شفاء أسماء الأسد: اختزال المأساة السورية

06 اغسطس 2019
أعلنت عن إصابتها بالمرض قبل عام (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
أطلت زوجة رئيس النظام السوري، أسماء الأسد، على شاشة التلفزيون السوري مساء السبت الماضي ضمن مقابلة أجرتها الإعلامية ليزا ديوب، لتُعلن شفاءها من سرطان الثدي، بعد مضي عام على بدء خضوعها للعلاج الكيميائي. 

لم تكن تلك المرة الأولى التي تُطلّ فيها أسماء الأسد على شاشة التلفزيون السوري. ففي الأعوام الماضية، شاركت في العديد من الأفلام والتقارير الوثائقية التي بثّتها "الإخبارية السورية" في مناسبات عدة، أبرزها عيد الأم؛ وكانت معظم تلك الوثائقيات تتمحور حول خطب تلقيها "السيّدة الأولى" في جلسات نسائية، تحثّ فيها الشعب على الجهاد في سبيل عرش زوجها، وتعيد تعريف المفاهيم الإنسانية والوطنية بما يتلاءم مع تطلعات وأساليب النظام الوحشية والدموية. ولكن لم يسبق أن استضاف التلفزيون السوري أسماء الأسد في مقابلة تلفزيونية، فقد كانت دائماً تفضل أن تحلّ ضيفةً على الشاشات الأجنبية، وبينها الروسيّة مثل "آر تي" و"روسيا 24".

ولعلّ محتوى المقابلة نفسه، يفسّر سبب بثّها على قناة حكومية محلية. بداية تمّ الترويج للقاء على أنّه حوار بين امرأتين تتشاركان تجربة سرطان الثدي ورحلته العلاجية، ليبدو اختيار الإعلامية ليزا ديوب جزءًا من المشهديّة التي تبدو فيها أسماء الأسد وكأنّها تُشارك جميع السوريين ألمهم ومعاناتهم.

لكن الشكل العام للقاء لم يكن هو المشكلة. بل طرح المضمون، أسئلةً حول التناقضات الواردة في تصريحات أسماء، بدءاً من نشاطها الكبير في العام الماضي، والذي لا يتناسب مع الجرعات الكيماوية العلاجية التي يتلقاها مرضى السرطان، وهو ما استغربته الإعلامية ديوب، مروراً بالحديث عن جودة العلاج الذي تلقّته في سورية، علماً أنه في الحقيقة غير متوفّر في المستشفيات المحلية بسبب العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على النظام، ووصولاً إلى المصطلحات التي استخدمتها أسماء الأسد للتعبير عن رحلة العلاج. إذ سردت حكاية مرضها الخاص وكأنها حكاية تختزل المأساة السورية العامة، فبدا السرطان رمزاً للثوار الذين خانوا الجسد، وكان لابد من استئصالهم، وكان التخلص منهم بمثابة انتصار، وقد تم بجهود المستشفى العسكري السوري والجنود السوريين، وهو ما تجلى عدما وصلت إلى خلاصة مستغربة، رابطة تعافيها بتعافي الوطن.

وبعيداً عن مرض السرطان، تضمّنت المقابلة العديد من المفارقات والاعترافات التي تجاوزت خطوط الإعلام السوري الحمراء؛ فذكرت ديوب أن بعض السوريين شمتوا بمرض أسماء الأسد، وتمنّوا لها أن تعاني كما عانوا بسبب بطش زوجها، فلم تنكر أسماء الأسد ما وجّه لزوجها من تهم، بل اكتفت بإقصاء كارهيه واتهامهم باللاوطنية والخيانة. كما أن المقابلة تضمنت اعترافاً مبطناً بسعي عائلة الأسد لتأهيل ابنها البكر للعب دور رئيس الجمهورية في المستقبل، عندما ردت أسماء الأسد على تكهنات ديوب، حول ما إذا كان إشراك حافظ بشار الأسد، وإخوته، في الجولات الرئاسية هو جزء من تأهيلهم لأدوار مستقبلية. ولعلّ هذه الاعترافات والتصريحات الإقصائية والمعادية لكل سوري عارض حكم الأسد، لا تعتبر أسوأ ما ذكر في المقابلة. بل إن الانتقال للحديث عن الحياة العائلية الهانئة والتفاصيل الرومانسية التي يعيشها الأسد وزوجته، بدا أكثر شناعة من الاعتراف بالدموية التي رافقت سنوات الثورة.

بعد المقابلة، سارعت وكالات الأنباء العالميّة ووسائل الإعلام إلى نشر خبر شفاء أسماء الأسد، بطريقة ترويجية أكثر منها خبرية، كما فعلت وكالتا "رويترز" و"فرانس برس"، وهو ما أعاد إلى الذاكرة تعامل الوكالات والإعلام الغربي مع الأسد في السنوات القليلة التي سبقت الثورة، كرمز "لسورية الجديدة والشابة والأكثر ديمقراطية".
المساهمون