وقد أثار إعلان مصرف سورية المركزي أخيراً، عن بلوغ تحويلات المغتربين السوريين إلى الداخل السوري 7 مليون دولار يومياً، وتوزّع 2 إلى 5 مليون دولار منها لتمويل الواردات، وضخ 1.5 إلى 2 مليون دولار في السوق لدعم استقرار سعر صرف الليرة بشكل يومي، جدلاً حول دقة مبلغ التحويلات، ودور هذا المبلغ في تمويل المستوردات ودعم سعر الصرف.
رقم وهمي؟
يقول أحد تجار دمشق طلب عدم نشر اسمه ، لـ "العربي الجديد" : "لا أحد يعلم من أين جاء المصرف المركزي السورى، بمبلغ تحويلات المغتربين، في ظل الأوضاع الحالية، حيث أخرج معظم المغتربين أهلهم إلى خارج البلاد. في حين أحجم الكثير منهم عن تحويل مدخراتهم إلى البلاد، بسبب تذبذب سعر الصرف. كذلك تم فرض تسليم الحوالات بالليرة السورية بحسب سعر يحدده المركزي، وهو متدني بشكل كبير عن سعر السوق".
وكانت اللجنة الإدارية في المصرف المركزي أصدرت، في أيار/مايو 2013، قراراً يقضي بتسليم الحوالات الواردة بالعملات الأجنبية من الخارج إلى العميل بالليرة السورية.
في حين صدر مرسوم منع بموجبه التعامل بغير الليرة السورية، ويعاقب المخالف بغرامة مالية والحبس الذي يصل إلى ثلاث سنوات.
وسرت حينها شائعات حول طباعة المصرف المركزي السوري أوراقاً مالية وهمية غير مغطاة، لتوفير سيولة نقدية يغطي بها النفقات المترتبة عليه، الأمر الذي نفاه "المركزي" فى ذلك الوقت.
وبرر المصرف المركزي السوري قراره عدم تسليم الحوالات إلا بالليرة السورية بأنه يستفاد من مبالغ الحوالات الخارجية الواردة إليه بالقطع الأجنبية، لتكون جزءاً من احتياجات التمويل اللازمة للاستيراد، وتحسين القدرة الشرائية لليرة والحفاظ على قيمتها.
ويعلق التاجر الدمشقي متسائلا: "هل هذا المبلغ كاف لتمويل استيراد احتياجات السوريين؟". ويعتبر أن "ضخ الدولار في السوق ليس حلاً، في ظل شبه توقف الدورة الإنتاجية في سورية".
وكان المصرف المركزي السوري أعلن أنّه على استعداد لتلبية كل طلبات التمويل للمستوردات ولجميع المستوردين الحاصلين على إجازات الاستيراد من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بسعر صرف تمييزي بحدود 162 ليرة للدولار الواحد.
وقال حينها: إنّ طلبات تمويل المستوردات خلال الربع الأول من العام الحالي لم تتجاوز الـ 50 مليون دولار شهرياً.
التحويلات في مقابل الخسائر
من جهته، يسأل المحلل الاقتصادي، عارف دليلة في حديثٍ مع "العربي الجديد": "ماذا تشكل 3 مليون دولار يومياً لتمويل الواردات (أي نحو 90 مليون دولار في الشهر) إذا كانت مصفاة بانياس، التي تعمل على النفط المستورد من دول حليفة للسلطة، يكلف 800 مليون دولار شهرياً؟".
ويضيف دليلة: "ما تفعله الذي يمكن أن يشكّل الـ 7 مليون دولار مقابل فقدان أكثر من 380 ألف برميل نفط كنا نصدرها سابقاً، وتدهور إيرادات السياحة التي يجب أنّ تكون 7 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى انحصار صادراتنا الزراعية؟".
ويعتبر أنّ "الـ7 مليون دولار، تأتي كمساعدات لإشباع الحاجات الأساسية للمواطنين الذين يعانون من عوز شديد". لافتاً الى أنّ "ضخ مليوني دولار في السوق، إضافة إلى المبالغ التي تدخل عبر أطراف أخرى، لها تأثير على استقرار سعر الصرف، لكنّها ليست العامل الحاسم. بل العامل الحاسم هو الوضع السياسي العام والأمني".
أبشع أنواع الدعم
ويشرح دليلة أنّ " لا إمكانية لتحسين المؤشرات الاقتصادية في ظل وجود عشرة ملايين سوري خارج مناطقهم، وثلاثة ملايين منهم خارج الحدود، إضافة إلى تكبد الاقتصاد خسائر يومية قيمتها مليارات الدولارات".
ويرى أن الليرة السورية في حقيقة الأمر غير محمية أبداً"، ولكن ما يجعل سعر صرفها مقابل الدولار 175 أو 150 ليرة، وليس ألفين أو خمسة آلاف ليرة، كما حصل للدينار العراقي سابقا، هو أن السوريين عموماً لا ينفقون ما يكفي من الأموال لإشباع حاجاتهم، بل يحاولون ادخار ما يقيهم من الموت. "إنهم يضحون بـ90% من حاجاتهم الأساسية، وهذا ما يدعم الليرة السورية، وهو أبشع أنواع الدعم".
ويقول دليلة: إنّ "التلاعب بسعر صرف الليرة وبالأخص خلال السنتين السابقتين شكّل مصدر إثراء لعدد من الناس".
ويسأل: "ما المبرر إذن أنه تحت نظر إدارة النقد والاقتصاد ومعرفتها، ارتفع سعر صرف الليرة إلى نحو 350 ليرة ثم انخفض إلى 150 ليرة ومن ثم أخذ بالتذبذب؟".
حدود استقرار الليرة
من جهته، يقول المحلل الاقتصادي عبد القادر الحصري لـ "العربي الجديد": إنّه لا يملك أدوات إحصائية لنقض ما صرح به المصرف المركزي السوري حول قيمة تحويلات المغتربين، وتحديد احتياجات تمويل الإيرادات.
ويوضح: "ليس لدينا بيانات غير تلك المقدمة من مصرف سورية المركزي، ، فهو المخول والأقدر على رصد تلك العمليات".
وحول ضخ الدولار في السوق، يرى الحصري أنّ "ذلك يساهم بشكل كبير في تحقيق استقرار سعر صرف الليرة ضمن حدود"، مبيناً أنّ "هذا الضخ يغطي مدفوعات غير منظورة متعلقة بالاحتياجات الفردية".
ويوضح أنّ "سعر الصرف مرتبط بعدة معطيات، منها ميزان المدفوعات والإنتاج والتحويلات، إضافة إلى الموارد غير الرسمية"، مضيفا أنّ "الأزمة الاقتصادية مرتبطة بالأزمة السياسية، فهي انعكاس لها".
ويلفت الحصري إلى أنّ "الاستقرار في سعر الصرف هو عامل أساسي في مكونات الإنتاج، وتحديد الأسعار".
يشار إلى أنّ هناك ملايين السوريين المغتربين عن بلادهم منتشرين في مختلف أنحاء العالم، فقد قدّرت وزارة المغتربين عام 2009 تحويلات المغتربين السوريين بحوالي 2 مليار دولار (100 مليار ليرة بسعر صرف 50 ليرة للدولار)، أي ما يوازي 16.7% من ميزانية سورية البالغة حينها حوالي 12 مليار دولار.
في حين تراجعت تحويلات المغتربين السوريين من نحو 53 مليار ليرة سورية عام 2008، إلى نحو 44 مليار ليرة (880 مليون دولار) في العام 2010، بحسب أرقام رسمية.