18 أكتوبر 2024
شعار ثورة واستراتيجية وطن
تحدث المقال السابق في "العربي الجديد" عن روح ثورة يناير في مصر، وأشار إلى ذلك الشعار العبقري لهذه الثورة، والذي تمثل في مربع اهتمام يعبر، في حقيقة الأمر، عن حقيقة الثورة وأهدافها، فلم يكن مجرد شعار يمكن أن يطلق وينتهى أثره، بل عبّر عن بنودٍ حقيقيةٍ لبناء تصوّر استراتيجي لما يمكن أن تحمله ثورةٌ بعد انسداد أفق التغيير، ومحاولة النظام المستبد أن يقطع الطريق على كل أمل بالتغيير، إلا أن ثورة يناير فتحت طريقاً للتعبير عن مطالب حقيقية وكلية، وليست بحق مجرد مطالب جزئية، فقد مثلت، في حقيقة الأمر، مساراتٍ للتفكير والتدبير والتغيير والتأثير.
ومن هنا، فإن ترجمة هذا الشعار إلى مسارات استراتيجية لأي تفكيرٍ يتعلق باستئناف ثورة تستعيد روح يناير، كما تحاول أن تستشرف بناء دولة يناير، مصر الجديدة التي ننشد، مصر المستقبل التي نبني، لا بدّ أن يستلهم هذا المربع الذي يشكل حقيقة مساحةً للفعل والفاعلية، بما عبر عن مناطق يجب أن تترجم إلى خطط وبرامج، إنها تشكل بحق برنامج عمل للثورة المصرية، إذ يعد يناير، في حقيقة الأمر، ثورةً ودولةً، هذا الشعار يتصدّره "العيش الكريم، والحرية الأساسية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية".
تعبّر مفردة العيش الكريم، في حقيقة الأمر، عن التمسك بجوهر مفهوم الكرامة، باعتبارها معاش الناس وتحقيق مصالحهم وتحريك مطالبهم، وإنجاز ضروراتهم واحتياجاتهم، وهو عملٌ يعني أن مطالب الناس في المعاش تحتاج من أهل الثورة التعرّف على خريطة مطالب الناس، والتعرف على مضامين مفهوم العيش الذي يشكل واحدةً من مفردات عموم الناس التي تعبّر عن كل ما يؤثر على حاجات عيشهم ومعاشهم. العيش في هذا الإطار يشكل سلسلةً من السياسات تواجه كل الإشكالات التي تتعلق بنظم مستبدة، جعلت من إهمال ضرورات الناس ديدناً وأسلوباً، يمعن في إذلالهم واستعبادهم، في إطار عملية التجويع التي تتضمن حالةً من التركيع، وتطبيع حياتهم مع الفقر، واعتبارهم مصدراً للجباية، مهما كان فقرهم.
ذلك أن مطالب تلك الطبقات التي تتحالف مع سلطانٍ مستبد إنما تشكل أولويةً في منظومة
الاستبداد، يحقق مطالبها، حتى لو كانت ترفيهاً أو رفاهيةً على حساب مطالب الفقراء، حتى لو شكلت حاجات ماسة أو ضرورية، هكذا تتم صناعة التمييز الظالم ضمن عملية إفقار ممنهجة، لا يهمهم في ذلك إلا أن يزداد الغني غنىً، مهما ازداد الفقير فقراً، وأن تمول عمليات الفساد والنهب المنظم من هؤلاء الذين يحترفون دعم المستبد، ومساندته فيما سماهم الكواكبي المتمجّدين (طالبي المجد، وطالبي الثروة، وطالبي الشهرة والمنصب). يدير هؤلاء جميعا المؤامرة الكبرى على مفردة العيش لكريم ضمن أولوية ترفهم وتنعمهم على حساب ما يشكل ضروراتٍ لعموم الناس ومعاشهم.
ومن المؤسف حقاً أن مقولة العيش تصادف ليس فقط إهمالاً وحرماناً لكل الأطراف، لحساب المركز والعاصمة، من غير نظر أو اعتبار لكل العيش الذي يتعلق بهذه الأطراف، مهما كبر حجمها، ومهما زاد فقرها، وتتراكم متوالية الحرمان والمؤامرة على مفردة العيش، حينما نرى الظلم البيّن على الريف لمصلحة الحضر، وفي إطار ظلم فئة الفلاحين في هذا الإطار الذي يشكل حالةً مهملةً عن عمد، وباستخفافٍ لاحتياجات هؤلاء. ويأتي الأمر أيضاً على إفقار (وإهمال) لصعيد مصر مقارناً بأي جغرافيا أخرى. ولا شك أن أكثر المحافظات فقراً تقع في الصعيد، وكذلك إهمال البنى الأساسية، وأن مطالب أهل الصعيد يطول زمن إهمالها، من غير توقيت وبلا حدود، تئن مفردة العيش الكريم، وتكرّس حالة الذل المقيم والإفقار الممنهج، لتعبر للأسف الشديد عن تراكم مستقر ومستمر، يؤدي إلى عيشة ذلٍّ لا كرامة فيها.
