صغار وسط الحجر المنزلي

15 يونيو 2020
الانعزال عن العالم الخارجي ليس أمراً بديهياً (فرانس برس)
+ الخط -

الأطفال السوريون في تركيا كما سواهم من صغار العالم، يعانون من جرّاء أزمة كورونا وتأتي ردود أفعالهم بطرق مختلفة، وثمّة من تُسجَّل لديهم سلوكيات عدوانية أو قد ينطوون على أنفسهم أو غير ذلك.

بعد تفشّي فيروس كورونا الجديد حول العالم، اتخذت دول عدّة إجراءات وقائية للحدّ من انتشاره، من ضمنها تعطيل المدارس والجامعات وفرض حظر تجوّل جزئي لفئات عمرية محددة أو حظر كليّ لجميع المواطنين. وكنتيجة لهذه الإجراءات، اضطر الأطفال كغيرهم إلى مواجهة وضع لم يألفوه مثل ملازمة البيت لفترة طويلة لم تُحدّد نهايتها والامتناع عن الذهاب إلى المدارس أو اللعب في المتنزهات والحدائق، الأمر الذي قد يؤثّر سلباً على صحتهم النفسية ويثير تساؤلات كثيرة لديهم.

عائشة كامل سورية لاجئة في تركيا وهي أمّ لطفل في الثامنة من عمره وطفلة في الرابعة من عمرها، تقول لـ"العربي الجديد" إنّه "لم يسبق لطفلَي أن مكثا في المنزل لفترة تتجاوز اليومَين. فابني كان يقصد المدرسة يومياً فيما كنت أعمد إلى الخروج مع ابنتي للتنزّه بصورة يومية كذلك. لكن بعد إغلاق المدارس وفرض حظر تجوّل، تغيّر سلوكاهما وصارا أكثر توتّراً وعنفاً. ابنتي مثلاً، صارت تفرّغ كل طاقاتها بالصراخ والعبث بأثاث المنزل".

ثمّة من يظنّ أنّ الأطفال قادرون على التأقلم أكثر من البالغين وسط الأزمات، غير أنّ الأمر ليس كذلك والكلّ معرّض لتبعاتها لا سيّما في ظروف عزلة من قبيل الحجر المنزلي. وإن كان أهل الاختصاص يؤكدون أنّ كلّ طفل يستجيب بأسلوب معيّن، غير أنّ ثمّة ردود فعل متشابهة. وبحسب مركز جونز هوبكنز أرامكو للرعاية الصحية، فإنّ ردود الفعل الشائعة لدى الأطفال تشمل البكاء والقلق المفرط وإساءة التصرف والانفعال وتجنب الأنشطة التي كانوا يستمتعون بها سابقاً وغير ذلك.

من جهتها، مايا سلوم وهي كذلك لاجئة سورية في تركيا وأمّ لطفلين في الثالثة والسادسة من عمريهما، تقول لـ"العربي الجديد" إنّه "مع بداية الحظر اضطررت إلى العمل من المنزل والبقاء مع الصغيرَين طفالي. لكن مع امتداد الفترة، صار من الصعب ضبط انفعالاتهما العدوانية، ولم يعد في وسعي تنظيم أوقاتهما على الرغم من محاولاتي العديدة".



في السياق، تتحدّث المتخصصة النفسية آلاء دالي عن خطورة تمديد فترة الحجر المنزلي على الأطفال لأكثر من شهر، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أنّ "الأطفال بصورة عامة وفي كل المراحل العمرية، في حاجة إلى ممارسة أنشطة اجتماعية وتعليمية بهدف اكتمال نموّهم الجسدي والنفسي. وفي هذه الفترة قد يصير الطفل انطوائياً وقد يصاب بالاكتئاب والحزن بسبب وقت الفراغ الكبير المستجدّ". وتشير دالي إلى "أمور مهمة يجب شرحها للطفل، منها سبب بقائه في المنزل بطريقة مبسّطة وقريبة من لغة الصغار حتى تتناسب مع مستوى إدراكه بعيداً عن المبالغة. كذلك لا بدّ من أن يعلم أنّ وجوده في المنزل ما هو إلا إجراء وقائي لفترة مؤقتة ستنقضي، من دون أن نحدّد له مدّة معيّنة لذلك". وتوصي دالي الأهل بـ"إبعاد الطفل عن الأخبار السيّئة وعدم تناقلها أمامه قدر الإمكان، لأنّها ستسبب له القلق والخوف وانعدام الأمان وقد تبقى آثار ذلك على المدى البعيد".

والأطفال يشعرون عادة بالخوف من الأمور غير المفهومة بالنسبة إليهم، وهم يشعرون بقلق البالغين من حولهم، بالتالي يتوجّب على الأهل طمأنتهم كما يجب. فاستجابة الأهل الهادئة والواثقة لتداعيات أزمة كورونا تنعكس إيجاباً على الصغار، بحسب مركز جونز هوبكنز أرامكو للرعاية الصحية.

وتخبر عائشة أنّ ابنها علم بأمر فيروس كورونا الجديد من خلال مدرّسته قبل تعطيل الدروس، مضيفة أنّ "ابنتي علمت بذلك من خلال كلامنا عنه، وصار سؤالها اليومي: ماما... ما خلصو الكورونات؟ بدّي روح مشوار. فأجيبها بأنّني أحبّها ولا أريد أن تنتقل العدوى إليها، لذلك نبقى في المنزل معاً". وتحاول عائشة إلهاء طفلَيها وملء أوقاتهما ببعض الأنشطة، كالرسم والتلوين واللعب معهما. وتسمح لهما بمشاهدة برامج تلفزيونية للأطفال أحياناً وأخرى تعليمية على موقع "يوتيوب". أمّا مايا، فلا تستطيع إخفاء قلقها من الوضع الحالي، وتقول: "أنا خائفة من استمرار هذا الوضع لفترة طويلة، لأنّ طفلَيّ لا يتقبلان أيّ أنشطة بدنية أو ترفيهية حرج إطار الأجهزة الإلكترونية، على الرغم من محاولاتي الكثيرة لإشغالهما بأمور تفيدهما".



وتؤكد هنا دالي أنّ "ملء وقت الطفل مسؤولية تقع على عاتق الأهل. ويمكن إشغال الطفل بإشراكه في الأعمال المنزلية، وأنشطة تشدّ انتباهه كالرسم والتلوين والمسابقات. فمشاركة جميع أفراد الأسرة تشكّل حافزاً له". وتركّز على "أهميّة تخصيص وقت محدد للأنشطة البدنية كالرياضة أو الرقص، لأنّ الصغار في حاجة دائمة إلى تفريغ طاقتهم". وتنصح دالي الأمهات بـ"التخفيف من علاقة أبنائهم بالأجهزة الذكية تدريجياً في هذه الفترة، وعدم التهاون في ما يتعلق بتحديد وقت لذلك مهما كان ردّ فعلهم. كذلك لا بدّ من التأكد من حصولهم على الغذاء الصحي لأنّه يؤثّر بشكل مباشر على مزاج الطفل". بالنسبة إليها، "يمكن للطفل أن يتعلّم مهارة جديدة يومياً، وفي إمكاننا تطوير مهاراته اللغوية على سبيل المثال مع مراعاة عنصر المتعة. ففي نهاية الأمر الطفل يتأثّر بسرعة بسبب عدم وعيه الكامل بهذه الظروف. لذلك علينا أن نعمل جاهدين لتوفير الفائدة والمتعة له".