صراع درعا: "جيش موحد" لمواجهة النفوذ الإيراني؟

27 يونيو 2020
ساهم العودة باجتياح قوات النظام لدرعا (محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -

تبدو محافظة درعا جنوبي سورية، التي تتصارع فيها قوى محلية وإقليمية، مقبلة على تطورات مهمة، وهي التي تعيش وضعاً خاصاً منذ تقدّم قوات النظام السوري إليها قبل عامين، من دون أن يتمكّن من فرض سيطرته على المحافظة بالكامل، مع استمرار احتفاظ الآلاف من مقاتلي المعارضة السابقين بأسلحتهم، وفي ظل فوضى أمنية يرى متابعون أنها ممنهجة من جانب النظام والمليشيات الإيرانية التي ما زالت تتمتع بحضور قوي هناك.
وبرز تطور جديد ليزيد من غموض المشهد، مع إعلان قائد اللواء الثامن في "الفيلق الخامس" المدعوم روسياً، أحمد العودة، نيته تشكيل "جيش موحد" لمنطقة حوران بدرعا، يكون نواة لسورية كلها، بحسب قوله. وبينما لم يتضح بشكل كبير هدف العودة من هذا الجيش، يتوقع مراقبون أن يكون مسعى لتشكيل قوة محلية تواجه الوجود الإيراني في جنوب سورية.

وجاء كلام العودة خلال مراسم عزاء في مدينته بصرى الشام بريف درعا الشرقي، بعد مقتل عشرة من عناصره جراء تفجير حافلة تضم 40 عنصراً، كانت تُقلّهم من اللاذقية إلى درعا لتبديل نوباتهم، فيما شارك المئات في تظاهرات هاتفين ضد إيران والنظام السوري، اتهم فيها الأهالي "حزب الله" وطهران بالوقوف خلف التفجير. والعودة، الذي بدأ مسيرته مقاتلاً ضد النظام السوري بعد عام 2011، وخسر ثلاثة من إخوته في 2014، انتهى به المطاف في أحضان روسيا أكبر حلفاء النظام، بعد أن أسهم، خلال اجتياح الأخير لمحافظة درعا عام 2018 في تسهيل ذلك الاجتياح وتسليم السلاح الثقيل، مقابل عدم دخول قوات النظام إلى مناطق سيطرته بريف درعا الشرقي. وانضم العودة بعد ذلك إلى "الفيلق الخامس" التابع لروسيا، التي كافأته بتسليمه قيادة الفيلق في المنطقة الجنوبية، ليستمر التعاون بين الطرفين بعد ذلك، من خلال موافقة العودة على إرسال مقاتليه إلى الشمال السوري، لمساندة النظام في حملته ضد فصائل المعارضة، الأمر الذي منحه ثقة أكبر من جانب الروس. كما يتلقى العودة دعماً من الإمارات، عبر أحد أقربائه، وهو رجل الأعمال خالد المحاميد، نائب رئيس هيئة التفاوض السورية السابق، المقيم في الإمارات.

وفي الشهور الأخيرة، سعى العودة للعب أدوار توفيقية بين النظام وأهالي المحافظة ومقاتليها السابقين. وعلى سبيل المثال، هاجمت قوات النظام مدينة الصنمين، في مارس/آذار الماضي، واشتبكت مع مقاتلين رفضوا تلك "التسوية" وفضلوا البقاء في درعا. وبعد محاصرتهم من جانب قوات النظام، تدخلت قوات العودة لفض النزاع وفرض هدنة، انتهت بترحيل المقاتلين نحو الشمال السوري.

وتوقع الناشط الصحافي محمد الشلبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يسعى العودة للتوصل إلى اتفاق جديد مع روسيا يتضمن توسيع نفوذه من الريف الشرقي إلى الريف الغربي في درعا، ما قد يؤدي لتصادم عسكري مع "الفرقة الرابعة" المدعومة من إيران. ولفت الشلبي إلى أن تحرك العودة جاء بعد أن دعا النظام عبر المساجد إلى التحاق المنشقين والمتخلفين عن الخدمة من أبناء المحافظة بجيشه، وفي ظل تنافس فروع الأمن و"الفرقة الرابعة" والمليشيات الإيرانية على محاولة استقطاب هؤلاء الشبان، مشيراً إلى أن العديد من الشبان سجلوا أسماءهم كعناصر في قوات العودة، من دون أن يلتحقوا بها فعلياً، وذلك بغية عدم سحبهم للخدمة في قوات النظام، مقابل الخضوع لدورة تدريبية قصيرة مدتها أسبوعان.


ولفت الشلبي إلى أن إعلان العودة عن "جيش موحد" قريب لدرعا، جاء بعد إعلان مماثل من رجل الأعمال خالد المحاميد، في حديث له على إحدى المحطات الفضائية، ما يشير إلى أنها خطوة متفق عليها مع جهات خارجية، وقد تكون تمت بضوء أخضر أميركي وخليجي (إماراتي سعودي) بهدف تشكيل قوة محلية تواجه الوجود الإيراني في جنوب سورية، نظراً لتعذر وجود قوة أخرى على الأرض تتولى مثل هذه المهمة، والتي تحظى أيضاً بقبول روسي، لكن ضمني.

