شكوك واسعة حول إدانة شرطي فرنسي قاتل

13 يناير 2016
(فرانس برس)
+ الخط -

يحاكم شرطي فرنسي، في الفترة من 11 إلى 15 يناير/كانون الثاني، أمام محكمة التمييز، بتهمة قتل الشاب أمين بنتونسي، في 2012، برصاصة في ظهره، حيث تتنظر عائلة القتيل ومنظمات وجمعيات تناضل منذ عقود من أجل وقف "إفلات رجال الشرطة المذنبين من العقاب"، على حكم قضائي يشكل سابقة وينتصر للضحايا.

وقالت أمل بنتونسي، أخت القتيل، لـ"العربي الجديد" إنها متفائلة بنتائج المحاكمة وإنها "تنتظر إدانة صارمة للشرطي"، يوم الجمعة 15 يناير/كانون الثاني.

ويبدو أن تفاؤلها له ما يبرره، إذ اعترف أحد الشهود، وهو شرطي، بأنه كذب حين زعم أنه رأى القتيل يُهدّد الشرطي. لكن هذا الاعتراف يحتاج إلى ما يدعمّه، خصوصا أن دفاع الشرطي يركز على قلب المحاكمة وجعلها محاكمة للراحل، الذي كان سجّله الإجرامي حافلا، إضافة إلى أنه كان أصغر من دخل السجن في فرنسا، في سن 13 سنة.

وتعرف أمل بنتونسي، أن الظروف ليست سهلة على الإطلاق لمحاكمة الشرطي وإدانته، ليس فقط لأن وزارة الداخلية الفرنسية تدافع عن أفرادها حتى النهاية، مستخدمة الضغوط والتهديدات والإغراءات، وليس فقط لأن الظروف التي تعرفها فرنسا حاليا، بعد الاعتداءات الإرهابية وبعد فرض حالة الطوارئ تمنح رجال الأمن سلطات استثنائية، وتجعلهم فوق الشبهات، ولكن أيضا لأن تاريخ فرنسا في ما يخص إفلات رجال الشرطة من العقاب، طويل، وتشهد عليه إدانات كثيرة من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

ويبدو الجو العام محملا بإدانة المواطن القتيل بسبب وسائل الإعلام، ويكفي تصفح المجلات والصحف لاستنتاج الموقف المسبق، فكلها تطرح السؤال الماكر: "ما الذي كان يتوجب على الشرطي أن يفعل؟" أو "دفاع عن النفس أم هفوة؟" ولا تتوقف الأوصاف التي توجه للقتيل، من مجرم إلى سارق محترف.


ملخص الحدث، مجرم يرفض العودة إلى السجن، فتطارده دورية شرطة، يتدخل سائق سيارة الشرطة الذي لم تكن له صلاحية التدخل، ويطلق النار على الهارب ويصيبُهُ في ظهره برصاصة قاتلة. وبعدها يعلن أنه كان في حالة دفاع عن النفس. ويشهد على هذا زميل من أفراد الدورية، رغم أنه من المستحيل رؤية ما حدث.

اقرأ أيضا:صورة المجرم.. بين صلاح عبد السلام وجان فالجان

كيف يمكن أن يصاب شخص في ظهره يُفترَض أنه هو من يُهدّد الشرطي؟ وهكذا تم وصف هذه الأفعال بأنها "عنف إرادي"، بعدما اتهم الشرطي داميان سبوندجيان، في البداية، بـ"قتل إرادي"، وهو اتهام سبّب غضب نقابات الشرطة التي تظاهر مئات من أفرادها، بسلاحهم، في الشانزيليزيه.
ولأن الوقت كان وقت حملة انتخابية، وَعَدَهُم المرشح نيكولا ساركوزي: "قرينة الدفاع الشرعي عن النفس، لأنه لا يمكن في دولة قانون، أن يوضع على قدم المساواة شرطيٌّ أثناء ممارسة عمله مع مجرم وهو يمارس عمله أيضا".

ولكن القاضي نيكولا أوبرتين، خلص في النهاية إلى أنه "من الصعب البرهنة على أن الشرطي أراد قتل أمين بنتونسي، حين أطلق النار في اتجاهه، أربع مرات". كما أن المفتشية العامة للشرطة لم تعثر لدى عدة شهود، على أي تأكيد لرواية الشرطى، الذي تحدث عن كونه كان في حالة خطر. في بداية الأمر شهد شرطي زميل نفس شهادة الشرطي المسؤول، لكن لا أحد من دورية الشرطة رأى المشهد النهائي.

ورغم خسارة ساركوزي في الانتخابات، فإن موقف اليسار الحاكم لم يكن مختلفا. فمانويل فالس، وزير الداخلية، زار مقر الشرطة التي ينتمي إليها قاتل أمين بنتونسي، وتجنب لقاء عائلة القتيل.
وعلى الرغم من ماضي الشاب القتيل في عالم الجريمة، إلا أنّ أخته أمل بنتونسي، ترى أنه، مثل غيره، يستحق اعتباره ضحية. ولهذا السبب أقدمت على تأسيس تجمع: "عاجل، شرطتنا تقتل وتفلت من العقاب"، وكتبت في موقعه الإلكتروني أنه "كلما قُتِلَ شخصٌ في عملية استنطاق بوليسي، يتم تجريم الضحية، وتُحمَّل على ظهره كل الأوزار التي تعثُرُ عليها الشرطة".
ولما وضعت فيديو كليب في موقعها الإلكتروني ينتقد إفلات رجال الأمن الفرنسيين الذين يرتكبون خروقات وهفوات من العقاب، مُعلّقةً عليه: "مهنة الشرطة هي أفضل المِهَن ولهذا فهي فوق القوانين"، تابعها وزير الداخلية، آنئذ، مانويل فالس، قضائيا، بتهمة "التشهير"، ولكن القضاء سرّحها وسرّح موقعها الإلكتروني، ولم تفكّر في مطالبته بدفع التعويضات.

وكما أكّدت بنتونسي في "المسيرة من أجل الكرامة والمساواة"، التي شهدتها باريس قبل أشهر، والتي كانت جمعيتها من الداعين والمُنظّمين للمسيرة، وهي مُحاطة بالعديد من أسر ضحايا العنف البوليسي: "لا توجد أرقام رسمية، لكن العدد يتجاوز 127 شخصا، ما بين سنتي 1986 و2014"، أنها لم تعد تخشى أحدا، وأنها ستجهر بالحقيقة أينما أمكنها ذلك، منددة بـ"شرطة فرنسية تقتل مواطنين عُزّلا، مع أنه كان من المفروض عليها أن تحميهم".

وتعترف بنتونسي بأن كثيرا من العائلات لا تلجأ للقضاء بسبب الخوف ولأنها لا تعرف ما الذي يجب فعله أمام العدالة. في بلد كفرنسا، يعتبر "أكبر البلدان تعرضا للإدانة من المؤسسات الأوروبية (سبع إدانات من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان منذ سنة 1992)، فيما تظل الحكومة صمّاء وعمياء".


اقرأ أيضا:الفرنسيّون المسلمون.. الالتحاق بالأجهزة الأمنيّة متعسّر