صحافيون مصريون: لائحة الجزاءات قمعية وتجرّم ممارسة الإعلام

13 يناير 2019
يتواصل استهداف الحريات الصحافية في مصر (أحمد إسماعيل/الأناضول)
+ الخط -

تقدّم أعضاء في الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين المصرية بمذكرة إلى "المجلس الأعلى للإعلام"، و"مجلس الدولة" (جهة قضائية)، اعتراضاً على لائحة الجزاءات التي أقرها الأول أخيراً، مؤكدين أنها جاءت لإكمال مشهد فرض الصمت التام على وسائل الإعلام كلها، عبر نصوص عقابية جرّمت تماماً ممارسة مهنة الإعلام والصحافة، إلا في الحدود المسموح بها أمنياً وحكومياً.

وقالت المذكرة إن اللائحة لم تقف عند حدود تحويل نصوص قانون تنظيم الصحافة والإعلام القمعية إلى إجراءات عقابية، بل توسعت في فرض عقوبات حتى خارج إطار القانون، وخارج نصوصه، لتهدم المبدأ القانوني الراسخ الذي يشدد على أنه لا عقوبة إلا بنص.

كان سكرتير عام نقابة الصحافيين، حاتم زكريا، وعضو مجلس النقابة، محمد سعد عبد الحفيظ، قد انسحبا من اجتماع مجلس نقابة الصحافيين الذي عُقد الثلاثاء الماضي، رفضاً لمناقشة لائحة جزاءات المؤسسات الصحافية والإعلامية. وكانت هيئة مكتب "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" برئاسة مكرم محمد أحمد، في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وافقت على مشروع لائحة الجزاءات. 

وكان "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، وهو مؤسسة حكومية محل وزارة الإعلام، برئاسة مكرم محمد أحمد، الكاتب الصحافي الموالي للنظام الحالي، ونظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، قد انتهى، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من إعداد المسودة النهائية للائحة الجزاءات الخاصة بالمخالفات الإعلامية لوسائل الإعلام المختلفة التي جاءت في 30 مادة، وتشمل المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، على أن يتم إرسالها إلى مجلس الدولة لمراجعتها، تمهيدًا لإقرارها رسمياً.

وعلى إثر الإصدار التمهيدي للائحة قبل شهرين، وقّع أكثر من 600 صحافي وباحث وسياسي وشخصية عامة، على بيان أعلنوا من خلاله رفضهم الكامل لما سُمِّي بـ"لائحة جزاءات المجلس الأعلى للإعلام" جملة وتفصيلا.


وحسب المذكرة، فإن اللائحة اغتصبت سلطة القضاء بمنحها المجلس الأعلى للإعلام سلطة فرض عقوبات جنائية على الصحف والمؤسسات، كالغرامات (المبالغ فيها) التي امتلأت بها نصوص اللائحة، وتراوحت بين 250 و500 ألف جنيه، وعلى اتهامات لم ترد في القانون الحالي، ما يعد خرقاً لمبدأ عدم ازدواج العقوبة.

وأضافت أن من وضعوا اللائحة تجاوزوا قانون المجلس، خاصة مادته "101"، وهي النص الوحيد الذي فرض القانون فيه عقوبة على عدم النشر، وهي العقوبة الخاصة بالامتناع عن نشر التصحيح، إذ حددت المادة العقوبة بأنها لا تقل عن 50 الفاً، ولا تزيد عن 100 ألف جنيه، في حين رفعت اللائحة العقوبة إلى 200 ألف جنيه، واستبدلت الحكم القضائي الوارد في نص المادة بقرار إداري يصدره المجلس.

وتابعت: "ومثلما اغتصبت اللائحة سلطة القضاء في الحكم بعقوبات جنائية، فإنها تعدت سلطة النقابات في معاقبة أعضائها تأديبياً، متجاهلة النصوص القانونية والدستورية التي تعطي للنقابات المهنية دون غيرها سلطة معاقبة أعضائها تأديبياً".

