وأكدت مصادر في حزب المؤتمر الشعبي، لـ"العربي الجديد"، أمس الخميس، مغادرة الأمين العام المساعد للحزب، ياسر العواضي صنعاء إلى مسقط رأسه في محافظة البيضاء وسط البلاد، بعد أن كان على رأس القيادات التي نجت من الموت والاعتقال مطلع الشهر الماضي، وبقي في منزله خلال الأسابيع الماضية، فيما يشبه الإقامة الجبرية المفروضة من الحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية عبر إجراءات مشددة، وشنوا حملة اعتقالات وملاحقات، لقيادات في الحزب، وأخرى عسكرية، من الموالين لصالح. ووفقاً للمصادر فقد كان العواضي أحد أبرز القيادات المرشحة للقيام بدور قيادي للحزب في صنعاء. وسعى الحوثيون لإقناعه بتصدر واجهة عمل الحزب في العاصمة، وفقاً للشروط والمعادلة الجديدة التي فرضتها سيطرة الجماعة وجعلت منها الرأس الوحيدة في صنعاء ومحيطها. إلا أن جهود الجماعة، وعلى الرغم من نجاحها في إسكات أي نشاط معارض لها حتى اليوم، في صنعاء، لم تثمر بعقد اجتماعات رسمية لقيادات الحزب المتواجدة في مناطق سيطرتها، وانتزاع مواقف مؤيدة.
وجاءت مغادرة العواضي بعد يومين من تصريحات أعلن فيها رفض الإملاءات على حزبه. وقال إن "المؤتمرين سيفيقون من الصدمة"، وإن "المؤتمر تنظيم مؤسسي ولديه أنظمته ولوائحه التي تحدد هياكله وقراراته، ولا يستطيع أحد تجاوزها أو إملاء مواقف على المؤتمر خارج قناعاته وثوابته مهما كان". وأوضح أن أولوياتهم في قيادة المؤتمر "العمل على إطلاق سراح الأسرى والإفراج عن المعتقلين واستعادة مقراته وممتلكاته ووسائل إعلامه، ليتمكن من ممارسة دوره بحرية كاملة وفقاً للدستور والقانون ومرجعياته". من جانب آخر، كان لافتاً تزامن هذا التطور مع مستجدات في السياق ذاته، إذ انتقل الأسبوع الحالي، الأخ غير الشقيق لصالح، اللواء علي صالح الأحمر، القائد الأسبق لقوات الحرس الجمهوري، إلى محافظة مأرب، بالإضافة إلى تأكيدات بنجاة القائد العسكري الأبرز الذي كان بجانب صالح، قبل مقتله، وهو العميد طارق محمد عبد الله صالح، والذي نشر أقرباء له، صورته مصاباً يتلقى العلاج، في مكان غير معروف. وقالت بعض المصادر إنه تمكن من مغادرة اليمن إلى أبوظبي، حيث يقيم أحمد علي عبد الله صالح، النجل الأكبر لصالح. وكان الحوثيون سيطروا على مقرات الحزب ووسائله الإعلامية في صنعاء، وقاموا باعتقال العشرات من القيادات والعناصر، قبل أن يعلنوا في وقت لاحق، الشهر الماضي، قراراً بـ"العفو العام" عن المشاركين "المدنيين" فيما أسموه "فتنة ديسمبر" كانون الأول، في إشارة لمن وقفوا مع صالح. لكن استثناء عسكريين اتهموهم بالتواصل مع ما وصفوها بـ"دول العدوان"، في إشارة للسعودية والإمارات، قلل من أهمية القرار.
من جانب آخر، وعلى الرغم من مرور شهر على مقتل صالح، في الرابع من ديسمبر/كانون الأول الماضي، فقد فشلت جهود توحيد أجنحة حزب المؤتمر، الذي انقسم إلى ثلاثة تيارات، أولها القيادات البارزة في الحزب التي ما تزال في صنعاء، وظهر البعض منها خلال اجتماعات مع الحوثيين، خصوصاً بعض المسؤولين بما يُسمى "حكومة الإنقاذ الوطني" التي تشكلت قبل أكثر من عام، باتفاق حزب صالح والحوثيين. وقد تمكنت العديد من القيادات في الحزب من مغادرة صنعاء، فيما لا تزال أخرى تعيش في وضع أقرب إلى الإقامة الجبرية فيها، فضلاً عن الاعتقالات التي طاولت قياداتٍ ومسؤولين وعسكريين وضباطاً من المحسوبين على صالح.
وبرز التيار الآخر، ممثلاً بالقيادات المتواجدة بين أبوظبي والعاصمة المصرية القاهرة، وهو جناح صالح، الذي يقف على رأسه نجله أحمد، والذي بات بلا شك، في عداء مباشر مع الحوثيين. إلا أن جهود التقريب بينه وبين الجناح الثالث في الحكومة الشرعية، بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، لم تجد طريقها إلى النجاح حتى اليوم، على الرغم من العديد من اللقاءات التي جمعت قيادات في الطرفين، وتصريحات أخرى، بما في ذلك لهادي نقلها رئيس الحكومة، أحمد عبيد بن دغر، وتحدث فيها عن العفو عن أحمد علي صالح، الذي لا يزال يقيم تحت الإقامة الجبرية في أبو ظبي، بموجب العقوبات الدولية المفروضة عليه في قرار مجلس الأمن 2216 الصادر في إبريل/نيسان 2015، على خلفية الانقلاب على الحكومة الشرعية.
وتعزز حالة الانقسام والشتات التي يعيشها حزب المؤتمر، الحاكم في اليمن حتى 2011، الآراء التي تذهب إلى أن قوته ارتبطت كأي حزب "سلطة" بشخص علي عبدالله صالح، كسياسي وحاكم، وبالتالي فإن الحزب قد يُصبح من الماضي بعد رحيله، ما لم تحمل الأيام والأسابيع المقبلة مفاجآت، تجمع فيها أجنحة الحزب، أو على الأقل، التابعة لهادي والقريبة من نجل صالح، على قيادة جديدة، وهو ما تسعى إليه بالفعل، العديد من القيادات، بدعم من الرياض وأبوظبي، ولكن دون نتائج عملية حتى اليوم.