شهود الكارثة في محطة مصر

28 فبراير 2019
مشاهد مرعبة في موقع الحادث (العربي الجديد)
+ الخط -
تسبب حادث قطار، الأربعاء، في محطة مصر بالعاصمة المصرية القاهرة، في اشتعال نيران هائلة، وتفحم عدد من الجثث. وأوضحت هيئة السكك الحديدية، أنّ سبب الحادث في المحطة التي تسمى "رمسيس" أيضاً، جاء نتيجة انحدار القاطرة رقم 2302، واصطدامها بالجدار الخرساني في نهاية الرصيف رقم 6، الذي يعتبر رصيفاً للقطارات المتهالكة، أو "قطارات الغلابة". أما الحريق فقد اندلع بعد انفجار خزان الوقود "تانك السولار" في إحدى القاطرات، بعد اصطدامها بصدادات نهاية الرصيف، لا نتيجة عمل إرهابي.

التقت "العربي الجديد" عدداً من المصابين وأهالي الضحايا والشهود العيان. يروي شريف محمد، الكمسري (موظف تحصيل تذاكر الركاب) في هيئة سكك حديد مصر، شهادته لـ"العربي الجديد" فيقول إنّه كان في الغرفة المعدّة لهم داخل محطة القطار، وسمع دوي انفجار كبير، فخرج مسرعاً، لاستبيان ما حدث، فوجد العديد من الأشخاص يهرولون في كلّ مكان والنيران ممسكة بأجسادهم. يضيف: "وقفت لثوانٍ مصدوماً من هول ما رأيت؛ فالمشهد كان مروعاً إلى أقصى درجة، وأثناء وقوفي، اندفعت نحوي طفلة بعمر 10 سنوات تقريباً، والنيران ممسكة بظهرها بالكامل فحضنتني وهي تبكي بحرقة، وتقول: الحقني يا عمو... حملتها وهرولت بها، فأمسكت النيران في يدي، فوضعتها على الأرض، وخلعت سترتي وأخمدت النيران في ظهرها". يتابع: "بعد ذلك، سألتها عن أهلها، فأخبرتني أنّها كانت بالقرب من أبيها، وما إن وقع الانفجار، حتى احتضنها الأب، وأمسكت به النيران بالكامل فدفعها بعيداً عنه وظل يجري وهو مشتعل، فهدّأتُ من روعها. ساعدتُ بعض أفراد الأمن الذين كانوا بالمحطة في إطفاء النيران ببعض الأشخاص، بعدما التهمت النيران يدي، وأصبتُ بحروق من الدرجة الرابعة". يختم: "لن أنسى طوال عمري نظرات الرعب في عينيّ البنت".




يقول فنّي القطارات محمد صبحي من ورشة "أبو غاطي" التي تبعد عن محطة "رمسيس" 100 متر، والتي خرجت منها القاطرة المتسببة بالحادث: "كان الجرار (القاطرة) المتسبب في الحادث متشابكاً بجرار آخر كان خلفه أثناء سيرهما بالورشة، فنزل السائق منه لمعرفة سبب تشابك الجرارين، فانفلت من التشابك وسار بسرعة مهولة، متجهاً نحو المحطة من دون سائق". "التهور" هو الوصف الذي يطلقه صبحي على تصرف السائق الذي تسبب في الحادث المروّع، إذ سمع دويّ انفجار مرعباً يضرب أفق الرصيف الرابع من المحطة، ورأى ألسنة نار تزحف على الرصيف، وسط صراخ الركاب والعاملين الذين حاولوا الفرار من المكان. يؤكد أنّه شاهد خلال الحادث الحطام والركام وبقايا ملابس جثث الضحايا، في مشهد مؤلم أصابه بالإغماء كما يقول.

