16 نوفمبر 2024
شيفرات السيسي
يبدو نظام عبد الفتاح السيسي مولعاً بالرسائل الخفية والإشارات والرموز، وكأننا أمام نسخةٍ مصريةٍ من رواية "شيفرة دافنشي"، فقد صدر الحكم على الرئيس محمد مرسي بالسجن المؤبد في القضية الهزلية "التخابر مع قطر" يوم 18 يونيو/ حزيران، تزامناً مع ذكرى نجاحه في الانتخابات الرئاسية، وتوليه الحكم عام 2012. وقبلها، انعقدت الجلسة الأولى لمحاكمته في القضية الهزلية الأخرى "الهروب من سجن وادي النطرون" يوم الثامن والعشرين من يناير/ كانون الثاني عام 2014، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى "جمعة الغضب" التي ثار فيها الشعب المصري، وأذاق جلاديه الذل، وأجبرهم على الفرار والانسحاب من الميادين، فكان أن قرّر نظام حسني مبارك معاقبة الثائرين بإعطاء أوامر للشرطة بالانسحاب من أقسام الشرطة، وفتح السجون في وجه المجرمين لإشاعة الفوضى في البلاد.
استهوت اللعبة السيسي، وتعامل بالمنطق نفسه مع حادث مقتل النائب العام السابق هشام بركات، إذ قام بتغيير اسم ميدان رابعة العدوية إلى ميدان هشام بركات، وهو المكان الذي شهد أكبر مذبحةٍ في تاريخ مصر الحديث، وفقاً لأوامر النائب العام القتيل، و"بناء على تعليمات النيابة العامة"، كما جاء في مكبر الصوت الذي حملته قوات الجيش والشرطة، وهي تقتل المعتصمين. كما تحرّك القضاء في الاتجاه نفسه، وقام بتعيين نجل هشام بركات ممثلاً للنيابة في قضية التخابر مع قطر، ليبدو وكأنه ينتقم لوالده، ما دعا كثيرين إلى تشبيه سياسة السيسي بأنها تعتمد على "الكيد"، لكنها في الواقع أعمق من ذلك.
كان وزير العدل المقال، أحمد الزند، على ما يبدو أحد المتأثرين بذلك المنهج، أو أنها كانت رسالةً لم ينتبه لها، وهو يصدر قراراً بتولي هشام عبد الحميد رئاسة مصلحة الطب الشرعي، في ذكرى وفاة شيماء الصباغ، عضوة حزب التحالف الاشتراكي، التي قُتلت على يد قوات الأمن في الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير. وكان عبد الحميد يشغل منصب المتحدّث باسم مصلحة الطب الشرعي، وصرح، آنذاك، إن نحافة جسد شيماء الصباغ هي السبب في وفاتها، متأثرة بطلقات الخرطوش.
ليست لعبة التواريخ دائماً في صالح السيسي ونظامه، فقد هوى سعر الجنيه المصري أمام
الدولار الأميركي في فبراير/ شباط الماضي، في الذكرى الأولى للمؤتمر الاقتصادي الهزلي الذي عقده في مدينة شرم الشيخ، وتبارت وسائل الإعلام المصرية في تقدير المليارات التي ستنهال على المصريين من هذا المؤتمر. حتى وصل الرقم إلى 160 مليار دولار. ليأتي العام الذي يليه حاملاً معه أزمةً اقتصاديةً خانقةً، يصل فيها سعر الدولار الواحد إلى 9 جنيهات في السوق الرسمي، ووصل في السوق السوداء إلى ما يقرب من 12 جنيهاً.
كما تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير قبل ذكرى تحرير سيناء بأيام، وأقرّ مجلس الشورى السعودي الاتفاقية بالإجماع يوم 25 أبريل/ نيسان، اليوم الذي تحل فيه الذكرى، لكن البرلمان المصري لم يصدّق عليها بعد، وخرجت قوات الأمن لتطارد وتعتقل كل من يتحدّث بعكس ذلك. كما اقتحمت مليشيات وزارة الداخلية مقر نقابة الصحافيين قبل يوم من اليوم العالمي لحرية الصحافة، في مصادفةٍ غريبةٍ أو غباء من الطراز النادر.
وفي خطابه عن "السلام الدافئ" مع إسرائيل، وتغزّله فيها مطالباً بإذاعة خطابه في تلفزيون الكيان الصهيوني، ظهرت القاعة التي يلقي فيها السيسي كلمته مزيّنة باللونين الأبيض والأزرق (ألوان علم إسرائيل)، وهو ما جعل بعضهم يطرح تساؤلاتٍ حول ما إذا كانت تلك إحدى رسائل السيسي الخفيّة التي اعتاد عليها أم لا. وقد تقمّص السيسي، في ذلك الخطاب، شخصية الرئيس الراحل أنور السادات، عندما أعلن عن استعداده للذهاب إلى الكنيست، وأتبع ذلك بزيارة إلى القدس المحتلة.
