صعود اليمين السويسري... استفزاز لأوروبا واستعداء للّاجئين

20 أكتوبر 2015
رئيس حزب "الوسط الديمقراطي" كريستوف بلوشر (فابريك كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
تمخّض عن الانتخابات البرلمانية الفدرالية السويسرية، التي جرت، أمس الأوّل الأحد، صعود لافت لليمين الشعبوي المعادي للمهاجرين وللسياسة الأوروبية بقيادة حزب "الوسط الديمقراطي"، الذي عزّز مكانته كأول حزب سويسري، بانتزاعه 65 مقعداً، أي ما يعادل ثلث مقاعد البرلمان السويسري التي يبلغ مجموعها 200. وحلّ الحزب "الاشتراكي" في المرتبة الثانية بعد خسارته 3 مقاعد، في حين شهدت الأحزاب الصغيرة، وخصوصاً أحزاب اليسار والمدافعين عن البيئة، انتكاسة مدوية بخسارتها 9 مقاعد.

ولم تتجاوز نسبة المشاركة، في هذا الاقتراع، 49 في المائة، وهي تُعتبر من بين النسب الأضعف أوروبياً، وهي أيضاً النسبة التي أتاحت لليمين الشعبوي المتطرف انتزاع المزيد من الأصوات باعتبار أن العزوف الانتخابي مصدره في الغالب، القاعدة الشعبية التقليدية للحزبين الاشتراكي واليمين الليبرالي المعتدل.

وعلى الرغم من أنّ سويسرا، بلد المصارف والحسابات السرية الأجنبية، هي من بين الدول الأوروبية الأقل تأثراً بموجات اللاجئين الأخيرة، إلّا أنّ موضوعي الهجرة واللجوء سيطرا بقوة على الحملة الانتخابية، وكانا الهاجس الأكبر لدى الناخبين السويسريين، بحسب العديد من استطلاعات الرأي.

وهيْمن حزب الوسط الديمقراطي بقوة على الحملة الانتخابية التي قادها زعيم الحزب، كريستوف بلوشر (75 عاماً) الذي أصبح يتمتع بشعبية كبيرة وتحوّل إلى الشخصية السياسية رقم واحد في البلاد، بسبب تألقه في الواجهة الإعلامية وبراعته في فن الخطابة والتسويق السياسي. ورفع بلوشر، خلال الحملة الانتخابية، شعار الدفاع عن سويسرا ضد الأجانب سواء كانوا من بلدان الشرق الأوسط أو أفريقيا أو حتى من دول الجوار الأوروبي. وقال في أحد خطاباته الأخيرة، "لا مشاكل لدينا مع اللاجئين المهدّدين في بلدانهم، لكن لا مكان لدينا للأجانب ويجب إبعادهم من سويسرا"، وأضاف أنّ "الاتحاد الأوروبي ونظام شنغن معطّلان وعلينا ضمان السيادة السويسرية".

وكان بلوشر المستفيد الأكبر من الاستفتاء الشعبي الذي تم تنظيمه في 9 فبراير/شباط 2014، الذي صوّت لمصلحة إقامة نظام حصص في ما يخص المهاجرين إلى سويسرا، خصوصاً الأوروبيين، وهو الاستفتاء الذي وتّر العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، الذي لم يخف امتعاضه من استهداف السويسريين مبدأ حرية تنقل المواطنين الأوروبيين داخل منطقة "شنغن".

دخل بلوشر معترك الحياة السياسية في مستهل التسعينيات، وكان الصوت "النشاز" والوحيد الذي رفع شعار "طرد الأجانب ومحاربة المد الإسلامي وخطر الاتحاد الأوروبي على السيادة السويسرية"، في بلد اتسم تاريخياً بنوع من الهدوء السياسي المبني على ثقافة التوافق والتنازلات المتبادلة. وتمكّن بلوشر من بسط سيطرته على المشهد السياسي السويسري بفضل ظهوره الإعلامي الصاخب وحملاته الدعائية الاستفزازية، مثلما فعل عام 2007، عندما صمّم ملصقاً لحزبه، يظهر فيه كبش يطرد كبشاً أسود بقوائمه خارج حدود سويسرا، وهو الملصق الذي خلق جدلاً كبيراً، آنذاك، في سويسرا وفي دول الجوار الأوروبي.

