شيماء زيارة .. قصة نجاح آتية من غزة

28 ديسمبر 2015
شيماء أثناء التخرج من الجامعة الإسلامية في غزة(العربي الجديد)
+ الخط -
ولدتُ في مدينة لم أكن أملك خيار العيش فيها، ولكنني لو خُيّرت لاخترتها ذاتها. هي المدينة الجميلة الجريحة الصامدة، التي تضم كل المتناقضات في انسجام.
كبرت في المدينة التي يعتريها اليأس ويملأ قلوب أهلها الأمل، هي المدينة التي يجتاحها الدمار وتنمو بين طياتها الحياة.

كبرت فيها وكبرت أحلامي معي، ولكن بعكس أحلام الآخرين، لم يكن العمل الجاد هو الضمان الوحيد لتحقيقها، ففي غزَّتي الجميلة قد تعمل جاهداً للوصول للهدف ومع ذلك قد تراه ينهار أمامك بقذيفة أو بقرار لإغلاق منافذ المدينة.
رحلتي الدراسية كجميع الطلاب في غزة لم تكن سهلة، فمن قلة الموارد أو انعدامها والأحداث المؤسفة التي مرت ولا زالت تمر بها غزة عانيت وعانى معي جميع الطلاب. 

اقرأ أيضا:فلسطين: رغم أنف الأسر.. "يدرسون"

لا زلت أذكر اليوم الذي كنت أسير فيه برفقة صديقتي المقرّبة إلى المدرسة لتقديم أول الامتحانات النهائية للصف العاشر في شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 2008. كنا نسير جنباً إلى جنب نراجع ما درسناه، عندما سمعنا فجأة صوت انفجار مفزع، فرفعنا رؤوسنا إلى السماء لنجد سحابة من الدخان الأسود وصوت الحجارة تتساقط حولنا، فبدأنا بالركض بغير هدى لنتفاجأ بانفجار آخر.

تصاعدت أصوات الناس من حولنا، فالجميع كان يصرخ ويتخبّط ويبحث عن ملجأ، ولكن الطائرات الإسرائيلية كانت تطلق صواريخها في جميع الاتجاهات. وصلت بعد معاناة إلى منزلي، وكان ذلك اليوم بداية الحرب الأولى على غزة والتي انقطعنا فيها عن المدرسة لمدة 21 يوماً، وتم فيها استهداف الجامعة الإسلامية التي التحقت بها بعد 3 سنوات.

لم تكن تلك المعضلة الوحيدة التي مررنا بها كطلاب بغزة، فمحدودية الموارد كانت من أهم المعوقات أمام العملية التعليمية، فلا يسمح الاحتلال الإسرائيلي بإدخال العديد من التقنيات والأدوات والأجهزة العلمية إلى القطاع، بالإضافة لمنع إدخال الكتب، فكان علينا إيجاد حلول أخرى وبدائل، كالحصول على نسخ إلكترونية من الكتب وطباعتها داخل القطاع، فلا شيء يقف أمام رغبتنا في التعلّم.

علاوة على ذلك، شن الاحتلال الإسرائيلي حربا أخرى على غزة عام 2012 وأيضاً عام 2014، وتسببت الأخيرة بأضرار كارثية على العملية التعليمية، إذ تم استهداف العديد من المدراس والجامعات وإيقاف التعليم لمدة 51 يوما خاض فيها الطلاب تجارب تصاحبهم آثارها حتى هذه اللحظة.

اقرأ أيضا:فلسطين.. ثانوية عامة بلا مستقبل

بالرغم من صعوبة تلك الأيام، إلا أنني تمكنت من إكمال دراستي الجامعية وتخرّجت بنجاح من الجامعة الإسلامية بشهادة بكالوريوس في آداب اللغة الإنجليزية بعد أشهر قليلة من انتهاء الحرب.

من أصعب التحديات التي واجهتني كطالبة في غزة كانت عدم تمكّني من حضور نشاطات
برنامج صوت المتعلمين ضمن مؤتمر القمة العالمي للابتكار بالتعليم في قطر (WISE Learners' Voice) بسبب إغلاق المعابر في غزة. يهتم هذا البرنامج بتطوير التعليم بأساليب إبداعية وريادية ويعتمد على أفكار الشباب وطاقاتهم للنهوض بالنظام التعليمي حول العالم في جميع مجالاته.

