بينما تسير الفتاة بهدوء وطمأنينة في الشارع، يأتي شخص ليقطع طريقها أو يتحرّش بها، أو يعتدي عليها بالشتم والضرب، أو يسرق هاتفها، من دون أن يتدخل أحد من المارة لحمايتها. مشهد يتكرّر كثيراً في شوارع المغرب، ما يظهر تراجع "النخوة" والشهامة، وهما صفتان لطالما تميّز بهما المجتمع المغربي وغيره من المجتمعات العربية. ولم يكن ليقبل أي مار في الشارع عدم التدخّل في حال شاهد حدوث اعتداء على مواطن.
في هذا السياق، تروي زينب (19 عاماً) ما حدث معها. تقول إنه في الصيف الماضي، وبينما كانت تسير في الشارع، اعترض طريقها شابان على مقربة من حديقة معروفة في مدينة الرباط، والتي كثيراً ما يرتادها الناس. حدث ذلك في وضح النهار، وطلبا منها إعطاءهما السلسلة الذهبيّة التي كانت ترتديها.
زينب التي ما زالت تذكر هذه الحادثة بوضوح، تقول لـ "العربي الجديد" إنّ ما فاجأها ليس جرأة الشابين، إذ إنّ الأمر بات عاديّاً في ظلّ تفشّي ظاهرة النشل والسرقة في البلاد. لكن ما صدمها أنها صرخت وطلبت النجدة من المارّة، ولم يستجب أحد.
بحرقة، تتذكّر هذه اللحظات التي بدت لها طويلة جداً في ذلك اليوم. تقول إنها طلبت من السارقين تركها، وأخبرتهما أن هذه السلسلة ليست لها وقد استعارتها من صديقتها، وعرضت عليهما بعض المال، لكنّهما أصرا على غايتهما. ولمّا رفضت، شدّاها بقوة لتصرخ ويهربان بعدما حصلا على السلسلة، في وقت اكتفى المارة بمشاهدة ما يحدث.
تضيف زينب أنّها لم تشعر إلّا وقد أغمي عليها من هول الصدمة، بعد سرقة سلسلتها وعدم مبادرة أحد لمساعدتها. وبعدما فرّ الشابان، تجمهر الناس حولها لمساعدتها، وقدمت النساء المياه لها. فصاحت: "أين كنتم حين كنت أطلب نجدتكم؟".
مؤخّراً، تعرّض رجل مسنّ في الدار البيضاء لاعتداء في ساعات الصباح الأولى، وعلى مرأى من بعض المارة قرب ساحة ماريشال المعروفة. كان متوجّهاً إلى عمله، قبل أن يتعرّض له أربعة شبان حاصروه من كل جانب، وضربوه على رأسه ليسقط أرضاً، قبل أن يسرقوا هاتفه ومبلغاً من المال كان في حوزته.
اقــرأ أيضاً
ولم يحرّك المارّة، والذين كانوا متواجدين في المكان، ساكناً، وذلك بحسب مقطع الفيديو الذي يوثّق الحادثة. والفضل في ذلك يعود لكاميرا أحد المحال القريب من موقع الحادثة. هكذا، اعتدى أربعة أشخاص على مسنّ من دون أن يرف لهم جفن، ومن دون أن يطالبهم شهود عيان بالكفّ عن ضرب الرجل.
وساهم الفيديو الذي سجلته الكاميرا، والذي نشر على الإنترنت، في حثّ رجال الأمن على البحث عن الفاعلين، وتمكنوا من اعتقال الشبان الأربعة، والذين اتهموا بتكوين عصابة إجرامية وتنفيذ سرقات تحت التهديد السلاح الأبيض.
وفي حادثة أخرى، غابت "النخوة" عن رجل أمن عمد إلى تصوير أرملة تدعى مي فتيحة، بعدما أضرمت النار في جسدها خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي، أمام مقر مكتب قائد إداري في مدينة القنيطرة (غرب البلاد). وبدلاً من أن يسارع إلى نجدة المرأة التي أحرقت نفسها احتجاجاً على مصادرة بضاعتها، عمد إلى تصوير المشهد من خلال هاتفه المحمول. بعدها، سارع طفل صغير إلى نجدة المرأة، لكن بعد فوات الأوان. وبعد أيام، توفيت بسبب حروقها الشديدة.
كثيرة هي القصص التي تظهر غياب النخوة أو الشهامة لدى بعض المغاربة. في المقابل، لا يمكن القول إن الصورة بهذه القتامة. إذ تظهر قصص أخرى نخوة بعض الشبان المغاربة، منها ما حدث قبل فترة، حين طعن شاب في التاسعة عشرة من عمره من قبل مجرم، بعدما تدخّل لإنقاذ فتاة منه. إلا أن الطعنات التي تلقّاها أردته قتيلاً على الفور.
إلى ذلك، تقول الباحثة الاجتماعية، ابتسام العوفير، لـ "العربي الجديد"، إن عدم مبادرة الناس إلى المساعدة يرتبط بسلوك اجتماعي سلبي تعززه سيطرة القيم الفردية على المجتمع، لافتة إلى أن الفرد بات يعيش لنفسه فقط، ولا يهمه ما يحدث للآخرين إلا في حالات نادرة.
وتوضح العوفير أن قيم الفردانية هذه طغت على المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة لتحل محل قيم التآزر والتكافل، بسبب طغيان مفهوم المادة والمصلحة الشخصية. تضيف أنّ الفرد بات يقيّم المجتمع الذي يعيش فيه من خلال ما يتيحه له من فوائد ومزايا عينية ومالية، وليس من خلال ما يمكن أن يقدمه هو لهذا المجتمع. وفي الختام، تلفت إلى تراجع الشهامة في المجتمع.