اقرأ أيضاً: 5 ملايين سويسري يختارون برلمانهم اليوم الأحد

وجاء الملصق الأكثر شعبية واستفزازاً في الحملة الانتخابية الأخيرة، لشباب في حزب الوسط الديمقراطي في إقليم فود، عبارة عن رسم كاريكاتوري يظهر فيه جهادي إسلامي يحمل شارة الاتحاد الأوروبي، يتهيّأ لذبح شابة سويسرية شقراء ترتدي العلم السويسري، مكمّمة ومقيّدة اليدين، يليه عبارة، "إذا كنتم تريدون الحفاظ على رؤوسكم، صوّتوا لمصلحة قائمة حزب الوسط الديمقراطي".

ويقوم بلوشر بدور أساسي على صعيد سيرته الذاتية، كونه رجلاً عصامياً، نجح في حياته الشخصية والمهنية والسياسية على الرغم من تحدره من عائلة ريفية متواضعة. فبعد نجاحه في مساره الدراسي، تفوّق، أيضاً، في الجيش وتسلّق المراتب إلى أن وصل إلى رتبة جنرال. وعندما غادر الجيش، تألّق في عالم المال، في مستهل الثمانينات، عندما حوّل شركة متواضعة إلى واحدة من أقوى الشركات السويسرية والأوروبية، وأصبح في سنوات قليلة، مليونيراً.

وخلافاً للعديد من الدول الأوروبية الأخرى، لا تتدخل سويسرا في تمويل الأحزاب السياسية ولا تضع سقفاً لميزانياتها، عمد بلوشر إلى تمويل حزبه بسخاء كبير. وسجّل مراقبون ميزانية الحملة الانتخابية الأخيرة لحزب الوسط الديمقراطي، على أنّها تعادل ميزانيات كل الأحزاب الأخرى مجتمعة.

ويبقى أن النظام السياسي السويسري له خصوصيات محلية تميّزه عن بقية دول الجوار الأوروبي. فكل أربعة أعوام، يصوّت الناخبون من أجل تجديد المجلس الوطني، وهو بمثابة البرلمان، بالإضافة إلى مجلس الدولة الذي يشبه مجلس الشيوخ. وبالنسبة لهذا الأخير، فإن نتائج انتخاباته الأخيرة تتطلب دورة ثانية لن تُعرف نتائجها، قبل شهر ديسمبر/كانون الأوّل المقبل. وما يميّز سويسرا، هو التجاؤها المنتظم إلى الاقتراع المباشر عبر الاستفتاء الشعبي الذي يحسم فيه السويسريون مواقفهم من القضايا الوطنية الكبرى، وهذا بالضبط ما يؤثر على الانتخابات الفدرالية والمحلية، ويشجّع ظاهرة العزوف الانتخابي كون الاستفتاء هو ما يحدّد معالم سياسة الدولة، حتى وإن كانت نتائجه معارضة لتوجهات الغالبية في البرلمان ومجلس الشيوخ.

وهذا ما ظهر جلياً في الاستفتاء الشعبي الذي تم تنظيمه، في 9 فبراير/شباط 2014، والذي صوّت لمصلحة إقامة نظام حصص في ما يخص المهاجرين الأوروبيين الذين يتقاطرون بكثافة إلى سويسرا بحثاً عن عمل. فالحكومة السويسرية مجبرة على نص قانون في هذا الاتجاه ضمن مهلة لا تتعدى ثلاثة أعوام، بحسب الدستور، وهذا ما يعرّضها لعقوبات من طرف الاتحاد الأوروبي من دون شك، بحسب بعض المراقبين.

اقرأ أيضاً: ميركل تدعو إلى التضامن الأوروبي في أزمة الهجرة

المساهمون