدا توجس حزب "سيودادانوس" لافتاً من خلال اعتباره، في رسالته إلى المشرعين الأميركيين، أن تلك الصواريخ "تشكل خطراً على إسبانيا، وتؤثر سلباً على استقرار مضيق جبل طارق الاستراتيجي" بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وباقي الدول الغربية، من دون أن يخفي انزعاجه من تكثيف المغرب منظومته الدفاعية، أخيراً، وشرائه أسلحة متطورة.

واعتبر باوسا، العضو في "سيودادانوس"، أن "المغرب يستغل ضعف حكومة بيدرو سانشيز لتعزيز مصالحه"، داعياً هذه الحكومة إلى التحرك بشكل عاجل ضد تسلح الرباط بهذا النوع من الصواريخ. وقال باوسا: "إذا لم تدافع الحكومة عن مصالح إسبانيا، فسيتعين علينا القيام بذلك بأنفسنا. يستمر التوتر، وقد بدأ للتو".

وعلى الرغم من تأكيد وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأميركية، في بيانٍ صدر عنها يوم الثلاثاء الماضي، أن الصفقة لن تؤثر على موازين القوى في المنطقة، بقدر ما ستعزز القدرات لحليف رئيسي لحلف شمال الأطلسي وفاعلٍ أساسي يضمن الأمن والتقدم الاقتصادي للمنطقة، بيد أن حزب "سيودادنوس"، غير الممثل في الحكومة، حاول استغلال الخلاف المغربي - الإسباني حول تحديد المياه الإقليمية، بربطه برغبة الرباط باستخدام تلك الصواريخ في فرض الأمر الواقع في ملف الحدود البحرية.



وتعتبر صفقة صواريخ هاربون، التي تتميز بقدرتها العالية على ضرب الأهداف المهددة للممرات البحرية، وبقدرة إصابة دقيقة في البحر وعلى الأرض، هي الثالثة التي تبرمها المملكة مع الولايات المتحدة في فترة لا تتجاوز الخمسة أشهر، إذ سبق أن طلبت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تزويدها بـ36 طائرة مروحية هجومية من طراز "بوينغ أباتشي" بقيمة إجمالية بلغت 4.25 مليارات دولار، وشملت أيضاً اقتناء معدات عسكرية وصواريخ ورادارات.

كما أبرمت الرباط في 3 مارس/ آذار الماضي صفقة تسلحٍ جديدة مع واشنطن، لتزويدها بعتادٍ حربي للدعم اللوجستي بقيمة 239.35 مليون دولار، فيما كان المغرب في العام 2019 أول زبون للسلاح الأميركي في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بحجم صفقاتٍ بلغت قيمتها 10.3 مليارات دولار، أغلبها موجه للقوات الملكية الجوية المغربية، بحسب موقع "فوربس".

وعلى الرغم من العلاقات الطيبة بين مدريد والرباط، واستبعاد نشوب حربٍ بين الطرفين رغم التوترات التاريخية، إلا أن تقارير إعلامية إسبانية تحدثت خلال الأشهر الماضية عن توجس المؤسسة العسكرية الإسبانية من "تطوير سلاح الجو المغربي"، وذلك بعد إعلان الرباط إبرام واحدة من أضخم الصفقات العسكرية مع واشنطن.

ونقلت هذه التقارير عن مصادر في المؤسسة العسكرية الإسبانية أن صفقة شراء المغرب 25 مقاتلة من طراز "إف 16" من الولايات المتحدة وتحديث 23 طائرة أخرى، تثير المخاوف باعتبارها تقلب معادلة التوازن الجيو-استراتيجي في حوض البحر الأبيض المتوسط. كما لم تتردد الأوساط الإسبانية في التعبير عن انزعاجها من رفع المغرب ميزانية دفاعه عام 2020 بنسبة 30 في المائة، وبمعدل إنفاق يتجاوز 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على هذا القطاع، مقارنة بأقل من 1 في المائة تستثمرها إسبانيا.

وفي تقدير عبد الرحمن مكاوي، الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، فقد "بات معتاداً أن نرى بعض الأوساط الإسبانية، سواء من اليسار أو اليمين المتطرف، تعبر عن انزعاجها كلما اقتنت المملكة أسلحة متطورة لتأمين أمنها القومي"، مشيراً في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن المغرب "لا يتسلح ضد إسبانيا أو الجزائر، وإنما لضمان أمنه القومي الذي يواجه العديد من المخاطر الأمنية في منطقة ملتهبة هي شمال أفريقيا، التي تعرف حالياً حرباً طاحنة في ليبيا بين خليفة حفتر وحكومة فائز السراج". ورأى أن هذه الحرب "التي باتت تقترب شيئاً فشيئاً من الحدود الشرقية التونسية الجزائرية، تفرض على المغرب الرد على المخاطر بناء على احتياجاته للدفاع عن نفسه".

واعتبر مكاوي أن تلك الأوساط الإسبانية "ترتبط بنوستالجيا للعقيدة الفرانكوية (نسبة إلى فرانسيسكو فرانكو الذي حكم إسبانيا بعد الحرب الأهلية عام 1936 حتى وفاته في 1975)، إذ كلما اقتنى المغرب أسلحة متطورة، عادت إلى الواجهة مقولات ومواقف إسبانية قديمة، وهي أن الحرب القادمة". ولفت مكاوي في هذا الإطار إلى أن "تلك العقيدة الاستعمارية القديمة لا تشكل أي إزعاج بالنسبة للدولة المغربية، وأنها ليست المرة الأولى التي تحاول فيها أوساط إسبانية التأثير إعلامياً على موردي المغرب التقليديين كأميركا وفرنسا، وحتى روسيا والصين، وأخال أن تحركاتها تبقى مجرد زوبعة في فنجان".

وبرأي مكاوي، فإن قيام المغرب بتمديد ولايته القانونية على مياهه الإقليمية في الجنوب، وفق ما ينصّ عليه القانون الدولي للبحار ومقررات الأمم المتحدة، "أزعج بعض اللوبيات الإسبانية، خصوصاً تلك المرتبطة بالبترول والصيد البحري"، معتبراً أن حلّ الخلاف بشأن ترسيم الحدود البحرية، "يكمن في الحوار الذي عبّر عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مع الجارة الشمالية لحلّ الإشكالات المرتبطة بتمديد الولاية القانونية على المياه الإقليمية الجنوبية".

ويذهب الخبير المغربي للاعتقاد أن "العقلاء في إسبانيا يراهنون على العلاقات الاستراتيجية المهمة التي تربط بين المملكتين في الوقت الراهن، ولا يعيرون أدنى اهتمام للمواقف المعبر عنها من قبل بعض الأوساط اليمينية أو اليسارية المتطرفة"، متوقعاً أن تستمر تلك المواقف في المستقبل، لكن دون أن تؤثر على العلاقات العميقة بين البلدين.