حفل الشهر الحالي بالعديد من الاجتماعات بين القادة الغربيين ونظرائهم من الدول العربية المعنية بالإرهاب، بدءاً من "مؤتمر التحالف الدولي ضد الإرهاب" في باريس، وزيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي إلى ألمانيا، وصولاً الى قمة السبع في ميونخ، والاجتماع الذي حصل أخيراً بين أطياف المعارضة الليبية في برلين بدعوة من الخارجية الألمانية، ما يؤشر الى قرار بدخول أوروبا على خط معركة محاربة الإرهاب بشكل أكبر، وبالتالي تخفيف العبء عن الولايات المتحدة، التي يبدو أن خططها في هذا الإطار "غير مكتملة".
ويعكس هذا الحراك الدبلوماسي الأوروبي وما نتج عنه من قرارات ومواقف أوروبية حازمة انخراطا أوروبيا في مكافحة الإرهاب أكثر من أي وقت مضى. وكانت تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال قمة السبع في ميونخ، عن "عدم وجود استراتيجية كاملة لمكافحة التنظيمات الارهابية لدى إدارته"، وأن "جميع الدول في التحالف الدولي مستعدة لبذل المزيد من الجهد لتدريب قوات الأمن العراقية"، إشارة لحث الاتحاد الأوروبي على لعب دور أكبر في هذه المهمة. كما كان أوباما وراء دعوة الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي للمشاركة في أعمال القمة، وفق ما أشارت إليه المعلومات حينها، وذلك بغية الطلب من شركائه الأوروبيين دعم تونس اقتصادياً ومساعدتها في مكافحة الإرهاب مع اقتراب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من حدودها المجاورة لليبيا. ولم تكن دعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، الذي اتهم المجتمع الدولي بالتخاذل في إنقاذ بلاده خلال مؤتمر باريس، سوى تأكيد على عدم ترك العراق في محنته.
وجاءت القائمة المفصلة عن تكاليف الحرب على الإرهاب، والتي تم نشرها الأسبوع الماضي، ولأول مرة، من قبل وزارة الدفاع الأميركية، وقدّرت كلفة اليوم الواحد للحرب بتسعة ملايين دولار، لتؤكد على عمق الأزمة التي تشهدها الولايات المتحدة بالتعاون مع حلفائها من أجل القضاء على التنظيمات الإرهابية، على الرغم من بلوغ طلعاتها الجوية الـ 4100 طلعة حتى الآن.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يسعى للتعاون مع دول الخليج لمكافحة الإرهاب
تدريب وتسليح
ويشير مراقبون إلى وجود نية لمقاربة الملف من قبل الأوروبيين بصورة مغايرة لما يتم التعامل معه حالياً على أرض الواقع، بعدما أثبتت الضربات الجوية فشلها نظراً لتكيف "الإرهابيين" معها، وعدم قدرتها على تحقيق أي إنجاز مهم حتى الآن. وأمام هذا الواقع، أصبح من الضروري وضع حلول قابلة للتطبيق لتلك الملفات عبر زيادة المساهمة في عمليات التدريب، وهو ما ستقدم عليه كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا. وكانت باكورة هذا التوجه إعلان رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون عن عزم بلاده إرسال 125 مدرباً إضافياً الى العراق. كما ستعمل تلك الدول على تعزيز التعاون الاستخباراتي والمساهمة في منع وصول الإرهابيين عبر تركيا، وتجفيف مصادر التمويل من النفط وتهريب الآثار وغيرها، وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في ختام اجتماع باريس بقوله: " تصميمنا مائة في المائة"، في إشارة الى المضي في محاربة تنظيم "داعش".
ويتوقع أن يتم تسليم الأجهزة الرسمية في تلك الدول السلاح والصواريخ المضادة للدبابات وأجهزة المراقبة والتنصت من أجل السيطرة على طرق الإمداد، وهذا ما حرص على التأكيد عليه العبادي خلال اجتماعاته مع المسؤولين الأوروبيين أخيراً. لكن يبقى هناك الخوف الأساسي في الوقت الحالي من أن تقع تلك الاسلحة بيد "داعش".
بموازاة ذلك، يعمل الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع الأمم المتحدة على جمع الأطراف المتصارعة، من أجل المساعدة في التوصل الى حل سياسي في الدول الساخنة. كما تضغط على عدد من رجال الأعمال، الذين يمولون التنظيمات المتطرفة، عبر تجميد أرصدتها. أما البعد الآخر، لخطط محاربة الارهاب، فهو اقتصادي واجتماعي، يرتبط بمدّ تلك الدول بالمساعدات من أجل مقاومة الأزمات من جهة، وتقديم الدعم لمواطنيها من جهة ثانية، لضمان عدم التحاقهم بالجماعات التكفيرية.
ويرى مراقبون أن ما يزيد من حال الإرباك لدى الجهات الغربية ضعف القوى السياسية والأمنية الممسكة بتلك الملفات في بلدان النزاع، وعدم قدرتها على المواجهة لأسباب عدّة، ولهذا السبب دعت الخارجية الألمانية الجهات المتنازعة في ليبيا للحضور الى برلين. وجاء البيان الختامي بين وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير والمبعوث الأممي الى ليبيا برناردينو ليون، ليؤكد على استعداد المجتمع الدولي لتقديم الدعم الكامل في حال تم التوصل الى اتفاق يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وفي هذا الإطار، كشف شتاينماير في باريس عن إنشاء صندوق مالي، وأنه بدأ التداول باستراتيجيات مستقبلية وُضعت من قبل ألمانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة، في إطار السعي لتحقيق الاستقرار في المنطقة بعد التحرير من قبل التحالف الدولي، جنباً إلى جنب مع الأمم المتحدة، مشدداً على أنّ هذا الأمر يتعلق بالتغذية والكساء والحد الأدنى من الرعاية الصحية. وقدّمت كل من الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وألمانيا ودائعها الأولى وطلب من الدول الأخرى الممثلة في التحالف الدولي المشاركة.