31 أكتوبر 2024
شلة الحاكم.. "النبذ" ظاهرة عربية
من حق أي مسؤول، صغر أو كبر، أن تكون له دائرة أصدقائه المقرّبين، يلتقيهم ويسهر معهم، ويتشاربون ويتآكلون، ويبوح لهم بهمومه، خاصة أو عامة، كما هو حق لأي بني آدم، أن تكون له خصوصية في دائرة ضيقة من المعارف والأصدقاء. ولكن حينما تصبح هذه الظاهرة من سمات الساسة، ومن يديرون البلاد والعباد، وتأخذ تلك الجلسات على عاتقها اتخاذ قراراتٍ مصيريةٍ تخص الوطن كله، أي وطن، فهذه مصيبة كبرى، حيث تتحوّل "الشلة" إلى "ثنك تانكس" بلغة أهل الغرب، تنضج فيها قرارات خطيرة، ويترتب عليها هدم وبناء وإعادة موضعة، مع ما يرافق هذا من مسّ بمصالح البشر.
يظهر مقطع عرضي لحالة طبقة "رجال الدولة" في بلادنا العربية أن لكل مسؤول شلة، وأصدقاء مقربين، يحكمون ويرسمون، أكثر من وزير عامل، أو حتى رئيس وزراء في منصبه، فالمسؤول يرى البلد من خلال عيونهم، وهم ليس لهم صفة رسمية تعطيهم سلطة اتخاذ القرار، إلا "ارتياح" المسؤول لهم، وسهره (أو سُكره!) معهم، ومشاركته موائده العامرة. من المألوف، مثلا، أن تسمع أن قرار تعيين فلان في الموقع الفلاني اتخذ في سهرة من هذا النوع، أو أن تكليف فلان بإدارة ملف ما تم في لحظة صفاء واسترخاء، وسط الخلان والأحباب. لا اعتراض من حيث المبدأ على هذا السلوك الإنساني البحت، لكن الاعتراض هنا حين يتعلق الأمر بقراراتٍ على جانب كبير من الخطورة والأهمية، حيث تصبح تلك "الآلية" في اتخاذ القرار كارثة تصيب الوطن بأكمله.
في البلاد العريقة التي ترسّخت فيها المؤسّسية، ثمّة مستشارون خبراء يحيطون بالمسؤول، كبر أم صغر، يدرسون أي مشروع قرار من كل جوانبه، ويمحصونه جيدا قبل أن يتحول إلى الواقع. أكثر من هذا، هناك مراكز بحوث علمية محكّمة متفرغة لاستكناه المستقبل، ووضع رؤاها على طاولة المسؤول، لإرشاده وتنويره بكل السيناريوهات المحتملة لاستحقاقات أي قرارٍ كبير أو صغير، وهذه الظاهرة لا تقتصر على الدول العظمى، بل إنها ظاهرة شائعة في البلاد التي تريد أن تخرج من أزماتها الطاحنة، وتتجنب مزالق القرارات الارتجالية المشخصنة، ولا أدلّ على هذا من وجود مئات من بيوت الخبرة والبحث في بلادٍ كثيرة، تضع بين يدي المسؤول رؤيتها واستشرافها، ومقترحاتها للنهوض بالبلد، أو تجنيبها مخاطر "المرحلة القادمة" ..
لا يختلف عاقلان على أن بلاد العرب تمر بحالة أزمةٍ على غير صعيد، وهي بحاجة لكل جهد وطني لإرشادها إلى الطريق الآمن، للخروج من "عنق الزجاجة" التي كتب علينا، نحن العرب، أن نعيش فيها، منذ زمن طويل. ولهذا نحن بحاجة لآراء كل صاحب رأي، معارضا كان أو مواليا، "متطرّفا" أم معتدلا، ذلك أن أحد أسباب تردّي الحال العام تلك الشللية المقيتة التي لها سلطة تعلو أي سلطة.
وللمسألة جانب آخر، أشد خطورةً من كل ما سبق، فنحن كل من موقعه، (سواء كنا حكومة أو معارضة) نمارس حالة مقيتة من "نبذ" الآخر، أي آخر، ولا يستثنى من هذا المرض أحد، فلدى كل منا تصنيفه الخاص للشخصيات المؤثرة في البلد، أي بلد، سواء كانوا مسؤولين سابقين أو كتابا وصحافيين، أو اقتصاديين كبارا، أو مفكرين أكاديميين، أو حزبيين وساسة. وفي أي لقاء "تشاوري" لهذا المسؤول أو ذاك، يُقرب أناسٌ ويُبعَد أناسٌ آخرون، بناءً على توصيات سرية ومعايير شخصية في غالبها، (أسوأ هذه التوصيات حين تأتي من خارج الحدود، حاملة معها رائحة صهيونية نتنة، أو ماسونية مقيتة)، مع أن الوطن بحاجة لرأي كل صاحب رأي، بغض النظر عن مدى قربه أو بعده "شخصيا" من صاحب القرار. وبغض النظر أيضا عن أيديولوجيته، وتوجهه الفكري، فكلنا في معيار الوطنية والقانون، مواطنون ووطنيون، وفي مركب واحد، وقلوبنا على البلد، حتى لو اختلفت آراؤنا، فلا يجوز أن يُنبذ أحد من المشاركة في بناء وطنه، وتجنيبه المخاطر، ذلك أن حالة النبذ تحرم الوطن من خيرة أبنائه، وتفتح باب الشهوة للهجرة بعيدا، لتحقيق الذات، والشعور بالأمن والتقدير، وها هم أعلام العرب وعلماؤهم ومبدعوهم يملأون الدنيا بعلمهم وإنتاجهم الفكري والإنساني، لأنهم حرموا في بلادهم من أي فرصةٍ لخدمة أهلهم!
