وللمرة الأولى تقريباً، لا تختلف الرواية التي أعلنها الحوثيون وحلفاؤهم الموالون لعلي عبدالله صالح مع إعلان السعودية عن اعتراض دفاعاتها الجوية لصاروخ بالستي أُطلق من اليمن، مساء السبت الماضي، شرق مطار الملك خالد الدولي (مطار مدينة الرياض)، حيث جرى اعتراضه بصواريخ (باتريوت)، وإسقاطه من دون وقوع ضحايا.
وبالتزامن مع نشر وسائل الإعلام السعودية، خبر اعتراض الصاروخ، أعلن الحوثيون في تصريح منسوب لمصدر في "القوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية" (مسلحي الجماعة وحلفائها)، إطلاق صاروخ بالستي باتجاه مطار الملك خالد في الرياض، وفي المقابل أكدت الهيئة العامة للطيران في السعودية، سقوط شظايا من الصاروخ في حرم المطار، وهو ما يعني أن الصاروخ كان قد اقترب من الهدف إلى حد كبير.
ويحمل التطور العديد من الدلالات، فمن ناحية الصاروخ نفسه، تقول مصادر يمنية لـ"العربي الجديد"، إنه من نوع "سكود" الروسي الصنع، لكن من الواضح أنه تعرض للتطوير بما جعله يعبر الحدود اليمنية السعودية متجهاً إلى الرياض، فيما قال الحوثيون إن الصاروخ نوع "بركان 2h" بعيد المدى، وهي تسمية أطلقتها الجماعة وحلفاؤها في العامين الأخيرين على صواريخ (سكود) المطورة في اليمن.
وسبق أن أطلق الحوثيون العديد من الصواريخ التي يطلقون عليها "بركان" (سكود)، بعضها ضد أهداف تابعة لمنطقة الرياض، وأخرى باتجاه الطائف، وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت الجماعة إطلاق صاروخ باتجاه منطقة ينبع النفطية، وهو الصاروخ الذي اعتبرته تقارير أميركية تطوراً غير مسبوق، وبأنه حلق بمسافة تصل إلى 930 كيلومتراً داخل السعودية وفقاً لتقرير سابق لشبكة "سي إن إن" الأميركية.
بالإضافة إلى ذلك، كان من أبرز الصواريخ التي أطلقها الحوثيون، صاروخ بالستي في مايو/أيار الماضي، باتجاه الرياض، سبق زيارة الرئيس الأميركي ترامب إلى العاصمة السعودية بيوم واحد، ومع ذلك فإن أغلب الصواريخ في السابق، كانت الدفاعات الجوية السعودية تعلن أنها اعترضتها أو سقطت في أماكن بعيدة، خلافاً للصاروخ الأخير (مساء السبت الماضي)، والذي سقطت شظاياه في حرم مطار الرياض.
وعقب إعلان السعودية عن اعتراض الصاروخ، كان الرد في صنعاء، بمجموعة غارات عنيفة (مساء السبت - فجر الأحد)، استهدفت أبرزها، مقر وزارة الدفاع في مجمع العرضي وسط العاصمة، وأخرى في منطقة النهدين، حيث مقر الرئاسة اليمنية، وقرب مقر وزارة الداخلية في منطقة الحصبة شمال صنعاء، بالإضافة إلى غارة ضربت ميدان السبعين (أكبر ميادين صنعاء).
سياسياً، جاء إطلاق الصاروخ من قبل الحوثيين، في ظل التصعيد العسكري لقوات الشرعية مدعومة من التحالف بقيادة السعودية، في أكثر من جبهة، وعلى نحو خاص، شرق العاصمة صنعاء، أما التوقيت من ناحية الظرف الإقليمي، فقد جاء التطور بعد ساعات من استقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، من السعودية، وإطلاقه تصريحات نارية ضد حزب الله، بما جعل بعضهم يحاول الربط بين التطورين، على الرغم من أن التطورات المرتبطة بالتصعيد داخلياً في اليمن، تبقى أبرز مؤشر سبق التطور.
