التقى الممثل الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، ترافقه نائبته للشؤون السياسية ستيفاني وليامز، برئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، بعد جولة في المنطقة الشرقية حيث التقى اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح.
وقالت البعثة الأممية، في بيان على صفحتها نشرته في ساعات الصباح الأولى من اليوم الثلاثاء، إن الجانبين ناقشا "آخر التطورات وأطر الإسراع في الانتقال لمرحلة الحلول"، وتم إطلاع السراج على نتائج المباحثات مع مسؤولين رفيعي المستوى في المجتمع الدولي.
وعلى عكس ما صرح به سلامة خلال لقاء تلفزيوني أمس، الإثنين، بأنه وجد "في رؤية حفتر التي طرحها في مقابلة صحافية، عددا من العناصر المتطابقة لتقصير مدة العمليات العسكرية والوصول إلى الحل السياسي"، قال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح، فتحي المريمي، إن سلامة "طرح عدة أفكار في لقائه برئيس المجلس وآراء حول الحل السياسي".
وبشأن ما تم الاتفاق عليه، قال المريمي لــ"العربي الجديد"، إنه "تم الاتفاق على أن تكون هناك لقاءات أخرى بين رئيس المجلس والمبعوث الأممي للتباحث أكثر".
وفيما لم تفصح البعثة الأممية حتى الآن عن الحلول السياسية التي قد تطرحها على طرفي الأزمة، لا تبدو الحلول التي طرحها حفتر في مقابلته الصحافية، الجمعة الماضي، مختلفة عن مبادرة السراج، في أطرها وشكلها، لكن عنصر الخلاف الأول يبدو واضحاً في انهيار عامل الثقة، وفي عدم رغبة أطراف سياسية أخرى في التعامل مع البعثة برئيسها الحالي.
وفي هذا السياق، انتقد عضو مجلس النواب المنعقد بطبرق، علي السعيدي، ما وصفه بـ"الدور السلبي للمبعوث الأممي"، موضحا أن "غسان سلامة لا يزال يحاور ويناور لإيقاف الأزمة وسط سكوت الجامعة العربية وانقسام المجتمع الدولي".
واعتبر خلال تصريحات صحافية أمس، الاثنين، أن سلامة "كانت لديه فرصة لتقريب وجهات النظر بين مجلس النواب ومجلس الدولة، أما اليوم فالأمر خارج إرادة سلامة في إنهاء هذه الأزمة".
انتقاد السعيدي لسلامة قابلته مطالبة عضو مجلس النواب المنعقد بطرابلس، ربيعة أبوراس، باستبدال سلامة، وقالت في تدوينة على حسابها على فيسبوك، الأحد الماضي: "البعثة الأممية لم تعد مصدر ثقة أو طرفاً نزيهاً ومحايداً في القضية الليبية"، مضيفة أنّ "تغيير البعثة من قبل شركائنا في المجتمع الدولي، أصبح واجباً مهنياً وأخلاقياً يقع على عاتقهم في حق الشعب الليبي".
وفيما ينشط سلامة في إجراء لقاءات مع أطراف الأزمة في ليبيا، تشهد جبهات القتال في جنوب طرابلس هدوءا حذرا منذ أيام، بعد تقدم أحرزته قوات حكومة الوفاق في منطقة المطار الاستراتيجية مقابل تراجع لقوات حفتر.
لكن الصحافية الليبية نجاح الترهوني، لا تعتبر "الحل السياسي قريبا"، مؤكدة على رأي النائب السعيدي بأن "الأمر اليوم خارج إرادة سلامة، فهو مرتبط بالتوافق الدولي وبلورة رؤية يمكن فرضها على الأطراف"، مضيفة في حديثها لـ"العربي الجديد"، بالقول "لا يمكنني القول إن سلامة اندفع من نفسه لنقل الآراء بين الطرفين كما يحدث الآن، لكنه على الأكثر لديه ضوء أخضر لحلحلة المواقف فقط".
