لا يفخر عدد من الكتّاب العرب بقرّائهم من العرب، فليس لدى هؤلاء، مهما كان عددهم كبيراً، الكفاءة الضرورية لتقرير قيمة أي عمل أدبي، شعري أو روائي، من الناحية الفنية، أو التجارية.
ويرنو هؤلاء إلى مراكز الاعتراف العالمية التي تمنح وحدها شهادات القبول في حقول الإبداع المختلفة. ولعل الموقف من جائزة نوبل من الإشارات الدالة على هذا الانتظار المزمن من قبل الثقافة العربية للقرارات التي تؤكد أو تنفي الاعتراف بها.
وتبدو المسألة مقلقة أكثر، حين نحاول أن نرى حيثياتها من الجانب الآخر، أي من وجهة نظر المركز، أي أوروبا في حالتنا. كي نرى في ما إذا كنا جديرين بالدخول إلى نادي الأدب أم لا. ويمكن أن تكون الملاحظة التي كتبها عزرا باوند مثالاً مثيراً في هذا الباب، فالرجل يؤكد أن قيمة الأفكار لا تأتي من داخلها، بل من مصدرها، وهو يستعير المصطلحات التوضيحية لفكرته من عالم الرأسمالية على النحو التالي: إذا وقع روكفلر شيكاً مصرفياً تبلغ قيمته مليون دولار فهذا الشيك سليم، أما إذا وقعت أنت هذا الشيك فهذا تهريج وخداع.
وفي مجال الكتابة الإبداعية، لا يمكن قبول شيكات من أغراب لا تتوفّر لديهم المرجعية الثقافية اللازمة. وخطورة مثل هذه الفكرة أنها تشير إلى الشعور بالتفوّق الرأسمالي، والاستعلاء الثقافي للدول المسيطرة على السوق.
ثم تتضح عنصرية هذا الاستعلاء في ما يقوله أستاذ الأدب الألماني هورست روديجر من أن الأدب العالمي ليس جمعية عامة للأمم المتحدة، ويرى أنه من العبث أن يساوي صوت مستعمرة سابقة خالية الوفاض من أية موارد اقتصادية (الاقتصاد أولاً) وفكرية، بصوت قوة عظمى أو شعب يتربّع على ثقافة يبلغ عمرها آلاف الأعوام.
فإذا اعترفت المحافل العليا بـجيمس جويس ـ كما توضّح باسكال كازانوفا في كتابها "الجمهورية العالمية للأدب" مثلاً ـ مؤسساً لنوع أدبي، أو لنهج في الكتابة، فإن الرجل وكتاباته سوف يتحوّلون إلى "وحدة قياس" أدبية يمكن عن طريقها "تقييم" باقي الإنتاج الأدبي.
وحينئذ يخرج نصّه من دائرة المنافسة الزمنية. ولهذا ترى أن "الروائع" الأدبية في العالم هي تلك التي يقرّرها المركز، وهي في الغالب الروائع الأوروبية وحدها. والأخطر هنا أن تتبع ثقافات البلدان المغلوبة والمستعمرة قرارات المركز.
وينسى التسابق العربي ـ الذي بات اليوم يأخذ شكل الرجاء ـ للحظوة بالاعتراف الأوروبي وحده، أن المركز سوف يظل مخلصاً لمبادئه، وسوف يفرض الشروط المدرجة في سلالم القيمة التي يرسمها بنفسه للآخر، حين يقرّر دخول النصوص إلى مجاله الثقافي، وبورصة القيم الأدبية.
والمشكلة هنا ليست في رفض المصارف العالمية لقيمة الشيك الأدبي الذي توقعه ثقافتنا وحسب، بل في امتناع المصارف المحلية، أو إذعانها لأوامر المركز. وفي هذه الأحوال، لا نكون قد خسرنا تحرّرنا السياسي من المستعمر وحسب، بل عملنا بأنفسنا على تكريس تبعيتنا الثقافية.
فإذا كان من بينهم من يؤكد أنك بلا رصيد، فكيف يمكن أن يقبل الشيكات التي توقعها؟