01 أكتوبر 2022
شهادة من غير شاهد
إذا كان مشهد حسني مبارك، شاهداً في قضية "الهروب من وادي النطرون"، يمثل إعلاناً رمزياً لهزيمة ثورة يناير، كما قال كثيرون، فلعله، من زاوية أخرى، يعزّز أيضاً هزيمة لعصره البائد.
بدا مبارك، وقد تخلى عن بعض من صبغة شعره، وأبدى بعضاً من تجاعيد وجهه، يتحدّث بتردد وارتباك، وهو من كانت ترتعد لاسمه الأصوات والعيون، وقد عُرف بحدّته وسلاطة لسانه ضد كبار المسؤولين، كما ظهر في شهادات معاصريه.
في الملابسات، تبدو دلالات أخرى، فقد شهد اليوم نفسه تحديداً افتتاح عبد الفتاح السيسي مشروعاً ما، لتبث كل القنوات هذه المشاهد إلا قناة واحدة فقط هي صدى البلد، والتي تعرّفها الأوساط الإعلامية بأنها المعقل الأخير لمن بقوا على وفائهم لعصره، بحكم مالكها رجل الأعمال، محمد أبو العينين، ومذيعها الأثير أحمد موسى، لكن سرعان ما تم قطع البث في أثناء الشهادة، وظهر موسى معتذراً للمشاهدين بأنه سيتم بث الشهادة كاملة مساءً، وهو ما لم يحدث.
يتسق ذلك مع ما تعرّض له علاء وجمال، نجلا مبارك، من إعادة فتح قضية "التلاعب بالبورصة"، وكذلك سجنهما، قبل إطلاق سراح من غير المؤكد استمراره.
كأن المطلوب خطٌّ دقيق، يفصل بين عدم المحاسبة الحقيقية لمن كان يوماً من أبرز قادة القوات المسلحة، والتأكيد على زوال عصره وآله، وتوجيه الإهانات تلو الإهانات لهم، ونتذكّر هنا تصريحاً سابقاً للسيسي بأن مبارك كان يجب أن يرحل قبل 15 عاماً، كما شهد عهده حكماً نهائياً ضد مبارك ونجليه في قضية "القصور الرئاسية" يدينهم بالسرقة والتزوير، وإن كان هذا يطرح سؤالاً أهم عن قانونية شهادته أصلاً.
وبخلاف المشهد المهيب لصدام حسين، وهو يحاجج عن شرعيته رئيساً للعراق، ظهر مبارك موظفاً على المعاش، لا أكثر، وهو يؤكد أنه لا يستطيع الإجابة، بل يحتاج إذناً مسبقاً من القوات المسلحة ورئاسة الجمهورية، كي لا توجه له تهمة إفشاء أسرار الدولة، وهي إشارة أخرى إلى علمه بأنه وأسرته لا يتمتعون بأي حصانةٍ.
أما عن محتوى الشهادة نفسها فهي تنافي تعريفها، حيث إن "الشاهد" أكد أنه لم يشهد شيئاً، فعلى سبيل المثل كذّب مبارك، مدير مباحث أمن الدولة الأسبق اللواء حسن عبد الرحمن، الذي قال في شهادته إنه أبلغ مبارك مسبقاً بأن مخططاً للفوضى سيحدث في مصر أسوة بتونس، مؤكّداً أنه لم يعلم بأي مخططات.
وحول العابرين من غزة، اكتفى بنسبة المعلومة إلى رئيس المخابرات الراحل في عهده، عمر سليمان، أنه من أخبره أن 800 شخص قد عبروا الحدود. وعندما سأله القاضي عن هويتهم، قال إنه لا يعرف، قبل أن يذكر بشكل عام أنه "من المعروف أنهم من حماس".
وعلى الرغم من ذلك، ناقض مبارك نفسه، فعلى الرغم من تأكيده أن إبلاغه بالمتسللين تم يوم 29 يناير/ كانون الثاني، فإنه قال إنهم توجهوا إلى ميدان التحرير، واعتلوا بعض المباني، وأطلقوا النار من فوقها، مع أنه من المحسوم أن العدد الأكبر من ضحايا الثورة، وكذلك من إحراق منشآت ومركبات الشرطة تم يوم 28 من يناير، فإذن من فعل هذا؟ بالطبع، لا يريد أي من أطراف نظام مبارك، أو خلفه، الاعتراف بالإجابة المنطقية الوحيدة.
على الجانب الآخر، وعلى الرغم من كامل التضامن مع المظلومين، في هذه القضية تحديداً، كان من الغريب أن يتضمن حديث محمد البلتاجي، الذي تحدث عن المتهمين الإخوان المسلمين، دعوة مبارك إلى الموافقة على الدعاء المشترك بأن يصيب الله بالعمى من يكذب في هذه القاعة، كأن "المباهلة" بالمفهوم الشرعي هي ما ينقص المشهد، لتكتمل صورة أنه يمثل ليس نهاية للثورة فقط، بل نهاية لكامل العصر القديم، بنظام مبارك، وبمعارضة مبارك أيضا.
