شعر الناس وشعر الفضائيات

14 سبتمبر 2015
مصطفى الحلاج / فلسطين
+ الخط -

اجتمع ثلاثة شعراء في برنامج للحوار مؤخراً على شاشة فضائية، ودار الحديث المكرر حول علاقة القصيدة بالحدث؛ هل تكون مرافقة له أم بعد زمن حين تتخذ طريقها إلى النضوج؟ أحدهم فضّل فكرة الكتابة بعد أن تنضج التجربة، هذا إذا أردنا أن نتجاوز اللحظة الساخنة، ورأى آخر أن لا أحد يمكن أن يحدد متى تولد القصيدة.

ومع دورة الحوار، "سمح" الجميعُ للقصيدة أن تولد في أية لحظة، وجاء الشاهدُ من الثلاثة حين قرأ كل واحد منهم ما كتبه خلال مقاومة العدوان الصهيوني على الجنوب اللبناني في تموز، 2006، التي مرت ذكراها التاسعة قبل بضعة أسابيع.

ومسَّ معلقٌ من خارج الكادر مساً خفيفاً طبيعة "التجربة" التي واجهت الشعراءَ خلال هذا الحدث وبعده، فاعترضَ شبه اعتراضٍ على صور وأفكار قصيدة أحدهم، ورأى أنها تجولت بين لحظات ذهنية جمع فيها بين رمزية شهر تموز وما يثيره في الذهن من إشارات متراكمة في صفحات الكتب والأساطير. أو بمعنى أصح، وإن لم يقله المعلقُ، رأى غلبة النزعة الذهنية على ملموسية الحدث الواقعي.

لم يقل المعلّقُ، بعبارة صريحة، إن وجوه الناس وعبق الأرض غابت عن هذا الشعر الذي سمعناه بقدر ما حضرت أفكار الشاعر، ولم يقل إن القصائد احتشدت بكلام يفتن الشاعر عن مادة تجربته، ولكنني أقول هذا بعد أن استمعتُ إلى حديثٍ في كيفية كتابة القصيدة، وشروط توقيتها، ودور ثقافة الشاعر في هذا التكوين، ولم أستمع إلى كشفٍ ما خاصٍ بهذه اللحظة التاريخية بالذات، سوى إشارة أحد المشاركين إلى الإحباط الذي أصابه في البداية حين تساءل كيف لنا أن نواجه هذه القوة المعتدية بإمكاناتها الهائلة؟ ثم "يقظته" على ما يشبه المعجزة في مجرى الصراع، وعندها تغيّر حاله وأصبح منشداً للانتصار.

أنا كمستمع ومشاهد كنتُ خلال هذا الحوار أتذكّر كيف أن الناس في جنوب لبنان، وبخاصة الفلاحات منهم، كانوا يتحدثون مع الصحافيين والزوار حديثاً تلقائياً عما شاهدوا وما شعروا به، فيتخلل كلامهم شعرٌ خالص إذا فهمنا الشعرَ صياغة صور درامية معبرة تعادل المشاعر والأحاسيس، وحين تُذكر تثير العاطفة نفسها التي مرت في وجدان القائل، تماماً كما تقول فكرة "المعادل الموضوعي" المثقفة الذكية التي شرحها الشاعر الإنجليزي ت.إس. إليوت.

في تلك الأحاديث كنت ألتقطُ ومضاتٍ شعرية مدهشة وليس "كلاماً" أو ترتيب كلمات. هذه التلقائية هي ما بدا لي أنها مفقودة في قصائد هؤلاء الشعراء. ربما لأنهم أرادوا أن يكتبوا "شعراً" بينما كان الناس البسطاء يعيشون ويتنفسون الشعر، ولم يكونوا بحاجة للغو حول شروط الشعر وساعة كتابته وما ينبغي أن يكون وما لا ينبغي.

المساهمون