شيء من الخوف

14 مايو 2016
+ الخط -
"ما تخافش"، عبارة أطلقها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وهو يروي ما قالته له مجموعة من المواطنين على كورنيش الإسكندرية. الرجل، وكعادته، استخرج ما في داخله من قدراتٍ تمثيليةٍ مكنونة، مع قليلٍ من النبرة الرومانسية، ليتقمص دور الضحية في المشهد المصري. هو ضحية مؤامرة كبرى، يدبرها قسم من الشعب ضد حكمه الرشيد، لكن القسم الأكبر لا يزال إلى جانبه. ولهذا طمأنه إلى مستقبله رئيساً في الدرجة الأولى، أما مستقبل الشعب نفسه فليس مهماً حالياً.
المشهد التمثيلي المقتبس من أردأ أنواع الأفلام ليس اعتباطياً. والعبارة التي أراد السيسي أن يضعها في فم الشعب، أي "ما تخافش"، ليست مجرد حشو في السيناريو، بل لها كثير مما بعدها. الرجل يحاول أن يوهم نفسه أنه لا يزال يحظى بالقدر نفسه من الشعبية التي أوصلته إلى الرئاسة بعد الانقلاب، ونال على إثرها تفويضاً من الشعب لمحاربة ما سماه الإرهاب، المتمثل في "الإخوان المسلمين".
هو يرمي، بالدرجة الأولى، إلى استعادة أجواء "التفويض"، لكن هذه المرة ضد "إرهابٍ" من نوع جديد. نوع لا ماركة مسجلة له، لا هو إسلامي ولا يساري ولا يميني، هو خليط من كل ما سبق، هو "إرهاب" شعبي عام، قد يأخذ أشكالاً نقابية، كما هو حاصل في نقابة الصحافيين، أو طلابي، أو اقتصادي. لا ملمح واضحاً له، ولا اتهام مباشراً يمكن أن يوجه إليه سوى أنه يعارض الرئيس ومشاريعه وإنجازاته. وعلى هذا الأساس، وبناء على تفويض "ما تخافش"، كانت حملات الاعتقال الواسعة في المحافظات المصرية، والتي لم توفر الأطفال.
لكن لا شك أن العبارة التي أراد السيسي أن يسمعها من الشعب تحمل نقيضها في داخله، إذ تؤكد أن فيه شيئاً من الخوف مما هو حاصل في مصر، والتصاعد المتواتر في الاحتجاجات الشعبية، وتنوع أشكالها، من الأرض إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل إلى الإعلام الذي كان يراهن عليه الرئيس المصري في تأمين السند له، وتلميع صورته بشكل دائم، "على الحلوة والمرّة".
هي مرحلة من التقهقر يسعى السيسي إلى احتوائها بكل الوسائل الممكنة، قبل أن تكبر كرة الثلج، ولا يعود بالإمكان كبحها. وفي هذا السياق، تصبح كل الأسلحة مشروعة؛ اعتقالات ومحاكمات، حرائق، تفجيرات وعمليات قتل، وتلويح بإرهاب يتمدّد في الداخل، وزيادة وتيرة زرع الخوف في القلوب، بعدما بات من الواضح أن هناك فئة كبيرة كسرت حاجزه ولم تعد تخشى التبعات التي يلوح بها النظام.
المشهد يحيل تماماً إلى "شيء من الخوف"، وهو عنوان رائعة ثروت أباظة التي حولها حسين كمال إخراجياً وعبد الرحمن الأبنودي حوارياً إلى فيلم سينمائي بديع في أواخر ستينيات القرن الماضي. الفيلم الذي أراد محاكاة واقع ديكتاتوري تعيشه مصر في ذلك الحين، تحوّل من جديد إلى واقع على الأرض. فعتريس الذي كان حاكماً للبلاد بالحديد والنار ما عاد في استطاعته مواجهة الغضب المتصاعد لزواجه بالقوة من فؤادة التي ترمز إلى مصر في الفيلم. وكل الوسائل التي لجأ إليها، من القتل إلى الإبعاد إلى الاعتقال، لم يعد من الممكن أن تنفع في كبح الصرخات التي تحاكي العبارة الأشهر في الفيلم: "زواج عتريس من فؤادة باطل".
قد لا تكون مصر اليوم تعيش المشهد الختامي من الفيلم، حين يتحدّى الأهالي الرصاص، ويتوجهون إلى منزل "الديكتاتور" لإزاحته. لكن مؤشرات كثيرة توحي بأنها خطت باتجاه ذلك، ولا سيما أن العصا الحديدية التي كانت، ولا تزال، مرفوعة فوق رأس الشعب، لم يعد لها الأثر نفسه، وأن الخوف المعمم الذي أراد النظام فرضه على المواطنين، بدأ يتسلل إلى داخل الرئيس نفسه. وهنا تكمن بداية النهاية.



حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".