ومن هنا، تأتي تلك المفردة التي تتعلق بالكرامة الإنسانية لتعبر أن مفردة العيش الكريم هي في القلب من الإنسان المكرم، إذ تعبر حالة الكرامة الانسانية عن تكريم الإنسان كياناً وحرمةً ومقاماً، ولا شك أن المعنى الذي يتعلق بالحياة الإنسانية الكريمة أمر يقع في صميم الكرامة الإنسانية، وأن المحافظة على حرمة النفس الإنسانية هي من ضمن منظومة الكرامة، تشكل حمايةً للإنسان، كياناً ومقاماً وعيشاً، باعتبار ذلك كله منظومةً تحيط بهذا الإنسان المكرم الذي كرّمه الله، لا يستطيع كائنٌ من كان أن ينتهك حقوقه التأسيسية في الحياة والكسب، والتأكيد على حرمه النفس الإنسانية مما ينالها من أي انتقاصٍ أو أي إهدار. هكذا يكون معنى الكرامة التي يمكن ترجمتها إلى دليل للحقوق الإنسانية التي تحفظها، بكل مبانيها ومعانيها، بكل حقوقها وضروراتها، بكل أمانها وحرمتها. ومن ثم فإن نظم الاستبداد الباطشة تتحرّك دوماً صوب سياسات مذلة تنتهك فيها الإنسان كياناً وكرامة، وتشكل سياساتٍ مهينةً لا يمكن قبولها، وأن ثورةً تحمل معاني الكرامة الإنسانية هي، في الصميم، من العيش الكريم.
أما عن الحرية، وما أدراك ما الحرية، فهي قيمةٌ تأسيسيةٌ ترتبط بكيان الإنسان والتعبير عن
اختياره وإرادته وحقه في اختيار مساره وتقرير مصيره. إن الحرية كقيمة لصيقة بالإنسانية إنما تشكل جوهر الحياة الكريمة، وجوهر معنى الحرية يتحرّر من كل قيدٍ يتعلق بمعاشٍ، أو بضروراته المادية، حتى يمارس حريته واختياره بشكل كامل غير منقوص. قيمة الحرية لا مساومة فيها ولا عليها، وأول عملٍ مستبدٍّ والنظم الفاشية والأمنية أن تقيم علاقة السيد والعبيد وتكرّسها وتؤسس لها، وكأن إفقاد هؤلاء معنى الحرية هو عمل ممنهج من المستبد يدرّب كل مواطنيه على الإذعان بتدريباتٍ يوميةٍ تشكل جزءاً من عملية التركيع والتطويع والتطبيع وصناعة حالة القطيع. ومن هنا، فإن ثورةً تحمل معاني الحرية وتؤسس لها لابد من أن تحوّل هذه القيمة إلى إجراءاتٍ داعمة لمعنى الحرية الإنسانية، ومعنى الكرامة فيها، وتجعل هذه الحرية مرتبطةً بكل المعاني الإنسانية متحرّرة من القيود المادية أو المعنوية، حرية وتحرّر وتحرير، كلمات مفتاحية لمعنى الثورة، حينما تحمل هذه الحرية كقضية إنسانية.
ويكتمل المربع، حينما يأتي دور العدالة الاجتماعية لتحقق ميزان الإنسان في العدالة، تحقق كل المعاني التي تتعلق بمعاني العدالتين، الوجودية والقانونية، وكذلك مؤسسات العدالة القضائية، وما يرتبط من عناصر تتعلق بالعدالة الاجتماعية، تمكن حالة العدل هذه لدى كل إنسان، ذلك أن الشعور بالعدل إنما يحقق بيئةً من الاستقرار، وأن الظلم الاجتماعي هو الذي يؤجّج كل نيرانٍ تتعلق بحالات التفاوت غير المقبول، وحالات الظلم البيّن ضمن منظومة الاجتماع، فيؤدي ذلك إلى انفكاك عرى المجتمع، وإلى تمزق شبكة علائقه الاجتماعية، وتنعدم المسؤولية الاجتماعية، وينهار رأس المال الاجتماعي، بكل أشكاله وإمكاناته وقدراته.
