صراع جديد بين أميركا وروسيا حول ثروات المنطقة القطبية

05 اغسطس 2014
روسيا لن تتخلى عن المنطقة القطبية (ساشا موردوفيتس/Getty)
+ الخط -
بات معلوماً أن العقوبات الأميركية الأخيرة، بحق روسيا، تتضمن حرمانها من تقنيات استخراج النفط من البحار العميقة. وتوقّع بعض الخبراء الروس تعرّض قطاع استخراج الهيدروكربونات لأضرار جدّية نتيجة ذلك، الأمر الذي ستكون له انعكاسات سلبية على مشاريع روسية عدة.

لكن الصراع الجديد يكمن في العودة إلى الحديث عن حقوق التنقيب والاستخراج في المنطقة القطبية وملكيتها، بعدما حسمت الأمم المتحدة في مارس/آذار الماضي، ملكية بحر أوخوتسك لمصلحة روسيا، إذ لا تزال الولايات المتحدة والنرويج والدنمارك وكندا، تتحدث عن حقوقها في منطقة القطب (الروسية)، وعدم شرعية استفراد روسيا بها.

واعترفت الأمم المتحدة بملكية روسيا الاتحادية لبحر أوخوتسك، في 11 مارس/آذار الماضي، بعد تمكّن موسكو من إثبات تشكيل قعره، امتداداً للجرف القاري الروسي. وفي النتيجة زادت مساحة روسيا 52 ألف كيلومتر مربع.

وتشير التقديرات الأولية إلى وجود نحو مليار طن من النفط والغاز في قاع هذا البحر، ويرى الخبراء أن الاعتراف الأممي بملكية روسيا للبحر المذكور، يشكّل خطوة واقعية نحو الاعتراف بتبعية سلسلة لومونوسف للجرف القاري الروسي، وصولاً إلى مركز القطب الشمالي، مما يعني أن حدود روسيا ستعود إلى وضعها السوفييتي السابق، من شبه جزيرة كولا إلى القطب الشمالي، ومن هناك إلى مضيق بيرينغ.

وكانت روسيا قد أفقدت نفسها حقوقها في القطب الشمالي، في لحظة غفلة، أو عدم تفكير في الآفاق المستقبلية، حين وقعت في عام 1994 على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن البحار، التي تنص على أن الحدود الوطنية تقع على مسافة 12 ميلاً بحرياً من الشاطئ.

وسبق اعتراف الأمم المتحدة بتبعية بحر أوخوتسك لروسيا، إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن العودة إلى القواعد السوفييتية السابقة في المنطقة القطبية الشمالية.

وجاء إعلان بوتين نتيجة اكتساب المنطقة أهمية اقتصادية من الدرجة الأولى، بعد اكتشاف احتياطات نفط وغاز كبيرة فيها، واشتداد الصراع عليها بين روسيا وبلدان حوض المحيط المتجمد الشمالي، كندا والولايات المتحدة والنرويج والدانمارك، التي بدأت تشكك بتبعية المنطقة القطبية لروسيا.

ثروات تستحق الصراع

وأشارت الدراسات الجيولوجية الأميركية، في عام 2000، إلى أن المنطقة يمكن أن تحتوي على ما يعادل ربع احتياطات العالم الممكنة من النفط والغاز.

وحتى اليوم، تم اكتشاف أكثر من 20 حقلَ نفطٍ وغاز في المنطقة، 10 منها جدواها الاقتصادية مثبتة، ومن أشهر تلك الحقول حقل شتوكمانوفسكويا، الواقع في الجرف الروسي من بحر بارينتس.

ووفقاً لتقديرات وزارة الموارد الطبيعية الروسية، هناك 15.5 مليار طن من النفط و84.5 تريليون متر مكعب من الغاز، متركزة على مساحة 6.2 مليون كيلومتر مربع.

ومع هذه الأرقام الكبيرة، تشكل المنطقة خزان طاقة كبيراً، الأمر الذي يجعل الدول تتصارع على إثبات أحقيتها في المنطقة.

وفي حال تمكنت روسيا من إثبات أن سلسلة لومونوسوف، ومرتفعات مندلييف، الممتدة تحت الماء في اتجاه غرينلاند تشكل استمرارية للصفيحة القارية السيبيرية، فإنها ستحصل على الحق بإضافة 1.2 مليون كيلومتر مربع إلى أراضيها في القطب الشمالي، وبالتالي الحق في تطوير حقول نفط وغاز هائلة في مثلث تشوكوتكا، مورمانسك، القطب الشمالي.

