صحافيون يهدمون الجدار

17 اغسطس 2015
ما حدث في تلك الانتخابات كان مختلفاً (عبدالرحمن عرابي)
+ الخط -

أكّدت انتخابات نقابة محرري الصحافة اللبنانية التي جرت الأسبوع الماضي، مدى أهمية التقاط الزملاء الشباب للمبادرة، إثر الهشاشة والمرض اللذين أصابا هذا الجسم النقابي.

في انتخابات نقابة المحرّرين تحوّلت الهواتف الخلوية بأيدي الصحافيين الشباب إلى محطات إرسال توثّق بالصوت والصورة كلّ ما يحدث داخل جدران قاعة الانتخابات وحول صندوق الاقتراع. تحوّل كل زميل وزميلة إلى وسيلة إعلامية بذاتها، تتولى مسؤولية التقاط المخالفات - وما أكثرها - وتوثيقها، وتقديمها إلى الرأي العام، كجزء من مسؤولية المشاركة في معركة التغيير المقبلة التي أخذها كل منهم على عاتقه.

وقد بدا واضحاً، من خلال مراقبة الانتخابات، أن الصحافة تعيش بين جيلين متباعدين. جيل الذين ينظرون إلى المهنة باعتبارها "برستيجاً" تتكامل فيه البدلة مع ربطة العنق والسيجار أحياناً وفساتين السهرة والتبرّج المبالغ به وصولاً إلى العلاقات الفاضحة بأهل السلطة والقرار، وجيل آخر بالجينز والأحذية الرياضية والهواتف الخلوية الحديثة وصفحات فيسبوك وكثير من الرفض لما هو عتيق، ومخالف، وتقليدي.

لم تجر سابقاً انتخابات حقيقية في نقابة المحررين مثلما جرت الأسبوع الماضي. ربما لم تجر انتخابات مماثلة فيها قط. إذ تعوّد الصحافيون المنتسبون إلى جدولها النقابي، وأكثرهم من المسجّلين بـ"الواسطة" وغير العاملين في المهنة، أن يحضروا إلى الانتخابات لمبايعة النقيب ولائحته، رافعين اللائحة في الهواء، تأكيداً على المبايعة، في مشهدٍ منفّرٍ يشبه أي انتخابات صورية في نظام ديكتاتوري.

ما حدث في انتخابات الأسبوع الماضي كان مختلفاً. فقد ارتفعت أصوات صحافيين وصحافيات، شباب بغالبيتهم، رفضوا ثقافة "السيجار" و"البيك" ومنطق "الجماعة" التي سادت طوال عقود، في نقابة كان من المفترض أن تكون من الأكثر شفافية في الممارسة والتعبير وحماية الحقوق والحريات.

لم يحصل في العقود الأخيرة أن تحرّك الزملاء رفضاً لهذا الواقع النقابي مثلما تحرّكوا الأسبوع الماضي. رفعوا أصواتهم داعين إلى مقاطعة الانتخابات، من دون أن يتركوا المبادرة للنقيب و"جماعته". حضروا كمراقبين لأدقّ التفاصيل الانتخابية، وتسلّحوا بقرار قضائي يلزم حضور خبير معيّن من المحكمة يرفع تقريراً عن الانتخابات، كذلك دعوا المجتمع المدني ليكون عيناً إضافية.

ربما كانت معارك الحقوق مساراً طويلاً، لكنّه مسارٌ يبدأ بخطوة مثلما يبدأ هدم الجدار بضربة. وقد يكون الجدار سميكاً، لكنه سيقع عاجلاً أم آجلاً، إثر الضرب المستمرّ.

اقرأ أيضاً: "لا"
المساهمون