ضمن سياسات الظلم التي يقوم عليها نظام الاستبداد، ويؤجج كل ما يتعلق بحالة التفاوت والإهمال، إن العدالة الاجتماعية لابد من أن تتحوّل إلى برامج متعينة، وخطط زمنية محدّدة، تقيم أركان العدل الاجتماعي؛ فيؤدي ذلك إلى تماسكٍ أكبر في المجتمع، وترابط أكبر بين عناصر الجماعة الوطنية التي لا تقبل تمييزاً أو ظلماً أو حرماناً يتعلق بفئةٍ لحساب فئة أخرى. وحينما يؤكد ابن خلدون "أن الظلم مؤذنٌ بخراب العمران"، فإنما كان يقصد أن العدل الاجتماعي هو ميزان عمران الحياة الاجتماعية، وأن عمران الإنسان من عمران المجتمع والكيان، وأن معنى العدل هو الذي يحكم معنى العيش الكريم، ويمكّن للحرية الإنسانية، ويضمن كل معاني الكرامة الأساسية.
هكذا يبدو لنا الأمر، حينما يتحوّل الشعار إلى استراتيجية، وحينما تترجم الاستراتيجيات إلى خطط عملية وجداول زمنية في إطار إدارة فاعلة عادلة لما يمكن تسميتها "ثورة التوقعات" التي تتعلق بمطالب الشعوب، وإن إدارة راشدة وحكيمة لـ "ثورة التوقعات" هذه إنما تشكل عملاً ثورياً يحقق للثورة ظهيرها الاجتماعي والمجتمعي ومحاضنها الشعبية، بما يمكن لها في مواجهة الثورة المضادة، وتمكين ثورة حقيقية، تدير عملية التغيير الجديدة في حياة الناس، وتأمين معاشهم وضروراتهم، (العدل ميزان كل عمران، والظلم خرابٌ لأي عمران)، إنها المعادلة التي تحقق معنى الميزان والتوازن في المجتمع وتكويناته.
ومن هنا، فإن ترجمة هذا الشعار إلى مسارات استراتيجية لأي تفكيرٍ يتعلق باستئناف ثورة تستعيد روح يناير، كما تحاول أن تستشرف بناء دولة يناير، مصر الجديدة التي ننشد، مصر المستقبل التي نبني، لا بدّ أن يستلهم هذا المربع الذي يشكل حقيقة مساحةً للفعل والفاعلية، بما عبر عن مناطق يجب أن تترجم إلى خطط وبرامج، إنها تشكل بحق برنامج عمل للثورة المصرية، إذ يعد يناير، في حقيقة الأمر، ثورةً ودولةً، هذا الشعار يتصدّره "العيش الكريم، والحرية الأساسية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية".
تعبّر مفردة العيش الكريم، في حقيقة الأمر، عن التمسك بجوهر مفهوم الكرامة، باعتبارها معاش الناس وتحقيق مصالحهم وتحريك مطالبهم، وإنجاز ضروراتهم واحتياجاتهم، وهو عملٌ يعني أن مطالب الناس في المعاش تحتاج من أهل الثورة التعرّف على خريطة مطالب الناس، والتعرف على مضامين مفهوم العيش الذي يشكل واحدةً من مفردات عموم الناس التي تعبّر عن كل ما يؤثر على حاجات عيشهم ومعاشهم. العيش في هذا الإطار يشكل سلسلةً من السياسات تواجه كل الإشكالات التي تتعلق بنظم مستبدة، جعلت من إهمال ضرورات الناس ديدناً وأسلوباً، يمعن في إذلالهم واستعبادهم، في إطار عملية التجويع التي تتضمن حالةً من التركيع، وتطبيع حياتهم مع الفقر، واعتبارهم مصدراً للجباية، مهما كان فقرهم.
ذلك أن مطالب تلك الطبقات التي تتحالف مع سلطانٍ مستبد إنما تشكل أولويةً في منظومة
ومن المؤسف حقاً أن مقولة العيش تصادف ليس فقط إهمالاً وحرماناً لكل الأطراف، لحساب المركز والعاصمة، من غير نظر أو اعتبار لكل العيش الذي يتعلق بهذه الأطراف، مهما كبر حجمها، ومهما زاد فقرها، وتتراكم متوالية الحرمان والمؤامرة على مفردة العيش، حينما نرى الظلم البيّن على الريف لمصلحة الحضر، وفي إطار ظلم فئة الفلاحين في هذا الإطار الذي يشكل حالةً مهملةً عن عمد، وباستخفافٍ لاحتياجات هؤلاء. ويأتي الأمر أيضاً على إفقار (وإهمال) لصعيد مصر مقارناً بأي جغرافيا أخرى. ولا شك أن أكثر المحافظات فقراً تقع في الصعيد، وكذلك إهمال البنى الأساسية، وأن مطالب أهل الصعيد يطول زمن إهمالها، من غير توقيت وبلا حدود، تئن مفردة العيش الكريم، وتكرّس حالة الذل المقيم والإفقار الممنهج، لتعبر للأسف الشديد عن تراكم مستقر ومستمر، يؤدي إلى عيشة ذلٍّ لا كرامة فيها.