وتمتلك روسيا في أعماق المنطقة القطبية الروسية غير المتنازع عليها أكثر من 70 في المائة من إجمالي احتياطاتها النفطية، و88 في المائة من احتياطات الغاز، بينما تقدر قيمة المكتشف من مصادر الطاقة وخامات المعادن في القطب (الروسي) بما يفوق 15 تريليون دولار.

وتشغل هذه المنطقة من مساحة روسيا الاتحادية، ما نسبته 18 في المائة، وينتج حوالى 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الروسي، وقرابة 22 في المائة من الصادرات الروسية.

ومن شواطئ القطب البالغ طولها 38700 كم، تبلغ حصة روسيا 22600 كم ( حوالى 58 في المائة)، علماً بأن المساحة التي تملكها روسيا من المنطقة القطبية أكبر بـ 1.42 ضعف مما تملكه الدول الأربع المتاخمة للقطب.

سلاح العقوبات

وتقول تقديرات الخبراء الروس إنه في حال عدم تخفيف أو إلغاء الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على روسيا، فإن ذلك سيؤدي بصورة مباشرة إلى تخفيض استخراج النفط من قبل روسيا في عام 2020.

ويدور الحديث عن التقانات والمعدات الخاصة باستخراج النفط من أعماق البحار، والتي تستوردها روسيا من الغرب، علماً بأن الاتحاد الأوروبي شمل هذه المعدات في العقوبات المفروضة.

وفي هذا السياق، قال المحلل في شركة "سبيربانك" الاستثمارية، فاليري نيستروف، إنه "كان متوقعاً أن توجه العقوبات لضرب خطط استخراج النفط والغاز الروسية على المدى البعيد، فنحن نعتمد 100 في المائة تقريباً على التكنولوجيا والمعدات المستوردة لاستخراج النفط من الجرف القطبي".

وأضاف أن "روسيا لا تزال في خطواتها الأولى في استثمار المنطقة القطبية، فهي بالكاد بدأت ببناء السفن والأرصفة اللازمة". وأشار إلى "عزم موسكو على استخراج حوالى 60 مليون طن نفط، من الجرف القطبي مع حلول عام 2030".

وأوضح نيستروف أن "الضرر من العقوبات الأميركية لن يقتصر على روسيا فقط، بل سيشمل الشركات الأميركية صاحبة المصلحة الحقيقية في الاستثمار في الجرف القطبي، ليس من ناحية مالية فقط إنما من جانب تطوير التقانات والحلول التكنولوجية في منطقة صعبة، تشكل آخر المواقع التي لم تصلها يد الإنسان بعد".

الحاجة أم الاختراع

ولا ينتظر أن تقف روسيا مكتوفة الأيدي حيال حرمانها من تقنيات استخراج النفط من أعماق البحار، فقد يشكل الحصار المفروض عليها تحدياً أمام العلوم الروسية لإيجاد حلول تستغني من خلالها عن التقنيات المستوردة، وقد يؤخر ذلك الإنتاج عقداً اضافياً، لكنه سيخدم روسيا في المحصلة.

وفي حال عدم وصول روسيا إلى حلول تكنولوجية تغنيها عن الغرب، يتوقع أن ينخفض إنتاجها من النفط بمعدل 5 إلى 10 في المائة في السنوات المقبلة، وفقاً لتقديرات المدير التنفيذي لصندوق "سكولكوفو" لكفاءة تقانات الطاقة، نيكولاي غراتشيف.

لكن من الواضح أن أي ضغط وأية تهديدات لن تجعل روسيا تتخلى عن هذه المنطقة، التي تشكل خزان طاقة كبيراً، على الرغم من أن ذلك سينعكس على قدرة روسيا على تمويل مشاريعها وموازنتها عموماً، إلا أنه سيدفعها إلى إيجاد مداخيل أخرى.

ويبدو الحل، الذي ستلجأ إليه روسيا مؤقتاً، يتركز في تجميد مشاريعها في المنطقة القطبية، الأمر الذي قد يصب في مصلحة الأجيال المقبلة، والاكتفاء بمعدلات الاستخراج القائمة في الحقول الحالية، التي لن تتضرر في الأفق القريب المقبل، وفقاً لخبراء في وزراة الطاقة الروسية.