شعوذة بـ22 مليار جنيه

14 مارس 2017
لا يستهدفون الفقراء فقط (محمود حمس/ فرانس برس)
+ الخط -
زادت أعمال الدجل والشعوذة في مصر بشكل كبير، حتى باتت لا تخلو قرية أو مدينة من تلك الظاهرة، بل وصل الأمر إلى الإعلان عن أعمال الدجالين والمشعوذين في القنوات الفضائية والصحف، ووضع ملصقاتهم في الشوارع ووسائل النقل العام.

هناك عدد كبير من هؤلاء الدجالين الذين يطلقون على أنفسهم لقب "الشيخ". بات هؤلاء الشيوخ طبقة مهنية يدخلها كلّ من لا مهنة له. هذا الوضع يسمح لكثير منهم بتكوين ثروات، خصوصاً مع إيهام الضحايا بقدرتهم على علاج الأمراض، وحلّ مشاكل العنوسة، وجلب الحبيب، وحلّ المشاكل الأسرية وغيرها.

وبالرغم مما أثير حول هذه الظاهرة منذ زمن بعيد، فإنّها تبقى من أخطر القضايا التي تهدد أمن مصر الاجتماعي والاقتصادي والفكري، إذ لم يعد الدجل يقتصر على المستويات الشعبية، إنّما امتد ليشمل مستويات تعليمية أعلى. بذلك، بات الدجل ظاهرة عابرة للطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية بشكل لافت ومثير للانتباه. وهو ما تؤكده قصص تروى عمّا يعرف بالبيوت المسكونة بالجن والحرائق المشتعلة في بعض القرى والتي باتت مادة ثرية لبرامج "التوك شو" التلفزيونية.

في هذا الإطار، يؤكد مسؤول أمني بارز أنّ أقسام الشرطة في جميع المحافظات المصرية تتلقى يومياً عشرات البلاغات لجرائم تصل إلى حدّ القتل والاغتصاب بدواعي الانقياد للدجالين. ويؤكد البعض أنّ ما خفي أعظم، مشيراً إلى أنّ جرائم الدجل والشعوذة تصل إلى الشرطة فقط عند وقوع جريمة مثل القتل تبعاً لـ"استخراج الجن"، أو الاعتداء الجنسي. ويوضح المصدر أنّ الدجل يسيطر بنسبة كبيرة على العقول، فالناس يعتبرون هذه الوسائل طوق النجاة للخروج من مشاكلهم.

بدوره، يقول الخبير في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي) الدكتور سيد إمام إنّ زيادة ضغوط الحياة بالترافق مع غلاء السلع الأساسية، وراء كثرة التردد على الدجالين. يوضح أنّ نسبة كبيرة من المصريين تعتقد بقدرة الدجالين على تغيير حياتهم، موضحاً أنّ كلفة فاتورة أعمال الدجل والشعوذة تبلغ نحو 22 مليار جنيه (مليار و253 مليوناً و897 ألف دولار أميركي) سنوياً.



يضيف إمام أنّ الضحايا يعانون عادة إمّا من تأخر سن الزواج، أو عدم الإنجاب والعقم، أو مشاكل العمل، أو يعتقدون أنّهم مسحورون ويحتاجون إلى فكّ السحر. كذلك، وصل الأمر إلى علاج الأمراض مثل الكلى والكبد وغيرها لدى الدجالين. يقول إنّ هذه التجارة كان يمارسها سابقاً عدد قليل من المشعوذين، لكنّها بمرور الأيام توسعت بشكل كبير، بل لم تعد تجري في الخفاء إذ انتشرت بين الناس رويداً رويداً حتى وصلت اليوم إلى القنوات الفضائية.

من جهته، يقول عضو لجنة الإفتاء في الأزهر إبراهيم جاد الكريم إنّ انتشار تلك الظاهرة بطريقة غير مسبوقة دليل على بعد الناس عن تعاليم الدين، وتفشي الفقر والجهل. يضيف: "كذلك، فإنّ الدراما المصرية لها دور كبير في انتشار الدجل والشعوذة بين الناس". ويشير إلى أنّ المشعوذين لم يتركوا موضوعاً خارج "اختصاصهم": "بتنا نشهد على أندية رياضية تعتمد على الدجل في كلّ تحركاتها، وتعلّق فشلها على السحر، بالإضافة إلى عدة مجالات أخرى كالنجاح والفشل والسفر والشجارات الزوجية". وعن تسميتهم يعلّق: "هناك كثيرون ممن يطلقون على أنفسهم لقب المشايخ، لكنّ الدين منهم براء إذ اتخذوا من السحر والشعوذة طريقاً للكسب الحرام".

يضيف جاد الكريم أنّ السبب الرئيسي في انتشار الدجل والشعوذة والخرافات في الفترة الحالية يعود إلى "تخلي الدولة الواضح عن دعم المواطنين بالخطاب الديني المستنير للتوعية بصحيح الدين، وتعليمهم كيفية مواجهة الابتلاءات والمصائب". ويطلب من الحكومة تشديد الرقابة على وسائل الإعلام وما تقدمه من مضامين.

دلالات