ومن هنا، تأتي تلك المفردة التي تتعلق بالكرامة الإنسانية لتعبر أن مفردة العيش الكريم هي في القلب من الإنسان المكرم، إذ تعبر حالة الكرامة الانسانية عن تكريم الإنسان كياناً وحرمةً ومقاماً، ولا شك أن المعنى الذي يتعلق بالحياة الإنسانية الكريمة أمر يقع في صميم الكرامة الإنسانية، وأن المحافظة على حرمة النفس الإنسانية هي من ضمن منظومة الكرامة، تشكل حمايةً للإنسان، كياناً ومقاماً وعيشاً، باعتبار ذلك كله منظومةً تحيط بهذا الإنسان المكرم الذي كرّمه الله، لا يستطيع كائنٌ من كان أن ينتهك حقوقه التأسيسية في الحياة والكسب، والتأكيد على حرمه النفس الإنسانية مما ينالها من أي انتقاصٍ أو أي إهدار. هكذا يكون معنى الكرامة التي يمكن ترجمتها إلى دليل للحقوق الإنسانية التي تحفظها، بكل مبانيها ومعانيها، بكل حقوقها وضروراتها، بكل أمانها وحرمتها. ومن ثم فإن نظم الاستبداد الباطشة تتحرّك دوماً صوب سياسات مذلة تنتهك فيها الإنسان كياناً وكرامة، وتشكل سياساتٍ مهينةً لا يمكن قبولها، وأن ثورةً تحمل معاني الكرامة الإنسانية هي، في الصميم، من العيش الكريم.
أما عن الحرية، وما أدراك ما الحرية، فهي قيمةٌ تأسيسيةٌ ترتبط بكيان الإنسان والتعبير عن
ويكتمل المربع، حينما يأتي دور العدالة الاجتماعية لتحقق ميزان الإنسان في العدالة، تحقق كل المعاني التي تتعلق بمعاني العدالتين، الوجودية والقانونية، وكذلك مؤسسات العدالة القضائية، وما يرتبط من عناصر تتعلق بالعدالة الاجتماعية، تمكن حالة العدل هذه لدى كل إنسان، ذلك أن الشعور بالعدل إنما يحقق بيئةً من الاستقرار، وأن الظلم الاجتماعي هو الذي يؤجّج كل نيرانٍ تتعلق بحالات التفاوت غير المقبول، وحالات الظلم البيّن ضمن منظومة الاجتماع، فيؤدي ذلك إلى انفكاك عرى المجتمع، وإلى تمزق شبكة علائقه الاجتماعية، وتنعدم المسؤولية الاجتماعية، وينهار رأس المال الاجتماعي، بكل أشكاله وإمكاناته وقدراته.
ضمن سياسات الظلم التي يقوم عليها نظام الاستبداد، ويؤجج كل ما يتعلق بحالة التفاوت والإهمال، إن العدالة الاجتماعية لابد من أن تتحوّل إلى برامج متعينة، وخطط زمنية محدّدة، تقيم أركان العدل الاجتماعي؛ فيؤدي ذلك إلى تماسكٍ أكبر في المجتمع، وترابط أكبر بين عناصر الجماعة الوطنية التي لا تقبل تمييزاً أو ظلماً أو حرماناً يتعلق بفئةٍ لحساب فئة أخرى. وحينما يؤكد ابن خلدون "أن الظلم مؤذنٌ بخراب العمران"، فإنما كان يقصد أن العدل الاجتماعي هو ميزان عمران الحياة الاجتماعية، وأن عمران الإنسان من عمران المجتمع والكيان، وأن معنى العدل هو الذي يحكم معنى العيش الكريم، ويمكّن للحرية الإنسانية، ويضمن كل معاني الكرامة الأساسية.
هكذا يبدو لنا الأمر، حينما يتحوّل الشعار إلى استراتيجية، وحينما تترجم الاستراتيجيات إلى خطط عملية وجداول زمنية في إطار إدارة فاعلة عادلة لما يمكن تسميتها "ثورة التوقعات" التي تتعلق بمطالب الشعوب، وإن إدارة راشدة وحكيمة لـ "ثورة التوقعات" هذه إنما تشكل عملاً ثورياً يحقق للثورة ظهيرها الاجتماعي والمجتمعي ومحاضنها الشعبية، بما يمكن لها في مواجهة الثورة المضادة، وتمكين ثورة حقيقية، تدير عملية التغيير الجديدة في حياة الناس، وتأمين معاشهم وضروراتهم، (العدل ميزان كل عمران، والظلم خرابٌ لأي عمران)، إنها المعادلة التي تحقق معنى الميزان والتوازن في المجتمع وتكويناته.