وأفادت المذكرة بأن اللائحة منحت في المادة "8" منها للمجلس حق استدعاء الصحافيين والإعلاميين للتحقيق، كما منحته حق فرض عقوبات تأديبية ضدهم كالمنع من الظهور في وسائل الإعلام، أو حجب الصفحات والأبواب تماما أو وقفها لفترات، بالمخالفة للدستور وقانون المجلس نفسه الذي ينص على منع إعادة نشر المادة الصحافية محل المخالفة أو حذفها، وصولاً إلى الحجب التام للموقع الإلكتروني لمجرد الاشتباه في ارتكاب جريمة.

وقننت اللائحة للمرة الأولى قوائم المنع من الظهور في وسائل الإعلام بدواع فضفاضة كاعتبارات الأمن القومي، أو حتى في حالة اتهام الصحافي أو الإعلامي بارتكاب مخالفة قد تشكل جريمة جنائية، وهو ما يمثل فرض عقوبة من دون إدانة ولمجرد الاتهام، فضلا عن مخالفتها للدستور الذي ينص على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم بحرية من دون قيود.

وأشارت المذكرة إلى أن اللائحة ساوت بين بث أخبار مجهولة المصدر ونشر شائعات، بالرغم من أن استخدام المصادر المُجهلة استثناء يحصل عليه الصحافيون في حالات محددة مشروعة، وجعلتها سبباً لحجب الموقع أو الصفحة أو البرنامج و(فرض غرامة تصل إلى 500 ألف جنيه بلا أي سند قانوني).
ومدّت اللائحة حدود التجريم، وكرّست جرائم طالما طالب الصحافيون والمهتمون بالحريات العامة وفقهاء القانون بإلغائها، عبر عبارات مطاطة مثل الإساءة لمؤسسات الدولة أو الإضرار بمصالحها العامة، أو إثارة الجماهير، أو إهانة الرأي الآخر، حسب المذكرة.

كما اخترعت اللائحة جريمة جديدة هي سب وقذف المؤسسات وسب الشعب أو فئة منه، متجاهلة أن السب والقذف يكون للأفراد، بل ووضعت لهذه الجريمة المستحدثة عقوبة جنائية لم ينص عليها القانون بفرض غرامة تصل إلى 250 ألف، وأخرى تدخل في إطار مصادرة الحريات والتعدي على الدستور، منها منع وبث أو نشر الصفحة أو الباب أو حجب الموقع الإلكتروني لفترة معينة وحجب الموقع الشخصي الذي يزيد متابعيه عن 5 آلاف لفترة محددة أو دائمة. وهي نصوص فضلاً عن عدم قانونيتها فإنها تصادر الحريات والعمل الصحافي، وتُفرض من خلال تحقيق إداري وليس من خلال جهة قضائية، رغم المطالبة الدائمة بإلغاء هذه النصوص. 

وشددت المذكرة على أن اللائحة خالفت المبدأ القانوني بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وسنّت مبدأ قانونياً جديداً يفتح الباب لمعاقبة المتهمين حتى من دون إثبات التهمة عليهم، من خلال النص في المادة الأولى منها على معاقبة من استخدم ألفاظاً واضحة وصريحة (قد) تشكل جريمة سب وقذف، بل ووصل الأمر إلى أنها أتاحت للمجلس في نص المادة 8 حق إصدار عقوبات حتى بدون تحقيق، حيث جعلت المادة التحقيق جوازاً في بعض العقوبات ووجوبياً في حالات أخرى, فضلا عن أن اللائحة لم تهتم من الأساس بوضع أي قواعد أو أسس للتحقيق ولا لحدود سلطات لجنة التحقيق أو مدته، وخطوات إجرائه والطعن عليه، وتركت كل ذلك حسب أهواء ورغبات المجلس.


وفي ظل غياب قواعد واضحة للتحقيق، فتحت الباب لعدم المساواة في المراكز القانونية، حيث منحت لرئيس المجلس حق إلغاء العقوبات الصادرة من المجلس بقرار منفرد منه، والشرط الوحيد أن يكون مسبباً من دون حتى وضع حدود لهذه الأسباب، وهو ما يفتح الباب للهوى في تنفيذ القرارات، وفقاً للمذكرة.
واقترحت المذكرة إلغاء جميع الغرامات الواردة في نصوص اللائحة، أنه ليس من حق المجلس إصدار عقوبات جنائية، فضلاً عن أنه لم ينص عليها في القانون، فلا يجوز فرض عقوبة إلا بنص والاكتفاء بالجزاءات الواردة في نصوص ومواد القانون. 