كانت هذه النشاطات تتضمن حضور مؤتمر القمة بالإضافة إلى ورشات عمل عديدة في شهر نوفمبر من عام 2014، وانتهاءا بورشات العمل التي أقيمت بمدينة مدريد بأسبانيا في شهر يونيو.
بالرغم من عدم تمكني من التواجد هناك شخصيا كنت مصممة على حضوري لهذه النشاطات ومشاركتي بها مشاركة فاعلة، فقمت بالتواصل مع المنسقين عبر سكايب وتمكنت من الحضور والمشاركة بجميع الفعاليات والمناقشات عبر سكايب.

عملت مع فريقي على مدار عام كامل لتحقيق أهدافنا وإنشاء مشروعنا حتى تمكنت أخيرا من القدوم لقطر للالتحاق بالدراسات العليا وحضور مؤتمر القمة لعام 2015 وتقديم المشروع الذي عملت جاهدة مع أفراد فريقي لإنجازه في القمة وقد لاقى رواجا ونجاحا كبيرا.

بالرغم من الإحباط الشديد الذي شعرت به لعدم تمكني من حضور النشاطات السابقة شخصيا إلا أنني رفضت أن أستسلم لهذا الإحباط وكنت كلي إصرارا على إثبات أني قادرة على تحقيق أهدافي رغم كل العقبات.
فقمت بالتواصل مع المنسقين عبر سكايب، وتمكنت من الحضور والمشاركة بجميع الفعاليات والمناقشات عبر سكايب. وعملت مع فريقي على مدار عام كامل لتحقيق أهدافنا وإنشاء مشروعنا، حتى تمكنت أخيرا من القدوم لقطر للالتحاق بالدراسات العليا وحضور مؤتمر القمة لعام 2015 وتقديم المشروع الذي عملت جاهدة مع أفراد فريقي لإنجازه في القمة، وقد لاقى رواجا ونجاحا كبيرين.

اقرأ أيضا:مناهج "السلام" الفلسطيني.. الفطرة تكسب

وكان لتمكّني من القدوم لقطر لإكمال دراساتي العليا قصة أخرى. فبعد حصولي على منحة لدراسة الماجستير في دراسات الترجمة بجامعة حمد بن خليفة، بدأت رحلة معاناة أخرى.
حصلت على رسالة قبولي في مايو/ أيار من عام 2015، وبدأت بإجراءات سفري مباشرة، بالرغم من أن دراستي تبدأ بنهاية أغسطس/ آب، لمعرفتي بصعوبة أو استحالة الحصول على تصريح للمغادرة من الاحتلال الإسرائيلي أو فتح معبر رفح مع الجهة المصرية.

مرّت عليّ أشهر طويلة وأنا أنتظر المكالمة التي تبشّرني بالفرج ولكن دون فائدة، فبدأ الفصل الدراسي وأنا ما زلت عالقة بغزة، وكلما مرت الأيام بدأ الأمل داخلي يخبو. مضت 3 أسابيع من بداية الدراسة في الجامعة ومضت معها أحلامي وآمالي بالانضمام للجامعة، حتى تلقيت مكالمة باللحظة الأخيرة تفيد بحصولي على تصريح، وأن سفري بعد يوم واحد.

لم تكن رحلتي من غزة إلى قطر سهلة أبدا، فالرحلة من غزة إلى الأردن استغرقت 12 ساعة بدلا من 3 ساعات بسبب التفتيش المذل الذي تعرّضنا له من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وإن كنت أنا من الفئة القليلة المحظوظة التي تمكنت من المغادرة، فهناك المئات من الطلاب الآخرين الذين ما زالوا ينتظرون الفرج وآخرون ممّن خسروا فرصهم وما عادوا ينتظرون شيئا.

لمن يقرأ رسالتي من غزة، لا تفقدوا الأمل بل تشبّثوا به، ولا تتخلوا عن أحلامكم، بل ارفعوها عاليا حتى تصل عنان السماء وتصلوا أنتم إلى أقاصي الأرض، فلا احتلال يملك على أحلامكم
سلطة ولا معابر تمنعكم من الأمل. حاولوا وحاولوا ثم حاولوا مرة أخرى، وسيأتي اليوم الذي تصلون به إلى ما ترنون إليه، فبعد أن كنت قد فقدت الأمل في تحقيق حلمي وإكمال دراستي ها أنا هنا الآن أحدثكم من الدوحة وقد أنهيت الفصل الأول من دراستي. وتذكروا ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "وبي أمل يأتي ويذهب لكن لن أودّعه"، فلا تودّعوا آمالكم.

اقرأ أيضا:"التعليم فوق الجميع" تستهدف 10 ملايين طفل بمناطق النزاع

المساهمون