شلة المسؤول في أي بلد عربي، تحكم وترسم، أكثر من "نهد" مظفر النواب الليلي، الذي قال يوما: "أموت بنهد يحكم أكثر من كسرى في الليل"!
يظهر مقطع عرضي لحالة طبقة "رجال الدولة" في بلادنا العربية أن لكل مسؤول شلة، وأصدقاء مقربين، يحكمون ويرسمون، أكثر من وزير عامل، أو حتى رئيس وزراء في منصبه، فالمسؤول يرى البلد من خلال عيونهم، وهم ليس لهم صفة رسمية تعطيهم سلطة اتخاذ القرار، إلا "ارتياح" المسؤول لهم، وسهره (أو سُكره!) معهم، ومشاركته موائده العامرة. من المألوف، مثلا، أن تسمع أن قرار تعيين فلان في الموقع الفلاني اتخذ في سهرة من هذا النوع، أو أن تكليف فلان بإدارة ملف ما تم في لحظة صفاء واسترخاء، وسط الخلان والأحباب. لا اعتراض من حيث المبدأ على هذا السلوك الإنساني البحت، لكن الاعتراض هنا حين يتعلق الأمر بقراراتٍ على جانب كبير من الخطورة والأهمية، حيث تصبح تلك "الآلية" في اتخاذ القرار كارثة تصيب الوطن بأكمله.
في البلاد العريقة التي ترسّخت فيها المؤسّسية، ثمّة مستشارون خبراء يحيطون بالمسؤول، كبر أم صغر، يدرسون أي مشروع قرار من كل جوانبه، ويمحصونه جيدا قبل أن يتحول إلى الواقع. أكثر من هذا، هناك مراكز بحوث علمية محكّمة متفرغة لاستكناه المستقبل، ووضع رؤاها على طاولة المسؤول، لإرشاده وتنويره بكل السيناريوهات المحتملة لاستحقاقات أي قرارٍ كبير أو صغير، وهذه الظاهرة لا تقتصر على الدول العظمى، بل إنها ظاهرة شائعة في البلاد التي تريد أن تخرج من أزماتها الطاحنة، وتتجنب مزالق القرارات الارتجالية المشخصنة، ولا أدلّ على هذا من وجود مئات من بيوت الخبرة والبحث في بلادٍ كثيرة، تضع بين يدي المسؤول رؤيتها واستشرافها، ومقترحاتها للنهوض بالبلد، أو تجنيبها مخاطر "المرحلة القادمة" ..
لا يختلف عاقلان على أن بلاد العرب تمر بحالة أزمةٍ على غير صعيد، وهي بحاجة لكل جهد وطني لإرشادها إلى الطريق الآمن، للخروج من "عنق الزجاجة" التي كتب علينا، نحن العرب، أن نعيش فيها، منذ زمن طويل. ولهذا نحن بحاجة لآراء كل صاحب رأي، معارضا كان أو مواليا، "متطرّفا" أم معتدلا، ذلك أن أحد أسباب تردّي الحال العام تلك الشللية المقيتة التي لها سلطة تعلو أي سلطة.
وللمسألة جانب آخر، أشد خطورةً من كل ما سبق، فنحن كل من موقعه، (سواء كنا حكومة أو معارضة) نمارس حالة مقيتة من "نبذ" الآخر، أي آخر، ولا يستثنى من هذا المرض أحد، فلدى كل منا تصنيفه الخاص للشخصيات المؤثرة في البلد، أي بلد، سواء كانوا مسؤولين سابقين أو كتابا وصحافيين، أو اقتصاديين كبارا، أو مفكرين أكاديميين، أو حزبيين وساسة. وفي أي لقاء "تشاوري" لهذا المسؤول أو ذاك، يُقرب أناسٌ ويُبعَد أناسٌ آخرون، بناءً على توصيات سرية ومعايير شخصية في غالبها، (أسوأ هذه التوصيات حين تأتي من خارج الحدود، حاملة معها رائحة صهيونية نتنة، أو ماسونية مقيتة)، مع أن الوطن بحاجة لرأي كل صاحب رأي، بغض النظر عن مدى قربه أو بعده "شخصيا" من صاحب القرار. وبغض النظر أيضا عن أيديولوجيته، وتوجهه الفكري، فكلنا في معيار الوطنية والقانون، مواطنون ووطنيون، وفي مركب واحد، وقلوبنا على البلد، حتى لو اختلفت آراؤنا، فلا يجوز أن يُنبذ أحد من المشاركة في بناء وطنه، وتجنيبه المخاطر، ذلك أن حالة النبذ تحرم الوطن من خيرة أبنائه، وتفتح باب الشهوة للهجرة بعيدا، لتحقيق الذات، والشعور بالأمن والتقدير، وها هم أعلام العرب وعلماؤهم ومبدعوهم يملأون الدنيا بعلمهم وإنتاجهم الفكري والإنساني، لأنهم حرموا في بلادهم من أي فرصةٍ لخدمة أهلهم!
شلة المسؤول في أي بلد عربي، تحكم وترسم، أكثر من "نهد" مظفر النواب الليلي، الذي قال يوما: "أموت بنهد يحكم أكثر من كسرى في الليل"!