على الجانب الآخر، فإن توقيت إطلاق الصاروخ تزامن مع إعلان الأوامر الملكية المثيرة والتي تمكن من خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من إزاحة أحد أهم من تبقى من منافسيه في طريق الحكم (متعب بن عبدالله)، وما تبع ذلك من اعتقالات، وذهبت بعض التعليقات، إلى أن التوقيت كان في خدمة بن سلمان، بإبرازه كرجل يقف في مواجهة تصعيد "حلفاء إيران". ولعل التعليق الأبرز في السياق، كان تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي امتدح منظومة صواريخ الباتريوت الأميركية، وقال في تصريح للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأميركية في طريقه إلى اليابان "نحن نصنع أفضل المعدات العسكرية في العالم، هناك ضربة أقدمت عليها إيران للتو، من وجهة نظري ضد السعودية، تعلمون بذلك؟ رأيتم الصاروخ الذي انطلق، وأنظمتنا اعترضته في السماء، هذا يبين كم نحن جيدون، لا أحد يصنع ما نصنع، والآن نحن نبيع ذلك للعالم أجمع".
ويمثل تهديد "الصواريخ البالستية"، أحد أبرز المواضيع التي تركز عليها السعودية في تصريحاتها الأخيرة المتصلة بالحرب في اليمن، إذ ترى أنها تأكيد على الخطر القادم إليها من اليمن، وتطور الأمر في الشهور الأخيرة، إلى الحديث عن تهديد يطاول الإمارات، بعد أن أعلن الحوثيون أكثر من مرة، أن أبوظبي، باتت في مرمى صواريخهم. وبذلك فإن الصواريخ بنظر بعضهم، تؤدي خدمة لتأكيد ادعاءات السعودية بوجود خطر مدعوم من إيران يستهدفها، لكنها وبنظر آخرين، تمثل شاهداً على إخفاقها العسكري بمنع التهديد، وأن الحرب وحدها لم تتمكن من منع إطلاق الصواريخ.
وتعتبر مخازن الجيش اليمني التي استولى عليها الحوثيون والخاضعة لسيطرة حلفائهم الموالين لعلي عبدالله صالح، المصدر الذي تخرج منه غالبية إن لم يكن جميع الصواريخ البالستية، من نوع "سكود" على الأقل، وهي صواريخ كانت على مدى سنوات، أحد أبرز مصادر القلق للسعودية، وسط غموض حجم هذه القوة الصاروخية، والتي تشير المراجع المنشورة إلى أنها بين 150 إلى 300 صاروخ.
ومنذ بدء العمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن، كانت "الصواريخ البالستية"، على رأس أهداف عمليات التحالف، الأمر الذي جعل من معسكراتها المعروفة شرق وجنوب غرب صنعاء، هدفاً لعدد كبير من الضربات الجوية، في الأشهر الأولى على نحو خاص، لكن الحوثيين والموالين لصالح، تمكنوا في وقت لاحق، من إعادة الصواريخ، وأطلقوا حتى اليوم 78 صاروخاً بالستياً تجاه السعودية، وفقاً للمتحدث الرسمي للتحالف، العقيد تركي المالكي، الذي أعلن منذ أيام ان الجماعة أطلقت 77 صاروخاً تجاه المملكة منذ بدء الحرب.
ومنذ أشهر طويلة، وعقب كل عملية قصف صاروخي تستهدف السعودية، تشير الأخيرة بأصابع الاتهام نحو إيران، وبأنها تواصل تهريب الأسلحة والصواريخ البالستية إلى اليمن، لتهديد أمن المملكة، غير أنه ليس مؤكداً ما إذا كانت إيران تستطيع تهريب أسلحة إلى اليمن في ظل الحصار المطبق المفروض من التحالف، براً وبحراً وجواً، وخصوصاً على مناطق سيطرة الحوثيين وحلفائهم.
وكان أبرز ما أثير حول تهريب صواريخ إيرانية، ظهور صاروخ بالستي قصير المدى أعلن عنه الحوثيون في يوليو/تموز2016 تحت اسم (زلزال3)، وقالوا إنه صناعة يمنية، إلا أن معلومات منشورة على الإنترنت، تشير إلى شبه كبير بينه وبين صاروخ إيراني الصنع، وإذا كان ذلك صحيحاً، فمن غير المستبعد، أن يكون قد هُرب إلى اليمن، في فترة سابقة للحرب.