صدر حديثاً عن منشورات "ضفاف" و"الاختلاف" ترجمة لكتاب "فن العيش الحكيم" لـ الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (1788–1860)، بترجمةٍ إلى العربية أنجزها عبد الله زارو.
يُعدّ الكتاب، وهو آخر مؤلفات فيلسوف التشاؤم كما يُنظَر إليه، شوبنهاور، استكمالاً للموضوع الذي شغله طيلة حياته حول الوجود والعيش والإرادة، وفيه يفضل الإرادة الفردية على الدوافع اللاعقلانية التي تقود الفرد هنا أو هناك في لحظة من وجوده.
يدرس صاحب "العالم كإرادة وتمثل" الطرق التي يمكن بها ترتيب الحياة للحصول على أعلى درجة من المتعة والحرية، ويقدم مبادئ توجيهية لتحقيق هذا الأسلوب الكامل والغني للعيش، والذي لن يكون كما قد يتوقع المرء، إذ أن لشوبنهاور فهماً شديد الخصوصية لعلاقة السعادة بالعزلة.
يعتبر شوبنهاور أن المرء لا يكون مطابقاً لذاته إلّا إذا كان بمفرده. لذلك فالكاره للعزله كاره للحرية في نظره، إذ أننا وفق تعبيره "لا نكون أحراراً إلا في عزلتنا".
ويضيف أن "كل اختلاط بالناس يلازمه الإكراه لزوم الظل لصاحبه. ويفرض على المخالط تقديم تضحيات وتنازلات باهظة بمقاييس الميالين بطبعهم إلى الانفراد والعزله، والمشمئزين من المخالطة".
بالنسبة إلى صاحب "في حرية الإرادة"، فإن قيمة الأنا وجودتها من عدمها تقاسان بالنفور من العزلة أو بتحمّلها بل وبالهيام بها. و"الهيام بها يتساوق مع الجودة العالية للأنا والشخصية".
في العزلة كما يرى مؤلف "في أسس الأخلاق" يستشعر البائس بؤسه بكل جوارحه في عزلته التي لا يطيقها جراء ذاك، كما يستشعر الراقي عظمته وسموه بكل جوارحه أيضاً في وحدته.
وفقاً لهذه النظرة الشوبنهاورية، تكون العزلة هي الميزان الذي تقاس به جودة الأشخاص من عدمها. فبقدر ميل الشخص إليها وعشقه لها يكون أهلاً لأخذ مكانه في مجتمع من صفوه المنتجين.
يخلص شوبنهاور إلى أن المتعة التي لا تضاهيها متعة تكمن في أن "يجمع الشخص بين العزلة الجسدية والعزلة الفكرية المتناغمتين".