تبخّر وجود جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في شوارع العاصمة اليمنية صنعاء، وارتفعت فجأة صور العميد أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على لوحات إعلانية عدة. لا تنتهي الأمور هنا، بل إن أنصار صالح يجوبون بسياراتهم شوارع العاصمة، مطلقين العنان للأناشيد الحماسية، في أبرز المؤشرات على عودة النظام السابق، الذي ركب الموجة الحوثية كـ "حصان طروادة". وما يؤكد هذه العودة، هو ظهور صالح أخيراً بخطابٍ، يؤكد فيه أن "الأمور ما زالت تحت سيطرته"، وأنه "مستعد لتأمين طريق بحري، لهروب المهرولين إلى عدن، إذا حاولوا الانفصال".
وخرجت، يوم الثلاثاء، تظاهرة مناصرة لصالح، بحماية مدرّعات الجيش إلى ميدان السبعين، أكبر ميادين صنعاء. ورفع المشاركون صور أحمد علي صالح، وطالبوه بالترشح لرئاسة الجمهورية و"استعادة الدولة وهيبة الجيش". وبالتزامن، نُظّم مهرجان مماثل، في مدينة تعز، إحدى أهم المدن اليمنية، وحرصت وسائل إعلام حزب "المؤتمر الشعبي"، الذي يرأسه صالح، على تصنيف المهرجان بـ "العفوي"، ربما في محاولة لـ "جس النبض" من أجل تلمّس ردود الأفعال، خصوصاً أن التوريث كان سبباً في الخلافات بين صالح وفريق من نظامه، ساهمت في إشعال الثورة التي اندلعت ضده في العام 2011.
وكان أحمد علي صالح، قائداً لقوات الحرس الجمهوري، إبان حكم والده، ويتمتع بشعبية واسعة في أوساط الجيش، وكان يتقاسم النفوذ فيه مع اللواء علي محسن الأحمر، الذي غادر إلى السعودية، بعد سقوط مقرّ القاعدة الرئيسية للقوات الموالية له، في 21 سبتمبر/أيلول الماضي.
وتشير مصادر عسكرية لـ "العربي الجديد"، إلى أن "قوات الاحتياط العام (الاسم الجديد للحرس الجمهوري بعد إعادة هيكلته واجتزاء ألوية منه)، عاد ولاؤها لنجل صالح، الذي عُيّن سفيراً لليمن في الإمارات، في أبريل/نيسان 2013، عقب عزله بقرار من الرئيس عبد ربه منصور هادي، من قيادة القوة".
اقرأ أيضاً: الحوار اليمني إلى الرياض قريباً... وهادي يعزّز الجيش بالجنوبيين
وظهر مأزق الحوثيين، مع إلقاء زعيمهم عبد الملك الحوثي، خطاباً مساء الثلاثاء، كرّر فيه مفردات الخُطَب السابقة، وعكس فيه وقوع الجماعة في مشكلة تجاه صالح، الذي يبدو وكأنه استخدمها لضرب خصومه. ويعلم الحوثي، أنه غير قادر على الدخول في مواجهة مع صالح، بعدما ظهرت مؤشرات استعادته للسلطة، فالحوثيون أضحوا في حالة عداء مع مختلف الأطراف الأخرى، ولم يعد صالح بحاجة إليهم كواجهة، على ما يبدو.
كما لوحظ في الأسابيع الماضية، في صنعاء، أن بعض أنصار صالح الذين انضموا إلى "اللجان الشعبية" التابعة للحوثي، استبدلوا شعار الجماعة بصورة نجل صالح على بنادقهم. وكشف مصدر عسكري لـ "العربي الجديد"، أن "جنود الاحتياط تمرّدوا على ضابط حوثي عينته الجماعة رئيساً لعمليات القوة".
وصعّد الرئيس السابق، في خطابٍ غير مسبوق، يوم الإثنين ضد هادي، واتهمه ضمناً بالسعي إلى الانفصال، مهدداً بحرب على غرار حرب صيف 1994، مبدياً استعداده لتأمين طريق بحري إلى جيبوتي، كـ "منفذٍ وحيد للانفصاليين من أجل المغادرة".
وأوضح أنه "وضع أمام الانفصاليين في العام 1994 خيار الفرار من ثلاثة منافذ، وهي منفذ شرورة (حدود السعودية)، ومنفذ المهرة (حدود عُمان)، ومنفذ البحر الأحمر إلى جيبوتي". وأضاف أن "من يهرول اليوم ليس أمامه غير منفذٍ واحد ليهرب بجلده وبفلوسه التي كسبها على حساب قوت هذه الأمة، هو منفذ البحر الأحمر إلى جيبوتي".
وعاد صالح الثلاثاء، بخطابٍ أقل حدة، وجّه فيه رسائل إلى الدول الإقليمية، إذ اعتبر أن "أي مساس بأمن ووحدة واستقرار اليمن، ستكون له آثار سلبية ليس على اليمن فقط، بل على المنطقة"، وثمّن جهود السعودية والإمارات في البلاد.
وليس واضحاً بعد، ما إذا كانت عودة صالح إلى الواجهة وتصعيده ضد هادي، جاء بتنسيق وتحالف مع الحوثيين، أم أنه سيقلب الطاولة عليهم، من أجل استعادة شعبيته في المحافظات والأوساط الشعبية الرافضة للحوثي، وتجنباً للحساسية المذهبية والإقليمية التي يثيرها التحالف معه.
وكان لافتاً وعده بأن "يُطل في الوقت المناسب، لكشف الحقائق وفتح ملفات من اتهموه بامتلاك ثروة بـ60 مليار دولار"، التي طالبت الأمم المتحدة، بالبحث عنها في كل بنوك العالم وتسليمها للبنك المركزي اليمني. وتُظهر عناصر خطاب الحوثي، عدم استعداده للدخول بمواجهة مع صالح، الذي يستطيع قلب الموازين في صنعاء في أي لحظة، لتبدو الأزمة عميقة بين هادي وصالح، أكثر مما هي بين هادي والحوثي. وكان ذلك واضحاً في خطاب الحوثي الأخير، الذي لم يذكر هادي بل خصص حديثه للهجوم على الخليج وحزب "الإصلاح".
اقرأ أيضاً: الحوثيون وصالح.. تحالف الثورة اليمنية المضادة باقٍ