من جهته، قال المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" أبو محمود الحوراني، لـ"العربي الجديد"، إن العودة يسعى منذ فترة لجمع المنشقين والمتخلفين عن الخدمة في قوات النظام بهدف منعهم من الانضمام إلى المليشيات الإيرانية، مشيراً إلى أن "الفيلق الخامس" لم يقدم أي رواتب للشبان، ويتكفل فقط بحمايتهم من حملات الاعتقال. ويقدر تعداد "اللواء الثامن"، التابع إلى "الفيلق الخامس"، حالياً بنحو 1600 عنصر، جميعهم من العناصر السابقين في المعارضة السورية.

في غضون ذلك، شهدت مدينة الحراك في الريف الشرقي تظاهرة شارك فيها عشرات الشبان، ليلة الخميس الماضي، هتفوا خلالها ضد النظام، وطالبوا بطرد المليشيات الإيرانية من سورية. وسبق ذلك خروج تظاهرة مماثلة في بلدة أم المياذن في ريف درعا، طالب المتظاهرون خلالها بالإفراج عن المعتقلين في سجون النظام، ورفع القبضة الأمنية عن محافظة درعا. وقبلها بيوم واحد، شارك المئات في مدينة بصرى الشام شرق محافظة درعا في تظاهرة، مطالبين بطرد المليشيات الإيرانية من المحافظة، والإفراج عن المعتقلين.

وفي سياق متصل أيضاً، عمد مسلحون يتبعون لـ"الفيلق الخامس" إلى محاصرة حاجز للمخابرات الجوية التابعة للنظام في بلدة الحراك شرقي درعا، بعد أن قام عناصر الحاجز باعتقال مدني من أبناء المنطقة، ليجبرهم عناصر "الفيلق الخامس" على إطلاق سراحه بعد محاصرتهم للحاجز. كما أصيب عدد ممن وصفوا بـ"المتعاملين" مع "حزب الله" اللبناني، مساء الخميس، في هجوم شنه مجهولون في ريف درعا الأوسط، بحسب ما ذكرته شبكة "تجمّع أحرار حوران"، التي أشارت إلى أن مسلحين، كانوا يستقلون دراجات نارية، أطلقوا الرصاص والقنابل على منازل عدة أشخاص متهمين بالعمالة لـ"حزب الله".

على الضفة الأخرى، لاحظ ناشطون تحركات لـ"الفرقة الرابعة"، التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام، مرجحين أنها تمهد لانسحاب عناصر الفرقة خلال الفترة المقبلة من عدة مناطق في مركز محافظة درعا باتجاه ريف درعا الشمالي وريف دمشق. وقال الشلبي إن قرار الانسحاب قد يشمل ضاحية مدينة درعا وغربها، مع الحفاظ على عدة حواجز يشغلها عناصر التسويات المنضمين حديثاً إلى الفرقة. وكانت "الفرقة الرابعة" عملت، أواخر الشهر الماضي، على تقطيع أوصال ريف درعا الغربي، بنشرها حواجز متفرقة بين مدن المنطقة وبلداتها، عقب مقتل عدد من عناصر الشرطة التابعين للنظام في المنطقة.


كما تسعى سلطات النظام إلى استرضاء الأهالي، خصوصاً بعد تعيين محافظ جديد في درعا قبل عشرة أيام، إذ أصدر رئيس النظام بشار الأسد مرسوم عفو شمل 49 شخصاً من أبناء المحافظة. غير أن مصادر محلية أكدت أن المفرج عنهم بغالبيتهم كانوا معتقلين لأسباب جنائية، وأنه جرى اعتقال آخرين بعد إجراء التسويات مع النظام في العام 2018، ولم يتم الإفراج عن معتقلين قدامى ممن يطالب بهم الأهالي. وخلال عملية إطلاق سراح المعتقلين، قال رئيس اللجنة الأمنية في النظام السوري في درعا اللواء حسام لوقا إنه تمت دراسة ملفات 3734 شخصاً مطلوباً من المحافظة، وأقرّ كفّ البحث عنهم بعد الدراسة الأمنية، ورفع الحجز على أملاك أكثر من 600 منهم. وجاء رفع الحجز بعد مطالب من اللجان المركزية في محافظة درعا، المسؤولة عن ملف التفاوض مع النظام وروسيا، لمحافظ درعا الجديد مروان شربك، حيث تمت الموافقة على قرار رفع الحجز من مكتب الأمن الوطني ووزارة المالية في النظام. وقال لوقا، الأربعاء الماضي، خلال الإفراج عن المعتقلين الـ 49 من سجون النظام، إنه تم تشكيل لجنة لرفع الحجز الاحتياطي عن الذين فُرِض عليهم، وحالياً تم رفعه عن الغالبية بعد مراسلة مكتب الأمن الوطني ووزير المالية. ويبدو أن النظام يسعى إلى خطب ود أهالي درعا من خلال إظهار استجابته لبعض مطالبهم. لكن من الواضح أنها استجابة شكلية، فالكثير ممن رفع الحجز عن أملاكهم إما قتلوا بيد قوات النظام أو ما زالوا في سجونه، بينما يمتنع النظام حتى الآن عن الإفراج عن المعتقلين منذ السنوات الأولى للثورة في سورية.