على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تؤكد أن فيروس كورونا المستجد "مؤامرة أميركية"، وأن كوفيد-19 "وباء غير قاتل" يمكن معالجته باستخدام الثوم، وأن فصل الصيف يقضي عليه... كلّ تلك أخبار كاذبة يعمل ناشطون وإعلاميون في العالم العربي على دحضها.
ويبذل هؤلاء جهوداً كبيرة لمكافحة "وباء المعلومات" الذي يعتبرونه خطيرا كالعدوى بالفيروس. ويقول الناشط بحر جاسم من مجموعة "تيك فور بيس" (التقنية من أجل السلام) التي حوّلت حملتها المستمرة منذ أربع سنوات ضد الأخبار السياسية والاقتصادية المزيفة إلى تفنيد أخبار الوباء، "نحاول تصحيح الأخبار والحفاظ على أرواح الناس".
وتنشر حسابات المجموعة على وسائل التواصل الاجتماعي صورا لأخبار مفبركة عن الفيروس، كاكتشاف علاجات جديدة أو وفيات من المشاهير بسبب الوباء، أو الحديث عن أعداد شفاء مطمئنة.
ويميّز الناشطون تلك الصور بختم أحمر وكتابة "منشور مزيّف" مع تصحيحات وروابط لمعلومات أكثر دقة، شاهدها أكثر من مليون متابع. ويقول جاسم "لا نقوم بدحض الخبر الكاذب فقط، وإنما أيضاً ننشر الوعي حول كورونا، عن الوقاية الصحيحة أو تداول استخدام العلاج الخاطئ".
واتسعت الحملة مع تسجيل منطقة الشرق الأوسط ارتفاعاً كبيراً في عدد المصابين بكوفيد-19. في العراق، ارتفع العدد إلى أكثر من ألفي إصابة يومياً في نهاية حزيران/يونيو، ليلامس ثلاثة آلاف حالة يومياً في تموز/يوليو الحالي. وشهد لبنان وسلطنة عمان والجزائر ذروة في الإصابات اليومية منتصف تموز/يوليو، بينما شهدت السعودية والأردن الذروة الشهر الماضي، ويبدو أنها في طور الاستقرار.
ويلقي الأطباء في العراق باللوم على المعلومات المضللة المنتشرة على الإنترنت، إذ يصر مرضاهم على أن الفيروس مؤامرة أميركية، أو أن الناس يموتون فعلياً جراء هجوم بغاز السارين، أو أن درجات الحرارة المرتفعة في العراق ستوقف انتشار الفيروس. ويقول ممرضون إن تلك المعلومات المضلّلة قد تقلّل من احتمال وضع الأشخاص الكمامات في الأماكن العامة، أو التقيد بالتباعد الاجتماعي أو غسل أيديهم بانتظام.
ويشير ناشطون إلى أن المعلومات المغلوطة حيال الجائحة تنتشر بلغات مختلفة منذ الأيام الأولى للوباء، لكن انتشارها باللغة العربية خطير، خصوصاً بسبب نقص التقارير ذات المصداقية. ولاحظت منظمة "مراسلون بلا حدود" تشدداً من السلطات على وسائل الإعلام في الشرق الأوسط خلال العام 2020، خصوصاً بشأن المعلومات المتعلقة بكوفيد-19.
ونتيجة لذلك، يقول ناشطون، إن متلقّي الأخبار يشككون في المعلومات التي يجدونها على المنصات التقليدية، وهم أكثر ميلاً لتغذية نظريات المؤامرة.
ويقول الناشط العراقي المقيم في الولايات المتحدة فيصل المطر، مؤسس مجموعة "أفكار خلف الحدود"، "الثقافة الإعلامية غير موجودة. يمكن للعراقيين الذهاب إلى فيسبوك وتويتر، ولكنهم غير مؤهلين حقاً لرؤية 50 مصدراً مختلفاً والتمييز بين الحقيقة والخيال". ودخلت تلك المجموعة في شراكة مع "ويكيبيديا" لترجمة أكثر من 250 صفحة غنية بالتفاصيل حول أصول كوفيد-19 ونشرها باللغة العربية.
ويقول المترجم المتطوع عصام فواز المقيم في مدينة طرابلس في شمال لبنان، إنها ليست مهمة سهلة بالنظر إلى اللكنات المتنوعة للغة العربية. ويشير فواز (33 عاماً) إلى أن "المصطلحات العلمية في اللغة العربية ليست موحدة. تجد المصطلح نفسه المستخدم مثلا في سوريا ولبنان والأردن مختلفا تماماً عن المصطلح المستخدم في مصر أو في دول المغرب"، بينما بعض المصطلحات الإنكليزية ليست لها مرادفات بالعربية.
لكن الاقتناع بالتأثير في المجتمع من خلال عمله، جعل فواز يستمر، قائلاً "الموضوع بالنسبة لي موضوع شخصي. أنا كنت من الأشخاص الذين يصدقون تلك الخرافات، لكنني كنت محظوظاً بوجود أشخاص يدعمونني ويقولون لي +شغّل عقلك+".ويضيف "يمكن لشخص واحد مقتنع أن الموضوع خرافة أو يصدق خبراً كاذباً، أن يتسبّب بمصيبة في المجتمع".
ومنذ بدء تفشي فيروس كورونا المستجد، نشرت صفحة "في ميزان فرانس برس" التي تشكل جزءا من مدونة الوكالة الإلكترونية الخاصة بمكافحة التضليل الإعلامي بلغات عدة، عشرات التقارير التي تدقّق في أخبار كاذبة وتدحضها بالإثباتات. وهكذا، أثبت فريق تقصّي صحة الأخبار في الشرق الأوسط أن منظمة الصحة العالمية "لم تقفل ملف كورونا"، وأن المنظمة لا تشارك في اختبار لتشخيص الفيروس على الإنترنت، وأن وضع الكمامات لا يتسبّب بنقص الأكسجين في الجسم، وغيرها وغيرها من الأخبار المركبة والشائعات.
ويقول معتز الظاهر، مدير الإعلام في منصة "فتبيّنوا" التي تأسست في الأردن العام 2014 لتفنيد الأخبار الكاذبة، "الخبر الكاذب ينتشر أسرع من الخبر الصحيح. كمية الأخبار الكاذبة على تطبيق واتساب كبيرة جداً".
وتنتشر خدمة "واتساب" بين 75 في المئة من مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط، وفقاً لدراسة أجرتها جامعة "نورث وسترن" في قطر العام 2019. ويستخدم هؤلاء التطبيق للبقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة، ولكن أيضاً لمشاركة الروابط والصور والرسائل الصوتية.
ويقول الظاهر إن هناك إجراءات قليلة متخذة لمكافحة الأخبار المضللة على واتساب، لأن الرسائل مشفرة ولا يمكن للتطبيق اعتبارها رسائل مشبوهة كما هي الحال على "فيسبوك" و"تويتر".لذا، أنشأت "فتبيّنوا" قناتها الخاصة لإرسال تقارير عن كوفيد-19 مستندة إلى حقائق، الى الآلاف من مستخدمي "واتساب" في وقت واحد.
وتتضمن الرسائل روابط لمقالات عربية طويلة بإسنادات علمية على موقع المنصة، ورسومات بيانية عن الفيروس عبر صفحة إنستغرام، إضافة إلى مقاطع فيديو مدتها دقيقة واحدة تصل إلى ما يقارب 800 ألف متابع على "فيسبوك". وترفع المنصة شعاراً لحملتها "الإشاعة فيروس أيضا!".
(فرانس برس)