كما طالبت بإلغاء جميع النصوص التي تنص على عقوبات تأديبية للصحافيين، مثل منع ظهورهم ووقف الأبواب أو الصفحات، أو المنع من النشر لفترة محددة أو دائمة لمخالفتها نصوص القانون والدستور، المتعلقة بحرية الرأي والتعبير أو الخاصة بحق النقابات في محاسبة أعضائها، وكذلك إلغاء النص على حق المجلس في استدعاء الصحافيين للتحقيق بأن يتم تحديد الذين يحق للمجلس استدعاؤهم، وإحالة المخالفات أو الشق الخاص بالصحافيين والاعلاميين للجهات المختصة.

وختمت المذكرة بالقول إن اللائحة بصيغتها الحالية تخالف نص المادة "9" من القانون 180 لسنة 2018 التي تنص على أن الجزاءات المالية لا توقع إلا في حالة عدم الالتزام بشروط الترخيص فقط؛ وأنه يجوز منع أو نشر المادة الإعلامية - وليس الوسيلة الإعلامية - لفترة محددة أو دائمة، وأنه ليس من حق المجلس توقيع جزاءات على الصحافيين أو الإعلاميين، ولكن عليه عند توقيع جزاء على الوسيلة الإعلامية أن يقوم بإخطار النقابة المختصة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة في المخالفات التي تقع من أحد أعضائها.

وتضمنت تعديلات تفصيلية بينها: المادة (3) الخاصة بنشر وجوه الأطفال المتهمين، العقوبات المنصوص عليها في المادة "اعتذار أو لفت نظر ولوم أو غرامة مالية لا تزيد عن 250 ألف جنيه". التعديل: حذف عقوبة الغرامة.

المادة (10) الخاصة بمخالفة ميثاق الشرف الصحافي (لفت نظر الوسيلة أو إنذارها أو توقيع غرامة لا تزيد عن 250 ألفا أو منع نشر أو بث الوسيلة الصحافية أو الإعلامية لفترة محددة ومضاعفة العقوبة). التعديل 1: حذف عقوبة الغرامة. التعديل 2: إلغاء النص الخاص بمنع نشر أو بث الوسيلة الصحافية واستبداله بإلزام الصحيفة أو وسيلة الإعلام بنشر تصحيح للمادة المخالفة، ومنع إعادة بث ونشر المادة الصحافية محل المخالفة وحذفها في حالة المواقع.

المادة (5) الخاصة بسبّ الشعب أو فئة منه أو اتهامهم باتهامات تمثل إهانة لهم (غرامة لا تزيد عن 250 ألفاً ومنع وبث أو نشر الصفحة أو الباب أو حجب الموقع لفترة معينة وحجب الموقع الشخصي الذي يزيد متابعيه عن 5 آلاف لفترة محددة أو دائمة). التعديل: إلغاء هذه المادة والاكتفاء بما ورد في المادة السابقة بعد التعديل.

المادة (9) التي تعطي للمجلس حق منع ظهور الصحافي أو الإعلامي لفترة محددة لمخالفة ميثاق الشرف الصحافي، أو ارتكاب مخالفة قد تشكل جريمة جنائية أو (لاعتبارات الأمن القومي). التعديل: حذف المادة واستبدالها بإحالة الصحافي للتحقيق في نقابته.

المادة (7) الخاصة بمنع النشر أو البث أو الحجب المؤقت، مع جواز فرض غرامة مالية لا تزيد عن 250 ألفا على من يخالف قواعد تغطية العمليات الحربية أو الأمنية أو تغطية الحوادث الإرهابية. التعديل: إلغاء الغرامة والاكتفاء بالإحالة للتحقيق والعقوبات الواردة في نص القانون.