صحة بوتفليقة: غموض الراهن وصراع الدوائر

03 ديسمبر 2015
غموض مستقبل الجزائر ما بعد بوتفليقة (Getty)
+ الخط -

قبل أسبوعين فقط، انتشرت إشاعات عن نقل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للعلاج في باريس، ولم تعلق السلطات على هذه التقارير، لكنها أعلنت استقبال الرئيس وزير خارجية مالطا، فكان ظهور بوتفليقة على شاشة التلفزيون بمثابة الرد على كل الإشاعات.


وتكرر الإعلان، اليوم الخميس، عن نقل بوتفليقة إلى باريس، لإجراءات فحوصات طبية وصفتها الرئاسة الجزائرية بـ"الدورية".

بدأ الحديث عن الحالة الصحية لبوتفليقة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2005، حيث ألمت به وعكة صحية، ولم ينتبه المجتمع السياسي حينها إلى مرض الرئيس، لكن تدهوراً صحياً قاسياً عاود بوتفليقة في أبريل/نيسان 2013، استدعى نقله للعلاج في المستشفى العسكري في باريس، حيث ظل لمدة 81 يوماً، مما أثار جدلاً كبيراً حول إمكانية أن يتوجه للترشح لولاية رئاسية رابعة في الانتخابات.

استمر الجدل حتى الرابع من مارس/آذار 2014، حيث أقدم الرئيس بوتفليقة على تقديم ترشيحه للانتخابات، برغم الحراك الاحتجاجي، الذي كانت تشهده الجزائر في تلك المرحلة ضد ولايته الرابعة.
فوز الرئيس بالانتخابات لم ينه الجدل بشأن حقيقة حالته الصحية، وتأثيرات ذلك على صناعة القرار السياسي في البلاد، خاصة  وأن تقارير  كثيرة  كانت تتحدث عن سيطرة سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس، مع "كارتل" من رجال المال والأعمال، وبدعم من قيادة أركان الجيش، على الدائرة الضيقة التي تدير  شؤون الدولة، وهو وضْعٌ عُدَّ انقلاباً صامتاً ووضعاً لم تتعود عليه الجزائر في كل مراحل تطور الدولة ومنظومتها  السياسية.

اقرأ أيضا:ً جنرالات الجزائر في قبضة القضاء: تصفية حسابات سياسية؟

حيال هذا الوضع، كانت قوى المعارضة السياسية قد حشدت مواقفها للدفع بما اعتبرته شغورا في منصب الرئيس، وضرورة تطبيق المادة 88 من الدستور، التي تنص على آلية الفراغ الدستوري، وشغور منصب الرئيس وكيفية استخلافه، وهي الدعاوى التي قابلتها حملة تشكيك وتخوين للمعارضة، قادتها الأحزاب الموالية للسلطة.

لكن الصراع والكشوفات المتباينة حول وضع الرئيس بوتفليقة، بين أحزاب السلطة والمعارضة، كان في قلب صراع آخر تدور رحاه بين مؤسسة الرئاسة وجهاز المخابرات، صراع اتخذ بعداً علنياً عندما هاجم أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، المقرب من الرئيس بوتفليقة، بعنف قائد جهاز المخابرات، الفريق محمد مدين، كما قاد الرئيس بوتفليقة حملة إقالات في صفوف كبار قادة الجهاز، وتعديل هيكلته ونقل عدد من الهيئات التابعة للمخابرات إلى هيئة أركان الجيش، وحلّ أخرى.

قرارات بوتفليقة وضعت في سياقين، يتعلق الأول برد الرئيس بوتفليقة على مواقف جهاز المخابرات، الذي كان يدفع باتجاه منعه من الترشح لولاية رئاسية رابعة، ويتعلق الثاني بتمهيد الرئيس لظروف خلافته في حال عجل وضعه الصحي بمغادرته الحكم، أو قرر الذهاب إلى  انتخابات رئاسية مسبقة، والإشارة دون  تدخل أطراف أخرى، إلى الخليفة الذي يأتمنه بوتفليقة على ميراثه السياسي، خاصة وأنه يعتزم كما أعلن  في آخر رسالة وجهها إلى الشعب طرح مسودة دستور جديد يعيد توزيع الصلاحيات،  وتنظيم العلاقة بين مؤسسات الدولة، على نحو يعتقد الرئيس بوتفليقة ومحيطه السياسي أنه يخرج الجزائر من منظومة الحكم الذي يتدخّل فيه العسكر، إلى منظومة دولة مدنية.

أكثر الأسئلة الراهنة في المشهد السياسي في الجزائر، تتعلق بالشخصية السياسية، التي يمكن أن يقع عليها اختيار الرئيس بوتفليقة لخلافته.

وبغضّ النظر عن الآلية الدستورية التي  تتيح ذلك، فإن العلاقات الفاترة والمشاحنات السياسية بين قادة حزبي السلطة، عمار سعداني، الذي يقود حزب الأغلبية البرلمانية جبهة التحرير الوطني، وأحمد أويحيى رئيس ديوان الرئيس، وأمين عام حزب التجمع  الوطني الديمقراطي، لا تعطي صورة واضحة عن الخيارات المطروحة بهذا الشأن، وإذا أضيف إلى المشهد عامل المعارضة، التي بدأت تتجمع  أكثر من أي وقت مضى، وتقوى ذراعها بفعل إخفاق سياسات الرئيس بوتفليقة الاقتصادية  والاجتماعية، ومأزق  الأزمة الجديد بفعل تراجع مداخيل البلاد بسبب انهيار أسعار النفط ، فإن المشهد يصير أكثر غموضاً وضبابية، بشأن الجزائر ما بعد بوتفليقة.

اقرأ أيضاً: الرئيس الجزائري يظهر في التلفزيون لدحض إشاعات وفاته