صحافة العراق: وفقاً لهوى الجهة المموّلة

05 مايو 2015
قحطان الأمين، "في أي اتجاه نحن متجهون"، 2014
+ الخط -

ثمة ولادات متعددة للصحافة العراقية، إلا أن الولادة الأخطر هي تلك التي ترافقت مع الاحتلال الأميركي في ربيع 2003، حيث عمّت الفوضى في لحظة ولادة صحف جديدة.

من جهته، أسّس جيش الاحتلال الأميركي فور دخوله بغداد صحفاً تحثّ عامّة الناس على التعامل معه ليس كمحتلّ بل كمحرّر. سرعان ما اتخذت الأحزاب التي رافقت جنود المارينز من الأميركان نموذجاً، وجعلت من صحفها أرشيفات لـ"نضالاتها" زمن المعارضة.

على هامش هاتين الضفتين، ولدت الصحافة الصفراء. تلك التي أخذت تنبش في قصص نظام البعث وتضفي عليها طابعاً "بوليسياً" كي تحثّ سكّان العراق على كره النظام الديكتاتوري أكثر مما يكرهون.

في هذا السياق، صدر أكثر من مئتي صحيفة، إلا أنه لم تولد صحافة تؤسس لمراحل انتقالية مرّت بها البلاد. نادرة هي الاسثناءات، إذ لم تأتِ تلك الصحف المتعثرة تصميماً ومحتوى بكتّاب رأي مؤثرين ومتمكّنين، ولم يظهر جيل من الصحافيين المحترفين الذين يصنعون صحافة تُعالج الأزمات وتؤسس لرؤى مستقبليّة، وتخوض في أكوام ملفات الفساد والعنف؛ وفي ظل هذا الوضع انزوى أغلب الصحافيين المحترمين، أو عملوا في مؤسسات إعلامية خارج الحدود.

زمن الاقتتال الطائفي (2006 - 2007)، أضحت الصحف نشرات تعرض الجثث التي يخلّفها قتال الأطراف المتخاصمة، ولم يبرز صوت عاقل، إلا ما ندر، بين مئات الصحف الصادرة. تحوّلت الصحف، والحال هذا، إلى الصوت الناطق باسم هذه المليشيا أو تلك.

أما في فترات الانتخابات، فتبرز صور ممولي الصحف على الصفحات الأولى، قوّة المال هنا تفرض سطوتها على القائمين على الصحيفة، وتُقاد بسلطة المال نفسه حروب الأحزاب.

في حزيران/ يونيو العام الماضي، حين استولى ما يعرف بـ تنظيم داعش على نحو ثلث مساحة البلاد، لم تعمل الصحف المنقسمة مثل الأحزاب السياسية إلى "شيعة وسنة وأكراد"، على التعامل مع الطارئ المخيف بمهنيّة يفرضها الراهن الذي يفتح على احتمال تحويل العراق إلى ولاية في "الدولة الإسلامية" المزعومة، بل بدأت "حفلة اتهامات" متبادلة بين الأطراف السياسية عبر المنابر الصحافية، فيما ظلّ المحرّرون يهندسون قصصهم ومقالاتهم وفقاً لهوى الجهة المموّلة.

يحصل كل هذا، في ظل إعاقات هيكلية، إذ لا تطبع أكبر صحيفة في بغداد أكثر من ألف نسخة، وهي من يتحمل تكلفة الطباعة والتوزيع وأجور الصحافيين؛ ما يجعل معظم المؤسسات الإعلامية خاسرة مادياً، ومجبرة على الارتهان للأحزاب و"الشخصيات" التي تقدم لها الدعم المالي من أجل الاستمرار في الصدور.

المساهمون