شورى وحمّاد: سورية في لوحة صديقين

22 فبراير 2017
(شورى وحمّاد)
+ الخط -

يغصّ أرشيف الفنان محمود حمّاد، الذي اطّلعْنا عليه لدى كريمته لبنى، بالصور الفوتوغرافية التي تجمعه مع الفنان نصير شورى ابن مدينته دمشق، وكذلك ببعض البورتريهات والمشاهد الداخلية التي رسمها كلاهما معا في بداية مسيرتهما الفنية. لقد حرّضتنا هذه الصور والأعمال على تقفّي أثر هذه الصداقة أو الزمالة، لنكتشف أننا نرسم من خلالها بعض الخطوط الأساسية في تاريخ الحركة التشكيلية في سورية.

بحكم السن، سبق شورى (1920 - 1988) زميله حمّاد (1923 -1992) في الانخراط في الجو الفني الناشئ، فكان من مؤسّسي وأعضاء أوائل الجمعيات الفنية في البلاد وربما هذا ما جعل حماد يلتمس رأيه في أعماله. فقد زار حماد، وكان في الرابعة عشرة من العمر، الفنان الشاب شورى في مرسمه برفقة صديق مشترك، ليطلعه على رسوماته ولوحاته الزيتية الصغيرة، وليبدي "الأستاذ"، وهو يكبره بثلاث سنوات فقط، إعجابه بموهبة هذا المراهق!

في سنة 1937، شارك شورى، عازفاً للأكورديون ورساماً، في تأسيس "دار الموسيقى الوطنية"، وكانت هذه الدار تهتم بالرسم بقدر اهتمامها بالموسيقى. وقد صوّر شورى فيها بتأثير من أحد أعضائها، الفنان ميشيل كرشة، المواضيع المعتادة في ذلك الوقت من مشاهد طبيعية وطبيعة صامتة ووجوه بأسلوب انطباعي. كما شارك شورى أيضاً في تأسيس "ندوة الأندلس للرسم والأدب" سنة 1940.

إلا أن أول تجمّع فنّي قد جمع شورى وحمّاد معا كان "مرسم فيرونيز" الذي تأسس سنة 1941. ضمّ المرسم، بالإضافة إلى شورى وحماد، أسماء معروفة في ذلك الحين كـ عبد العزيز النشواتي وجلال قصيباتي وأدهم إسماعيل، كما كان يتردّد إليهم كل من كرشة والجعفري وآخرون.

ظلت أبواب المرسم الذي تعود ملكيته للفنان عدنان الجباصيني مفتوحة حتى سنة 1950. من هذا المرسم، أسّس الصديقان مع بعض الفنانين "الجمعية العربية للفنون الجميلة" سنة 1943، ذات السنة التي سافر فيها شورى إلى القاهرة، عاصمة الفن العربي آنذاك، ليدرس الفن في "المدرسة العليا للفنون الجميلة". وقد تمكّنت هذه الجمعية من إقامة معرض فني كبير في معهد "اللاييك" بدمشق عام 1944 اشترك فيه أعضاء الجمعية، حتى شورى الذي كان قد رجع حينها في إجازة من القاهرة.

عند عودته إلى دمشق سنة 1947، اتخذ شورى له مرسماً في حي أبو رمانة الشهير، صار مركزاً يجتذب العديد من التشكيليين والكتّاب وهواة الفن الشباب للاستفادة من علم الفنان المُجاز، مثل مروان قصاب باشي وبالطبع حمّاد. في هذه الفترة، فترة الأربعينيات، رسم حماد بورتريهين زيتيين لشورى وأيضاً اثنين بقلم الرصاص على ورق، بينما رسم شورى بقلم الرصاص ثلاثة بورتريهات لحماد على الورق كما رسما كلاهما غير زيتية من المكان.

وقد كان كلا الفنانين حاضرين في أول مناسبة فنية رسمية على مستوى سورية، حيث شاركا في سنة 1950، في المعرض السنوي الأول وحصدا نجاحاً متميزاً تجسّد في تقاسم شورى الجائزة الثانية مع فنانين آخرين، وحمّاد الجائزة الأولى مع فنانين آخرين أيضاً. وفي السنة التالية، عرضا بمفردهما معا لأول مرة في نادي السعد في مدينة حلب. كما شاركا في هذه السنة أيضاً في تأسيس الجمعية السورية للفنون في أبو رمانة، وكان أول اجتماع لها في شارع 29 أيار بدمشق في منزل الفنان والآثاري خالد معاذ.

في عام 1953، أقام حماد معرضا فردياً في مقر الجمعية السورية للفنون قبل أن يسافر إلى روما في منحة من وزارة التربية من أجل دراسة الفن. وقد عاد منها في عام 1957، وأصبح معلّماً للفن في حوران، كغيره من الفنانين الذين درَّسوا مادة الرسم في مدارس وثانويات سورية المختلفة.

ومع افتتاح "كلية الفنون الجميلة" في عام 1960 في دمشق، دُعي شورى وحماد ليدرّسا فيها مادة التصوير (painting). وكان شورى حتى هذه السنوات متأثراً على مستوى الأسلوب والألوان بالأفكار الانطباعية لمعلمه المصري يوسف كامل، الذي كان يؤكد على تأسيس وترسيخ انطباعية "محلية"، أما حماد فكان قد ترك أسلوبه التقليدي ليبدأ بتبسيط أشكاله ومن ثم بدأ باستخدام الحرف العربي في تشكيلاته.

ويعتبر مجيء الفنان الإيطالي جويدو لاريجينا إلى دمشق في منتصف الستينيات، وهو الذي يملك أسلوباً تجريدياً، للتدريس في كلية الفنون الجميلة، نقطة تحوّل في أسلوب كثير من الفنانين كشورى وحماد وأيضاً فاتح المدرس وإلياس الزيات، الذين شكلوا جماعة (د) سنة 1965، وعرضوا في صالة الصِوان سنة 1965، نتاجهم التجريدي الجديد.

بدأ إذن شورى بإخراج محاولاته التجريدية الأولى إلى العلن، مزاوجاً ما بين الانطباعية والتجريدية. ومنذ ذلك الوقت بدأ يهمل التفاصيل ويمضي من الأشياء إلى اللمسات الملونة. مع ذلك لم يتخلّ عن الطبيعة، لكن عينه بدأت تصفّي وترشح الأشياء وتجعلها مجردة. رغم أن حمّاد كان قد سبق شورى في كسر القوالب القديمة لفنه، ففي حوران، راح برفقة ممدوح قشلان وأدهم اسماعيل بتبسيط الأشكال، مستعملين أفكاراً وإشارات محلية.

وكانوا يعرّفون فنهم في تلك المرحلة كنوسان بين العناصر والمواضيع المحلية من جهة والأسلوب الحديث من جهة أخرى. كما بدأ حماد منذ عام 1963، بإدراج حروف عربية في لوحاته، وقطع من كتابة تقليدية لا تخضع إلى القواعد الكلاسيكية للخط العربي، بل على العكس، كان يفككها لكي يعدّ تشكيلاً مجرّداً حيث لا نجد أحياناً أي أثر للكلمات.

استقر الفنانان على أسلوبيهما حتى رحيلهما عن هذه الدنيا، حمّاد في عام 1988 وشورى بعده بأربع سنوات، لتنطوي صفحة من صفحات تطوّر الفن التشكيلي السوري.

دلالات
المساهمون