قد يكون تراجع بعض القيم النبيلة محزناً، إلا أنه في الوقت نفسه واقع جديد لا بد من التكيّف معه.
اقــرأ أيضاً
في هذا السياق، تروي زينب (19 عاماً) ما حدث معها. تقول إنه في الصيف الماضي، وبينما كانت تسير في الشارع، اعترض طريقها شابان على مقربة من حديقة معروفة في مدينة الرباط، والتي كثيراً ما يرتادها الناس. حدث ذلك في وضح النهار، وطلبا منها إعطاءهما السلسلة الذهبيّة التي كانت ترتديها.
زينب التي ما زالت تذكر هذه الحادثة بوضوح، تقول لـ "العربي الجديد" إنّ ما فاجأها ليس جرأة الشابين، إذ إنّ الأمر بات عاديّاً في ظلّ تفشّي ظاهرة النشل والسرقة في البلاد. لكن ما صدمها أنها صرخت وطلبت النجدة من المارّة، ولم يستجب أحد.
بحرقة، تتذكّر هذه اللحظات التي بدت لها طويلة جداً في ذلك اليوم. تقول إنها طلبت من السارقين تركها، وأخبرتهما أن هذه السلسلة ليست لها وقد استعارتها من صديقتها، وعرضت عليهما بعض المال، لكنّهما أصرا على غايتهما. ولمّا رفضت، شدّاها بقوة لتصرخ ويهربان بعدما حصلا على السلسلة، في وقت اكتفى المارة بمشاهدة ما يحدث.
تضيف زينب أنّها لم تشعر إلّا وقد أغمي عليها من هول الصدمة، بعد سرقة سلسلتها وعدم مبادرة أحد لمساعدتها. وبعدما فرّ الشابان، تجمهر الناس حولها لمساعدتها، وقدمت النساء المياه لها. فصاحت: "أين كنتم حين كنت أطلب نجدتكم؟".
مؤخّراً، تعرّض رجل مسنّ في الدار البيضاء لاعتداء في ساعات الصباح الأولى، وعلى مرأى من بعض المارة قرب ساحة ماريشال المعروفة. كان متوجّهاً إلى عمله، قبل أن يتعرّض له أربعة شبان حاصروه من كل جانب، وضربوه على رأسه ليسقط أرضاً، قبل أن يسرقوا هاتفه ومبلغاً من المال كان في حوزته.
ولم يحرّك المارّة، والذين كانوا متواجدين في المكان، ساكناً، وذلك بحسب مقطع الفيديو الذي يوثّق الحادثة. والفضل في ذلك يعود لكاميرا أحد المحال القريب من موقع الحادثة. هكذا، اعتدى أربعة أشخاص على مسنّ من دون أن يرف لهم جفن، ومن دون أن يطالبهم شهود عيان بالكفّ عن ضرب الرجل.
وساهم الفيديو الذي سجلته الكاميرا، والذي نشر على الإنترنت، في حثّ رجال الأمن على البحث عن الفاعلين، وتمكنوا من اعتقال الشبان الأربعة، والذين اتهموا بتكوين عصابة إجرامية وتنفيذ سرقات تحت التهديد السلاح الأبيض.
وفي حادثة أخرى، غابت "النخوة" عن رجل أمن عمد إلى تصوير أرملة تدعى مي فتيحة، بعدما أضرمت النار في جسدها خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي، أمام مقر مكتب قائد إداري في مدينة القنيطرة (غرب البلاد). وبدلاً من أن يسارع إلى نجدة المرأة التي أحرقت نفسها احتجاجاً على مصادرة بضاعتها، عمد إلى تصوير المشهد من خلال هاتفه المحمول. بعدها، سارع طفل صغير إلى نجدة المرأة، لكن بعد فوات الأوان. وبعد أيام، توفيت بسبب حروقها الشديدة.
كثيرة هي القصص التي تظهر غياب النخوة أو الشهامة لدى بعض المغاربة. في المقابل، لا يمكن القول إن الصورة بهذه القتامة. إذ تظهر قصص أخرى نخوة بعض الشبان المغاربة، منها ما حدث قبل فترة، حين طعن شاب في التاسعة عشرة من عمره من قبل مجرم، بعدما تدخّل لإنقاذ فتاة منه. إلا أن الطعنات التي تلقّاها أردته قتيلاً على الفور.
إلى ذلك، تقول الباحثة الاجتماعية، ابتسام العوفير، لـ "العربي الجديد"، إن عدم مبادرة الناس إلى المساعدة يرتبط بسلوك اجتماعي سلبي تعززه سيطرة القيم الفردية على المجتمع، لافتة إلى أن الفرد بات يعيش لنفسه فقط، ولا يهمه ما يحدث للآخرين إلا في حالات نادرة.
وتوضح العوفير أن قيم الفردانية هذه طغت على المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة لتحل محل قيم التآزر والتكافل، بسبب طغيان مفهوم المادة والمصلحة الشخصية. تضيف أنّ الفرد بات يقيّم المجتمع الذي يعيش فيه من خلال ما يتيحه له من فوائد ومزايا عينية ومالية، وليس من خلال ما يمكن أن يقدمه هو لهذا المجتمع. وفي الختام، تلفت إلى تراجع الشهامة في المجتمع.
قد يكون تراجع بعض القيم النبيلة محزناً، إلا أنه في الوقت نفسه واقع جديد لا بد من التكيّف معه.