كانت ملامح التشابه بين السادات والسيسي قد بدأت، منذ جمع بينهما حلم رآه الأخير في منامه، وحكاه للمقربين منه، وعرفه الناس بعد نشر تسريباته، يقول فيه السيسي للسادات إنه سيصبح رئيساً لمصر. وقد عبّر السيسي، مرّاتٍ، عن إعجابه بسياسات السادات الاقتصادية والاجتماعية، وأشاد في أثناء توليه وزارة الدفاع بقرار السادات رفع الدعم عن السلع الأساسية، وأكد عزمه على اتخاذ قرارٍ مماثل. لكن الرئيس الراحل تعرّض لواقعةٍ مؤسفةٍ تتعلق بشيفرات التواريخ، فقد اغتيل في ذكرى يوم السادس من أكتوبر، يوم مجده الذي تحقّق بعد إصداره أمر عبور قناة السويس لتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي. فهل يتعرّض السيسي إلى مصير مماثل في ذكرى أيٍّ من أيام "أمجاده" الكثيرة التي حققها، سواء الثلاثين من يونيو الذي استغله للقفز على السلطة، أو الثالث من يوليو ذكرى إعلانه الانقلاب، أو 14 أغسطس/ آب ذكرى المذبحة الكبرى، أو حتى يوم 25 يناير، ذكرى الثورة التي غدر بها وحاربها بكل قوة للقضاء عليها، لكنها تأبى حتى الآن. فهل يذهب السيسي ضحيةً لمكر التاريخ، مثل قدوته، في أيٍّ من تلك الأيام؟
استهوت اللعبة السيسي، وتعامل بالمنطق نفسه مع حادث مقتل النائب العام السابق هشام بركات، إذ قام بتغيير اسم ميدان رابعة العدوية إلى ميدان هشام بركات، وهو المكان الذي شهد أكبر مذبحةٍ في تاريخ مصر الحديث، وفقاً لأوامر النائب العام القتيل، و"بناء على تعليمات النيابة العامة"، كما جاء في مكبر الصوت الذي حملته قوات الجيش والشرطة، وهي تقتل المعتصمين. كما تحرّك القضاء في الاتجاه نفسه، وقام بتعيين نجل هشام بركات ممثلاً للنيابة في قضية التخابر مع قطر، ليبدو وكأنه ينتقم لوالده، ما دعا كثيرين إلى تشبيه سياسة السيسي بأنها تعتمد على "الكيد"، لكنها في الواقع أعمق من ذلك.
كان وزير العدل المقال، أحمد الزند، على ما يبدو أحد المتأثرين بذلك المنهج، أو أنها كانت رسالةً لم ينتبه لها، وهو يصدر قراراً بتولي هشام عبد الحميد رئاسة مصلحة الطب الشرعي، في ذكرى وفاة شيماء الصباغ، عضوة حزب التحالف الاشتراكي، التي قُتلت على يد قوات الأمن في الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير. وكان عبد الحميد يشغل منصب المتحدّث باسم مصلحة الطب الشرعي، وصرح، آنذاك، إن نحافة جسد شيماء الصباغ هي السبب في وفاتها، متأثرة بطلقات الخرطوش.
ليست لعبة التواريخ دائماً في صالح السيسي ونظامه، فقد هوى سعر الجنيه المصري أمام
كما تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير قبل ذكرى تحرير سيناء بأيام، وأقرّ مجلس الشورى السعودي الاتفاقية بالإجماع يوم 25 أبريل/ نيسان، اليوم الذي تحل فيه الذكرى، لكن البرلمان المصري لم يصدّق عليها بعد، وخرجت قوات الأمن لتطارد وتعتقل كل من يتحدّث بعكس ذلك. كما اقتحمت مليشيات وزارة الداخلية مقر نقابة الصحافيين قبل يوم من اليوم العالمي لحرية الصحافة، في مصادفةٍ غريبةٍ أو غباء من الطراز النادر.
وفي خطابه عن "السلام الدافئ" مع إسرائيل، وتغزّله فيها مطالباً بإذاعة خطابه في تلفزيون الكيان الصهيوني، ظهرت القاعة التي يلقي فيها السيسي كلمته مزيّنة باللونين الأبيض والأزرق (ألوان علم إسرائيل)، وهو ما جعل بعضهم يطرح تساؤلاتٍ حول ما إذا كانت تلك إحدى رسائل السيسي الخفيّة التي اعتاد عليها أم لا. وقد تقمّص السيسي، في ذلك الخطاب، شخصية الرئيس الراحل أنور السادات، عندما أعلن عن استعداده للذهاب إلى الكنيست، وأتبع ذلك بزيارة إلى القدس المحتلة.
كانت ملامح التشابه بين السادات والسيسي قد بدأت، منذ جمع بينهما حلم رآه الأخير في منامه، وحكاه للمقربين منه، وعرفه الناس بعد نشر تسريباته، يقول فيه السيسي للسادات إنه سيصبح رئيساً لمصر. وقد عبّر السيسي، مرّاتٍ، عن إعجابه بسياسات السادات الاقتصادية والاجتماعية، وأشاد في أثناء توليه وزارة الدفاع بقرار السادات رفع الدعم عن السلع الأساسية، وأكد عزمه على اتخاذ قرارٍ مماثل. لكن الرئيس الراحل تعرّض لواقعةٍ مؤسفةٍ تتعلق بشيفرات التواريخ، فقد اغتيل في ذكرى يوم السادس من أكتوبر، يوم مجده الذي تحقّق بعد إصداره أمر عبور قناة السويس لتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي. فهل يتعرّض السيسي إلى مصير مماثل في ذكرى أيٍّ من أيام "أمجاده" الكثيرة التي حققها، سواء الثلاثين من يونيو الذي استغله للقفز على السلطة، أو الثالث من يوليو ذكرى إعلانه الانقلاب، أو 14 أغسطس/ آب ذكرى المذبحة الكبرى، أو حتى يوم 25 يناير، ذكرى الثورة التي غدر بها وحاربها بكل قوة للقضاء عليها، لكنها تأبى حتى الآن. فهل يذهب السيسي ضحيةً لمكر التاريخ، مثل قدوته، في أيٍّ من تلك الأيام؟