صعوبات أمام إدارة "المنطقة الآمنة": رأس العين نموذجاً

27 أكتوبر 2019
فشلت فصائل "الجيش الوطني" في ضبط عناصرها(نذير الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من الجهود التي تبذلها المعارضة السورية وتركيا لمنع وقوع أي تجاوزات في المناطق التي سيطرت عليها شرقي الفرات، إلا أن عملية ضبط بعض عناصر "الجيش الوطني" السوري المتفلتين في هذه المناطق، والتي لا تزال صعبة، تجعل إدارة شؤون المناطق "المحررة"، وفق التعبير التركي، بعد الاتفاقين الأميركي -التركي والروسي -التركي، ملفاً بالغ التعقيد.

وتشكل مدينة رأس العين غربي الحسكة النموذج الأبرز لدى الحديث عن تجاوزات "الجيش الوطني"، إذ لا يزال قادة بعض الفصائل المنضوية تحت لوائه، والتي دخلت المدينة، غير قادرين على ضبط عددٍ كبير من عناصرهم الذين اعتبروا أن السيطرة على المدينة غنيمة يمكن الاستفادة منها بلا رقيب، مستغلين مبررات وحججاً سمحت بممارسات "مليشياوية" عدة، بدءاً من السطو على ممتلكات للمدنيين بحجة انتماء أصحابها لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وليس انتهاء بالاستيلاء على ممتلكات عامة كانت "قسد" استحوذت عليها إثر سيطرتها على المدينة.




وقالت مصادر من رأس العين، إن خلو المدينة شبه التام من المدنيين، شجّع بعض العناصر المتفلتين على تنفيذ أعمال السطو هذه، والتي طاولت ممتلكات المدنيين، لا سيما الدراجات النارية والسيارات، ووصلت إلى الاستيلاء على المنازل وأثاثها وحجزها باسم هذا العنصر أو ذاك.

وكان قيادي في "الجيش الوطني" قد أوشك على الاشتباك مع عناصر تابعين لفصيل مسلح، اعتراضاً على هذه الممارسات، وتهديده إياهم بإطلاق النار. إلا أن ذلك لم يردع آخرين عن وقف استلائهم على ما يسمونها غنائم مشروعة، كونهم يعتبرون أنهم خاضوا معارك طاحنة للسيطرة على المدينة.

وكان ضباطٌ أتراك قد قدّموا مقترحاً لفصائل "الجيش الوطني" المشاركة على محاور القتال في المدينة، بتقسيم أحيائها بينها لتسهيل عملية تمشيطها وتنظيف الأحياء من مخلفات "قسد"، سواء العبوات الناسفة أو الألغام وغيرها. واستغل عناصر تابعون لتلك الفصائل هذا المقترح للاستفراد بالأحياء المخصصة لهم، بغياب الرقابة من فصائل أخرى.

وكشف المسؤول في موقع "زمان الحدث"، رودي حسّو، في حديث مع "العربي الجديد"، عن معلومات من داخل المدينة تفيد بأن "أغلب التجاوزات مسؤول عنها عناصر تابعون للواء السلطان مراد، وفصيل أحرار الشرقية، الذين سطوا على الممتلكات العامة والخاصة، لا سيما في الأحياء الكردية، وأبرزها المحطة الجنوبي، سوق الهال، زراداشت، روناهي، والخرابات". وأضاف حسّو أن عمليات السطو "طاولت محال تجارية ومنازل وفرناً كان يرفد جزءاً كبيراً من المدينة بالخبز، إضافة للاستيلاء على صوامع الحبوب في حي المحطة المتاخم للحدود مع تركيا، كما تعرضت مطاعم ومقاهٍ للنهب والسرقة، وذلك تحت ذريعة واحدة هي انتماء أصحاب هذه الممتلكات لقسد".

ويشكل الأكراد ما نسبته 30 في المائة تقريباً من سكان رأس العين، فيما يشكل العرب النسبة الأكبر من الـ70 في المائة المتبقية، مع مكوّنات أخرى منها الأشوريون والسريان والتركمان، بحسب مصادر.

مقابل ذلك، تؤكد أنقرة والمعارضة السورية أنها تعتزم معاقبة أي مسؤول متورط في هذه التجاوزات. وقال وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو أمس "إننا لا نتسامح مع انتهاكات حقوق الإنسان"، في مناطق العملية التركية، مشدداً على أن بلاده "هي الدولة الأحرص على مسألة وحدة الأراضي السورية، وعودة المهاجرين إلى بلادهم بشكل طوعي". ولفت إلى أن "الجيش التركي يتحرك دائماً بدقة في ما يتعلق بالقضايا الإنسانية (خلال العمليات)"، مضيفاً أنه "وفقاً لمعطيات الأمم المتحدة، فإن 30 ألف شخص بدأوا بالعودة إلى ديارهم في منطقة" العملية التركية.

وفي السياق، كانت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، قد شكّلت خلال الأيام الأولى من المعركة ما أسمتها "لجنة المتابعة والتحقيق"، برئاسة معاون وزير الدفاع العميد حسن حمادة، للنظر في أي شكاوى وتجاوزات قد يرتكبها عناصر في "الجيش الوطني" مشاركون في العملية. واستقبلت اللجنة إلى الآن شكاوى عدة، أبرزها ما يخص معاملة الأسرى التابعين لـ"قسد". وأكدت أن جميع عناصر "الجيش الوطني" ضباطاً وأفراداً تحت المحاسبة، وأنها أحالت بعض المتجاوزين للتحقيق وإنزال العقوبة بحقهم.

وكانت رأس العين قد شهدت مواجهات هي الأعنف خلال العملية التركية، سيطر خلالها مقاتلو "الجيش الوطني" على نحو 60 في المائة من أحيائها، وذلك بحسب مصادر عسكرية تابعة له، فيما بقيت الأحياء الأخرى عصية عليه، بعدما تحصّن مقاتلو "قسد" داخل أنفاق تطوّق المدينة بكامل محيطها وتمتد كذلك عبر ممرات تحت الأرض إلى داخلها، لتنتهي المواجهات بانسحاب "قسد" من رأس العين إثر الاتفاق الأميركي -التركي.