صادق خان صادق

17 مايو 2016

صادق خان وزوجته بعد الاقتراع في لندن (5 مايو/2016/الأناضول)

+ الخط -
أثبت سبعة ملايين انكليزي يعيشون في لندن أننا مخطئون، وأنه، خلافاً لكل ما دأبنا على قوله في السنوات القليلة الماضية، أن الإسلاموفوبيا المزعومة موجودة لدينا، تجعلنا نعتقد أن لدى الآخرين فوبيا منّا. وبانتخابها عمدة مسلما (وليس من أصول إسلامية، كما حالة الرئيس الأميركي باراك أوباما)، أثبتت لندن أنها مدينة التسامح والانفتاح، والمعايير المحايدة، وأنها مدينة عاقلة في النهاية، تأخذ بعوامل موضوعية، ولا تأخذ أحداً بجريرة أحد، ولا تضع وزر وازرةٍ على أخرى. وفي انتخاباتٍ حرةٍ، جرت في أثناء موجة من عملياتٍ إرهابية ارتكبها مسلمون، في غير مدينة أوروبية، حافظت لندن على نقائها العقلي، واختارت الشخص الأصلح لقيادتها للسنوات المقبلة، من دون أن تكترث لكونه مسلماً، بل رجحت مواصفاته الشخصية الأخرى التي يبدو أنها أكثر أهمية بالنسبة لها
وصادق خان مسلم من دون أي شبهة، زوجته مسلمة، وعلى علاقة جيدة مع أقربائه وجيرانه، ومن يشاركونه أصوله الإسلامية، وهو ابن بيئته إن صح القول، لكنه بريطاني ينتمي لمدينة لندن، ويحبها ويفهم مشكلاتها، ويمتلك القدرات الإدارية والسياسية لقيادة ماليتها وخدماتها وأمنها. ولذلك، انتخبه الانكليز.
وصادق خان، مرشح حزب العمال البريطاني، أول مسلم يتولي منصب رئيس بلدية العاصمة البريطانية لندن، ورئيس أول بلدية لمدينة أوروبية كبيرة، يبلغ 45 عاماً، وهو الخامس بين ثمانية أبناء لسائق حافلة وأم خيَّاطة هاجرا من باكستان في 1970، وكانوا يقطنون مسكناً وفّرته لهم البلدية جنوب العاصمة لندن.
وتربى خان على القيم الإسلامية، ولم يتنصل يوماً من الإعلان عن أهمية عقيدته. وفي أول خطاب له عضواً في البرلمان، قال إن والده علمه حديث النبي محمد "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يكن فبلسانه، وإن لم يكن فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان".
درس خان القانون في جامعة نورث لندن، وتخرج منها، وأصبح محامياً متدرباً في قضايا حقوق الإنسان، عند أحد مكاتب المحاماة عام 1994. وفي العام نفسه، تزوج زميلته سعدية أحمد، وكانت بالمصادفة ابنة لسائق حافلة، وأنجبا ابنتيهما أنيسة وأماراه.
في عام 2005، أصبح خان عضواً في مجلس العموم البريطاني عن حزب العمال، ممثلا لمنطقة توتينغ، وكان من بين خمسة نواب ينتمون لأقليات عرقية، انتخبوا ذلك العام. وتميز خان بقوة خطابه وطلاقة لسانه، وجذبه الانتباه حينما يتحدث. وبعد دخوله مجلس العموم بشهرين، وقعت تفجيرات لندن، وناقشها البرلمان، وحينما تحدث عنها خان أشاد بشجاعة كل اللندنيين من كل الأعراق والمعتقدات، ودعاهم إلى الاستمرار في العمل، ومنع المجرمين من إفساد حياتهم.
وعزّز خان موقفه المناصر للحريات المدنية، حينما عارض، مع 48 نائباً آخر، مقترح حكومة رئيس الوزراء العمالي، توني بلير، بشأن بطاقات الهوية، وكذلك مقترحها بالسماح باعتقال المشتبهين بالإرهاب مدة قد تصل إلى 90 يوماً، من دون توجيه تهمةٍ لهم.
ولذلك، وصفه خصومه في حزب المحافظين، بأنه "الخادم والمتطرّف"، وربطوا بينه وبين التطرّف الإسلامي. ولكن، بعد فوزه، وصفت صحيفة الفاينانشيال تايمز فوزه "انتصاراً مرموقاً على التوترات العرقية والدينية التي عرقلت عواصم أوروبية أخرى"، و"أضافت أن الفوز أبرز حجم التسامح في لندن". بينما وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية فوزه بالحدث المهم. وكتبت إن فوز خان جاء في وقت بلغت فيه "الإسلاموفوبيا"، أو الخوف من الإسلام، ذروتها في بريطانيا والغرب. وذكرت أن هذا الفوز جعل خان واحداً من أهم السياسيين المسلمين في الغرب، وقد نجح في تجاوز الحملة ضده التي اتهمته بالدفاع عمن سمتهم الإرهابيين في أثناء عمله محامياً، واكتسب شعبيةً، بسبب هدوئه في الرد على هذه المزاعم. ووصفه خصمه في الانتخابات، غولد سميث، بأوصاف من قبيل "متطرف وخطر". وقال، في أحد خطاباته، إن خصمه "أتاح للساعين إلى إلحاق الأذى بشرطتنا وعاصمتنا منابر وأوكسجين وغطاء، مرات ومرات"، لكن خان دافع عن نفسه، قائلا "أنا فخور بأنني مسلم".
ردة الفعل العربية على فوز خان كانت طريفة، فقد دارت نقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي تناقش فيما إذا كان خان شيعياً أو سنياً، وطالب بعضهم بتحديد الموقف من فوزه، بناءً على هذا الانتماء.

A78EE536-6120-47B0-B892-5D3084701D47
علا عباس

كاتبة وإعلامية سورية