بدوره، يقول محمد السيد، أحد المصابين: "كنت واقفاً عند كافتيريا المحطة، أرتشف القهوة أثناء انتظار زوجتي الآتية في قطار الإسكندرية، وفجأة سمعت صوت صرير عالياً، فخرجت إلى أول الرصيف لأستطلع الأمر، فرأيت جراراً مشتعلاً بالكامل، يجر صهريج كيروسين، فدخل إلى المحطة من دون أن يبطئ من سرعته، واصطدم بالصدادات في رصيف المحطة". يوضح السيد، أنه بمجرد اصطدام القطار بالمحطة، انفجر الصهريج المحمل بالكيروسين، وتطايرت آلاف الليترات من الكيروسين المشتعل على جانبي الرصيف وعلى قطار كان متوقفاً عند المحطة محملاً بالركاب. يتابع: "مشهد الغاز وهو مشتعل يطير في الجو ويحرق أيّ شيء ينزل عليه كان مهولاً. وصلت إليّ النار، لكنّ إصابتي والحمد لله كانت لا شيء أمام من رأيتهم تفحموا".

وأصدر النائب العام المستشار نبيل أحمد صادق، بياناً تفصيلياً بشأن الحادث، جاء فيه أنّ "الجرار مرتكب الحادث وأثناء سيره متجهاً إلى مكان التخزين تقابل مع جرار آخر، أثناء دورانه على خط مجاور بعكس الاتجاه، ما أدى إلى تشابكهما". وأضاف: "حال ذلك دون استمرار سير الجرار مرتكب الحادث، فترك قائد الجرار الآخر كابينة القيادة من دون أن يتخذ إجراءات إيقاف محرك الجرار، وتوجه لمعاتبة قائد الجرار الأول الذي رجع إلى الخلف لفك التشابك ما أدى إلى تحرك الجرار مرتكب الحادث من دون قائده وانطلاقه بسرعة عالية، فاصطدم الجرار بالمصدّ الخرساني بنهاية خط السير بداخل المحطة، ووقع الحادث".

وتسبب الحادث باستقالة وزير النقل المهندس هشام عرفات من الحكومة، وهو الذي يتولى منصبه منذ فبراير/ شباط 2017. وكان وزير النقل وعد المصريين بتغيير شامل في منظومة السكك الحديد.

من جهتها، انتدبت النيابة العامة لجنة من خبراء الطبّ الشرعي لمناظرة الجثامين، وأخذ عيّنات الحمض النووي، نظراً لتفحمها وعدم التوصل إلى تحديد هوية كلّ منها. وتحفّظت النيابة العامة على كاميرات المراقبة في موقع الحادث، وسأل فريق من محققيها المصابين حول معلوماتهم عن الحادث، وما لحق بهم من إصابات، كالحروق والكسور والجروح، وسببها المباشر بالذات. وأشارت النيابة العامّة إلى أنها واصلت التحقيق في الواقعة، وسوف تتابع إصدار بيانات بما يستجد من معلومات تسفر عنها التحقيقات. بعد وقوع الحادث، نقلت سيارات إسعاف الضحايا، والجثامين المتفحمة، إلى مستشفيات قريبة من المحطة، فيما انتقل المسؤولون، وعلى رأسهم رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، إلى مكان الحادث للوقوف على آخر التطورات.




وكانت قوات الأمن قد أخلت المحطة من الركاب ومنعت الدخول إليها، وقررت السكك الحديد إيقاف حركة القطارات بمحطة مصر، تزامناً مع وصول نحو 20 سيارة إطفاء للسيطرة على الحريق.

يقول علاء فتحي، سائق القطار الذي تسبب في الكارثة، واعتقلته السلطات، إنّ "قطارات السكك الحديدية متهالكة، ولا تصلح للسير، وقد اتصلت ببرج المراقبة قبل الحادث لمحاولة إنقاذ الموقف"، فردوا عليه في المرة الأولى، ولم يردّوا عليه مجدداً. يتابع: "لم أستطع التصرف، ولم أكن أقصد الهرب".

وأمرت نيابة شمال القاهرة المصرية، الخميس، بحجز سائق جرار القطار المتسبب في الحادث، لمدة 24 ساعة إلى حين ورود التحريات الأمنية حول الواقعة. وكان النائب العام المصري قد حمّل، الأربعاء، سائق الجرار المحتجز المسؤولية عن الحادث، وأمر بتوقيفه والتحقيق معه.