وتقرأ الترهوني مقابلة حفتر لسلامة بلباس عسكري رسالة ضمنية على إصراره على موقفه من استمرار الحرب، لكن "تراجع نبرة الحدة في حديث حفتر وتلويحه بالقبول بحل سياسي يشير إلى وقوعه تحت ضغوط دولية، لكنها ليست كافية لردعه".
وتحاول الترهوني فهم شكل الحل الذي قد يطرحه سلامة من جانب سياسي، وقالت "تصريحات سلامة أثناء زيارته لروسيا قبل أسبوعين وقبل مجيئه لليبيا أشارت إلى أن الحل سيكون على أساس تقاسم الثروة، وعلل سلامة أكثر من مرة سبب الحرب على طرابلس بأنه اقتصادي بالدرجة الأولى ومتعلق بموارد النفط".
وأضافت أن "تصريحات عقيلة صالح أيضا هدد من خلالها بوقف ضخ النفط إذا فرض على حفتر وقف الحرب، كما أن بيان ممثلي القبائل إثر لقائه بسلامة، أول من أمس الأحد، يطالب بتقسيم عادل للثروة"، وعليه تؤكد أن "الاقتصاد وموارد النفط ستكون أساسا لرؤية سلامة المقبلة والتي يبدو أن المجتمع الدولي ليس جاهزا بما فيه الكفاية لها".
وتابعت "غني عن البيان أن الصراع الفرنسي الإيطالي في ليبيا بشأن تقاسم الشراكة مع ليبيا حول مواقع النفط وتراجع حدة الصراع بينهما قد يشير إلى بدء توافق حول الأمر بينهما".
وسبق أن أعرب قادة من قوات حفتر، من بينهم الناطق الرسمي أحمد المسماري، في مناسبات عديدة، عن امتعاضهم من عدم حصول قوات حفتر على جزء من موارد النفط التي تذهب جميعها إلى البنك المركزي بطرابلس رغم أن "الجيش (قوات حفتر) يؤمن منشآت النفط ويشرف على حماية موانئ النفط"، كما اتهموا السراج بــ"تمويل مليشياته التي تقاتل الجيش من موارد النفط".
لكنها رؤية محفوفة بالمخاطر، بحسب وصف عبد الرحيم بشير، مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية السياسية (أهلي)، إذ إنها "تحتاج لنفس طويل، ولا سيما أن نزعات الفيدرالية الانفصالية لا تزال موجودة والصراع القبلي والمناطقي قد يغذيه الحديث عن تقاسم الثروة ويمكن أن يصعد الخلاف".
واعتبر بشير أن وجود رؤية دولية مشتركة حول مصالح دول بعينها بشأن النفط لا يمكن فرضها على الأطراف، وقال متحدثا لـ"العربي الجديد"، إن "حرب حفتر على طرابلس أرادت دول كبرى فرضها، لكن واقع الميدان نقض تلك الجهود رغم كثافتها"، مؤكدا أن "رؤية سلامة للحل غير واضحة حتى الآن، ويستبعد أن يجازف بتسريع تقديم حل على أساس تقاسم الثروة، وأعتقد أنها مرحلة قد تكون متأخرة جدا".
وحول استشرافه للحل الأممي الجديد، قال بشير "المعطيات الحالية لا ترجح شيئا، لكن يمكن التكهن بأن المرحلة المقبلة ستكون بوقف إطلاق النار ومحاولة ترميم الثقة بين الطرفين وإقناعهما بالعودة للتفاوض على الأساس السابق القائم على تقاسم السلطة"، لكنه يشير إلى عامل مهم في المسار الجديد ممثلا بـ"عامل الزمن لإقصاء كل الوجوه السياسية والعسكرية الحالية"، وقال "هناك في حكومة الوفاق وجوه سياسية أكثر فاعلية وتأثيرا وقربا لقادة السلاح في طرابلس، مثل فتحي باشاغا وزير الداخلية"، وعن الطرف الآخر، قال "معسكر حفتر بدا خاسرا في طرابلس وقبضته تتناقص في الجنوب بشكل واضح، وعامل الزمن الذي ستلعب عليه البعثة الأممية بكل تأكيد سيرغمه بكل تأكيد على القبول بالشراكة العسكرية مع قادة آخرين".