ويبقى على المعارضة المصرية تحدٍ بالغ الصعوبة في تطوير آليات مقاومة جديدة، وتصدير جيل جديد، لمواجهة هذه النسخة الجديدة من نظامٍ قد يكون أقرب إلى "يوليو"، بروحها العسكرية المباشرة، من مبارك، ذي الأغلفة المدنية والمواءمات السياسية.
في الملابسات، تبدو دلالات أخرى، فقد شهد اليوم نفسه تحديداً افتتاح عبد الفتاح السيسي مشروعاً ما، لتبث كل القنوات هذه المشاهد إلا قناة واحدة فقط هي صدى البلد، والتي تعرّفها الأوساط الإعلامية بأنها المعقل الأخير لمن بقوا على وفائهم لعصره، بحكم مالكها رجل الأعمال، محمد أبو العينين، ومذيعها الأثير أحمد موسى، لكن سرعان ما تم قطع البث في أثناء الشهادة، وظهر موسى معتذراً للمشاهدين بأنه سيتم بث الشهادة كاملة مساءً، وهو ما لم يحدث.
يتسق ذلك مع ما تعرّض له علاء وجمال، نجلا مبارك، من إعادة فتح قضية "التلاعب بالبورصة"، وكذلك سجنهما، قبل إطلاق سراح من غير المؤكد استمراره.
كأن المطلوب خطٌّ دقيق، يفصل بين عدم المحاسبة الحقيقية لمن كان يوماً من أبرز قادة القوات المسلحة، والتأكيد على زوال عصره وآله، وتوجيه الإهانات تلو الإهانات لهم، ونتذكّر هنا تصريحاً سابقاً للسيسي بأن مبارك كان يجب أن يرحل قبل 15 عاماً، كما شهد عهده حكماً نهائياً ضد مبارك ونجليه في قضية "القصور الرئاسية" يدينهم بالسرقة والتزوير، وإن كان هذا يطرح سؤالاً أهم عن قانونية شهادته أصلاً.
وبخلاف المشهد المهيب لصدام حسين، وهو يحاجج عن شرعيته رئيساً للعراق، ظهر مبارك موظفاً على المعاش، لا أكثر، وهو يؤكد أنه لا يستطيع الإجابة، بل يحتاج إذناً مسبقاً من القوات المسلحة ورئاسة الجمهورية، كي لا توجه له تهمة إفشاء أسرار الدولة، وهي إشارة أخرى إلى علمه بأنه وأسرته لا يتمتعون بأي حصانةٍ.
أما عن محتوى الشهادة نفسها فهي تنافي تعريفها، حيث إن "الشاهد" أكد أنه لم يشهد شيئاً، فعلى سبيل المثل كذّب مبارك، مدير مباحث أمن الدولة الأسبق اللواء حسن عبد الرحمن، الذي قال في شهادته إنه أبلغ مبارك مسبقاً بأن مخططاً للفوضى سيحدث في مصر أسوة بتونس، مؤكّداً أنه لم يعلم بأي مخططات.
وحول العابرين من غزة، اكتفى بنسبة المعلومة إلى رئيس المخابرات الراحل في عهده، عمر سليمان، أنه من أخبره أن 800 شخص قد عبروا الحدود. وعندما سأله القاضي عن هويتهم، قال إنه لا يعرف، قبل أن يذكر بشكل عام أنه "من المعروف أنهم من حماس".
وعلى الرغم من ذلك، ناقض مبارك نفسه، فعلى الرغم من تأكيده أن إبلاغه بالمتسللين تم يوم 29 يناير/ كانون الثاني، فإنه قال إنهم توجهوا إلى ميدان التحرير، واعتلوا بعض المباني، وأطلقوا النار من فوقها، مع أنه من المحسوم أن العدد الأكبر من ضحايا الثورة، وكذلك من إحراق منشآت ومركبات الشرطة تم يوم 28 من يناير، فإذن من فعل هذا؟ بالطبع، لا يريد أي من أطراف نظام مبارك، أو خلفه، الاعتراف بالإجابة المنطقية الوحيدة.
على الجانب الآخر، وعلى الرغم من كامل التضامن مع المظلومين، في هذه القضية تحديداً، كان من الغريب أن يتضمن حديث محمد البلتاجي، الذي تحدث عن المتهمين الإخوان المسلمين، دعوة مبارك إلى الموافقة على الدعاء المشترك بأن يصيب الله بالعمى من يكذب في هذه القاعة، كأن "المباهلة" بالمفهوم الشرعي هي ما ينقص المشهد، لتكتمل صورة أنه يمثل ليس نهاية للثورة فقط، بل نهاية لكامل العصر القديم، بنظام مبارك، وبمعارضة مبارك أيضا.
ويبقى على المعارضة المصرية تحدٍ بالغ الصعوبة في تطوير آليات مقاومة جديدة، وتصدير جيل جديد، لمواجهة هذه النسخة الجديدة من نظامٍ قد يكون أقرب إلى "يوليو"، بروحها العسكرية المباشرة، من مبارك، ذي الأغلفة المدنية والمواءمات السياسية.