تجلسُ أم محمد عيتاني في منزلها في منطقة الحمرا في بيروت. تحملُ جهازَ التحكم بالتلفاز، وهاتفها الذكي الموصول به أيضاً. تتنقل بين التطبيقات المتعددة التي حمّلتها بنفسها، بانتظار حلول موعد محادثتها اليومية على "سكايب" مع ابنتها، التي تتابع دراستها في الولايات المتحدة. لم تعد تشعر كثيراً بوطأة بعدها عنها.
تُفضّل أم محمد الانتقال إلى حاسوبها المحمول، الذي خصّصت له طاولة في غرفة الجلوس لاستخدام تطبيق "سكايب". "الشاشة أكبر والصوت أوضح، ولا أضطر لاستخدام سماعات الهاتف". بات للتكنولوجيا تأثير كبير ومهم في حياة هذه المرأة الستينية للتواصل والتسلية، وهي الحائزة شهادة جامعية، ومُتابعة للتطورات التكنولوجية.
يكاد الخلاف أن يندلع بين أم محمد وابنتها التي أخبرتها أنها سترسل لها هاتف "آيفون" جديداً. لطالما كانت مشكلتها مع هواتف "آيفون" أن شاشاتها صغيرة، فيصبح تصفّح الإنترنت عليها مُزعجاً. لكن تلك الجديدة حلّت المشكلة و"جنبتني الانتقال إلى هواتف سامسونغ التي لا أُفضّلها".
اختارت السيّدة المسنّة الآيفون، بعدما أجرت أبحاثها من خلال تطبيق خاص، دلّتها عليه إحدى جاراتها. تقول إن الصبحيات التقليدية لسيدات رأس بيروت، لم تعد تقليدية جداً مع تحول الهاتف الذكي إلى ضيف دائم. و"الغائبة تحضر معنا عبر تسجيلات الصوت والصور التي نتبادلها خلال الجلسة".
صفحة "تاتا محاسن"
نقلت السيدات عالمهن القديم إلى الهواتف الذكية. ووجدت أغاني أم كلثوم طريقها من الراديو إلى هاتف أم محمد، وتحولت وصفات الطبخ التقليدية إلى تسجيلات صوتية تتبادلها مع صديقاتها. أما الجدة، محاسن الجارودي، فقد نقلها حفيداها إلى الفضاء الإلكتروني من خلال صفحة على موقع "فيسبوك"، تحكي فيه الجدة بأسلوب عفوي عن مواضيع سياسية واجتماعية عامة. تتمنى عبر الصفحة انتخابها لرئاسة الجمهورية في لبنان، "لأعيده جنة كما كان. سأرخص أسعار الشقق وأعطي راتبي للفقراء".
وفي مجموعة من التسجيلات، توجّه الجدة مجموعة نصائح للأزواج والزوجات، ونصائح إلى حفيديها وجمهورها عن كيفية اختيار الزوجة. تختار الزاوية الأجمل للتصوير، وترفض بشكل مُطلق الاعتراف بعمرها الحقيقي، على الرغم من أن عدد متابعيها يفوق العشرين ألفاً، ويعرفون أنها ستبلغ التسعين قريباً. تتحدث بإسهاب عن الطبخ القديم وفوائده، وتسمي السوشي الياباني "صيادية سمك، لأنه سمك وأرز".
اقرأ أيضاً: الموت على طرقات لبنان
هاتف بلا أزرار
وفي وقت تتواصل الجدة مع معجبيها عبر موقع "فيسبوك"، تعرفت أم سامي على عالم الهواتف الذكية، خلال سفر قريبتها إلى الخارج. حاولت مراراً الاتصال بقريبتها لكن الخط كان مُغلقاً، فعرفها ابنها على خاصية إجراء اتصال هاتفي عبر الإنترنت. كرهت هاتفها بعد هذا الاتصال وباتت تطالب بـ "هاتف بلا أزرار". وزاد كرهها لهاتف "نوكيا" القديم، الذي تحمله، حين علمت أن الشبان يسمونه "أبو لمبة".
ماطل سامي شهوراً طويلة عندما طالبته أمه بشراء هاتف نقال لها في المرة الأولى. "أدركت منذ اللحظة الأولى أن حياتي ستتغير بعد اقتناء أمي هاتفاً، فحاولت المماطلة". لكن السيدة لم تنتظر طويلاً. قصدت محل الهواتف القريب واشترت هاتفها الحالي. ومنذ ذلك الحين وهي تتصل بابنها عشرات المرات يومياً، وأحياناً كثيرة عن طريق الخطأ.
واليوم لا ينوي سامي شراء هاتف جديد لوالدته، التي تؤكد أنه سيُفاجأ قريباً برسالة منها عن طريق تطبيق "واتساب".
هل أنا مُراقب؟
من خلال التطبيق نفسه، يستقبل هاني مقاطع من أغنيات أسمهان بصوت والده. تعرف أبو هاني على التطبيقات الجديدة بالطريقة نفسها التي تعرفت عليها أم سامي، أي من خلال اتصال "سكايب" أجراه مع أخيه المُهاجر في إحدى الدول الأوروبية. وبعدما فرح الوالد بهذا "الإنجاز"، قرر أولاده شراء هاتف ذكي له. وبالفعل أصبح أبو هاني على تواصل يومي مع عائلته، وتبرع أحد الأبناء بمساعدة الوالد إلكترونيا وتكنولوجياً، من خلال تعريفه على خصائص الهاتف الذي يحمله وطريقة تحفيظ الأسماء والأرقام عليه.
لكن الأبناء المشاغبين احتفظوا ببعض الأسرار التقنية. على سبيل المثال، لم يخبروه عن إشارة "أونلاين"، التي تظهر قرب اسمه على تطبيق واتساب. لا يُدرك الوالد هذه الخاصية البسيطة، لكنه يشعر بالفرح لأنه أصبح أقرب إلى أبنائه.
اقرأ أيضاً: لا تهلعوا من الإنفلونزا