"هو يشبه جوليا". "يجعلني أضحك". "أحبّه جدّتي". "أريد اللعب معه". تلحّ الفتاة الصغيرة على جدّتها التي كانت ترافقها إلى ذلك المسبح. هي أرادت منها أن تسمح لها باللعب مع جوليان. هذا هو اسم الصبيّ الصغير، ابن الأعوام الأربعة، الذي كان يدور حول نفسه على مقربة من حوض السباحة. أمّا اسم الصغيرة وسنّها فلم يذكرهما أحد. تفصيلان غير مهمَّين.
لم يكن والد جوليان، لو إيفرمان، يخفي قلقه على ابنه. الصغير مصاب بالتوحّد، وفي بعض الأحيان يدور حول نفسه أو يرفرف بيدَيه، الأمر الذي يجعل أطفالاً آخرين يأتون بردود فعل قاسية تجاهه. لكنّ أمراً مغايراً حدث في ذلك اليوم. فتاة صغيرة عبّرت عن رغبتها في اللعب معه، مشدّدة على أنّه يشبه جوليا. تجدر الإشارة إلى أنّ التشابه بين اسم جوليان واسم جوليا صدفة بحتة. من هي جوليا تلك؟ هي ليست شقيقة الصغيرة ولا صديقتها في دار الحضانة، كذلك ليست واحدة من أنسبائها ولا هي ابنة الجيران. جوليا هي دمية لطيفة انضمّت مع أرنبها الصغير إلى أبطال برنامج الأطفال التلفزيونيّ "سيسامي ستريت"، صفراء اللون بينما شعرها برتقاليّ وثيابها بنفسجيّة وزهريّة.
بالنسبة إلى والد جوليان، فإنّه "من الرائع" ملاحظة أنّ ثمّة أطفالاً لا يشعرون بأيّ تهديد ولا بأيّ انزعاج بالقرب من الصغير. وقد أكّد في حديث صحافيّ أنّ مشاهدة الفتاة وهي تشرح لجدّتها فكرة اللعب مع طفل مصاب بالتوحّد "أمر سحريّ". ولأنّ ذلك مسّه في العمق، فقد عمد إلى مشاركة ما حدث، في حين أنّه حرص على احترام خصوصيّة الصغيرة. هو سعيد. ابنه تمّ تقبّله. كثر هم الأطفال الذين يشعرون بالخوف عندما يكون جوليان في الأرجاء، إذ إنّه لا يجري أيّ اتصال بصريّ مع مَن حوله ويغمغم كثيراً ولا يتجاوب مع ما هو اجتماعيّ نمطيّ.
مشهد الصغيرة وهي تتوجّه نحو جوليان في وقت كان هو يغمغم ويرفرف بيدَيه، لا شكّ في أنّه من التجارب التي "تُنقَش في ذاتك". كلمات والد جوليان هذه، لا شكّ في أنّها تمسّ آباءً وأمّهات يتألّمون كلّما شعروا بأنّ صغيرهم منبوذ. كثيرون، في أيّ من بقاع العالم، ما زالوا لا يتقبّلون التوحّد، على الرغم من محاولات دمج تُسجَّل في هذا السياق.
لقاء جوليان والفتاة الصغيرة حدث في إحدى مدن الولايات المتحدة الأميركيّة، قبل أيّام. بالتزامن، وفي المقلب الآخر من الكرة الأرضيّة، في واحد من بلداننا العربيّة، كانت امرأة تنتقل إلى مسكن جديد مع ابنَيها. أكبرهما يبلغ من العمر عشرة أعوام وأصغرهما أربعة. اثنتان من الجارات راحتا تراقبان العائلة الصغيرة. لاحظتا أنّ الابن الأكبر "معاق" وعبّرتا عن خشيتهما من أن يثير جلبة في المبنى. بالتأكيد، هما لم تشاهدا "سيسامي ستريت" ولم تتعرّفا إلى جوليا وأرنبها الصغير، كذلك لم يفعل أولادهما.