شقيقة بوعزيزي تونس: تشتتنا وهؤلاء ظلمونا

14 يناير 2017
لم تستطع والدته أن تنساه (فتحي بلعيد/Getty)
+ الخط -



"بيتنا في محافظة سيدي بوزيد مغلق، لا أحد يزوره رغم احتوائه على كثير من الذكريات، وبعض ملابس ومقتنيات المرحوم محمد البوعزيزي أو طارق كما نناديه أحياناً، أسرتنا البسيطة تشتتت، وأحلامنا البسيطة تبعثرت، فأنا لم أر والدتي منذ 3 أعوام بحكم تواجدها في كندا بالقرب من شقيقتي للعلاج، ووالدي المسن، هو الوحيد الذي يزور قبر محمد باستمرار خاصة في ظل مشاغل أفراد الأسرة".

بهذه العبارات المملوءة بالشجن تحدثت سامية شقيقة محمد البوعزيزي، عمّا حل بعائلة البوعزيزي التي تتكون من 3 بنات و3 أولاد بعد مرور 6 أعوام على الثورة التونسية.

وأكدت سامية، لـ"العربي الجديد" أنّ ظروف العائلة ازدادت سوءاً بسبب قساوة بعضهم والأحكام المغلوطة التي روجوها عنهم، مبينة أنّه لا صحة لكثير من المعلومات التي روجت حول حصولهم على أموال طائلة أو هبات من دول أجنبية، مشيرة إلى أنهم يعيشون حياة عادية وليست لديهم أي ثروة غنموها من وفاة شقيقها كما يدعي بعضهم، بل إن كل ما تحصلوا عليه هو منحة من الدولة التونسية بـ20 ألف دينار (10 آلاف دولار) تقاضوها ككل عائلات الشهداء، متوجهة باللوم إلى مسؤولي الدولة والسياسيين الذين لا يذكرون الشهيد ولا يتصلون بهم.

تعمل سامية في شركة في العاصمة التونسية، وبالكاد تؤمن مصاريف قوتها وتكاليف الإيجار، مبرزة أنها تعبت نفسياً جراء وفاة شقيقها والإهانات والإساءات التي طاولتهم من قبل بعض وسائل الإعلام المحلية والفضوليين ممن حملوا شقيقها سبب ما يحصل في تونس.



وأشارت إلى أن والدتها تنتظر الحصول على اللجوء في كندا، كما أنها تقدمت بمطلب للحصول على تأشيرة لرؤية والدتها في كندا، خاصة بعد أن أجرت عملية جراحية ولكنها حرمت من رؤيتها منذ 3 أعوام ونصف بعد أن رفض طلبها رغم أنها تشتاق إلى بقية أفراد أسرتها، فبعضهم في كندا وبعضهم الآخر في العاصمة، وشقيقها البكر سالم يقطن في محافظة صفاقس رفقة زوجته وأطفاله، مبينة أن الناس لا يشعرون بمأساة الأسرة المشتتة.

وروت شقيقة بوعزيزي، كيف انقطعت عن الدراسة بعد اشعال شقيقها النار في نفسه، فقد كانت ستجري امتحان الباكالوريا، عندما أخبرها صديق محمد وتحديداً يوم 17 ديسمبر/كانون الأول، عن انتحاره أمام محافظة سيدي بوزيد، فأوصدت الباب في وجهه، معتقدة أنها مزحة ولم تصدق الخبر، مبينة أن البوعزيزي لم يكن ينوي الانتحار لأنه شخص محب للحياة وأنه لولا شعوره بالقهر والظلم لما أقدم على تلك الخطوة.

وكشفت سامية أنها كثيراً ما كانت تزور البوعزيزي في المكان الذي يبيع فيه الغلال، ليمدها بمصروف اليوم، وكثيراً ما لاحظت تجاوزات لم ترقها، كأن يعمد بعض أعوان الشرطة البلدية إلى ملء أكياس بالغلال، ولا يسددون ثمنها، وأنها نبهت شقيقها للأمر، فمازحها قائلاً: "إنهم لا يدفعون".

وبينت أنّ محمد البوعزيزي كان مغرماً بكرة القدم، وكثيراً ما كان يمارس هوايته مع أبناء الحي، أما عن الدراسة فقد اجتاز باكالوريا أدب، ولم ينه دراسته بسبب ظروف الأسرة، فاختار تأمين احتياجات العائلة عن طريق بيع الغلال أو نقل بعض السلع في عربة أحد أصدقائه.

أما عن تفاصيل يوم الحادثة فقالت، إنهم اجتمعوا كالعادة على العشاء في بيت الأسرة، وتجاذبوا أطراف الحديث، وكان محمد دائم الدعابة وأقرب أشقائها إليها، وأنه نهض يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول، باكراً لاقتناء الغلال التي سيبيعها وتقابلوا صباحاً على الساعة الثامنة بحكم أنها ستذهب إلى الدراسة، مبينة أن تصرفات البوعزيزي كانت عادية جداً، ولكن حجز بضاعته وإهانته، والتراكمات التي كان يعانيها أغضبته كثيراً ما دفعه إلى إضرام النار في جسده.

وأكدت أنّ الشهيد كان دائماً يحاول إخفاء ما يعترضه من صعوبات، ومضايقات من قبل أعوان الشرطة البلدية، وإن ما أجج غضبه ودفعه إلى الانتحار الكلام المسيء والسب الذي تعرض له.

وأفادت أن ما اضطرهم إلى مغادرة سيدي بوزيد هي الحالة النفسية لوالدتها، فكل شيء كان يذكرهم بالبوعزيزي، مبينة أن والدتها كانت دائمة البكاء وتعبت كثيراً، فرغم مرور 6 أعوام على الحادثة، إلا أنها دائماً تتذكر ابنها، فحتى كلمة ثورة والتجاذبات السياسية الحاصلة وكل الاحتجاجات التي تندلع في بعض المحافظات التونسية تذكرها بما حصل وبابنها.

وختمت المتحدثة كلامها، إنهم لا ينوون بيع عربة البوعزيزي، رغم العروض التي وصلتهم خاصة مباشرة بعد وفاته، فهي مودعة في مستودع الجد في منطقة لسودة بسيدي بوزيد، كذكرى عزيزة عليهم.