شطب الديانة عن الهوية الفلسطينية: تمهيد لـ"تجنيس" المستوطنين؟

20 فبراير 2014
يرى البعض أن القرار هو "تسويق دبلوماسي" لدى الغرب
+ الخط -
 
جاء قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشطب خانة الديانة من بطاقات الهويات الشخصية الصادرة عن السلطة الفلسطينية، مفاجئاً ومن دون مقدمات ولا نقاش أو ضغط اجتماعيين، أو حتى أي نوع من المشاكل على أساس ديني. القرار الذي أصبح نافذاً منذ أيام، أثار ردود أفعال في المجتمع الفلسطيني، وفتح الباب على مصراعيه أمام التأويلات المختلفة.
 

ويعود الغموض حول القرار إلى موافقة الاحتلال على تغيير البيانات في الهوية، إذ يستحيل على السلطة الفلسطينية المكبلة باتفاقية أوسلو، أن تقوم بأي تغيير ولو طفيفاً على الهويات الشخصية، من دون موافقة تل ابيب. فضلاً عن ذلك، فإنّ مصدر الشك إزاء القرار المفاجئ، هو تزامن صدوره مع مواصلة المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، وما يتردد عن احتمال بقاء مستوطنين ضمن السيادة الفلسطينية في حال نجحت المفاوضات، فيتوّلد عنها "الدولة" التي يخطط لها وزير الخارجية الأميركي جون كيري.

 

اتخذ الرئيس محمود عباس قراره بمعزل عن أي نقاش مع حكومته أو أقطاب المجتمع المدني، حتى إن القرار لم يمر على المستشار القانوني للرئيس عباس، حسن العوري، الذي أكد "أنه لا يعرف عن وجود مرسوم رئاسي بهذا الشأن".

أما وكيل وزارة الداخلية، حسن علوي، فيرى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه الخطوة "تنسجم مع روح القانون الأساسي الفلسطيني الذي ينص في مادته التاسعة من الباب الثاني على أن "الفلسطينيين أمام القانون والقضاء سواء، لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة"، ليخلص علوي إلى أن هذا يعني أن وجود بند الديانة في بطاقات الهوية "لا داعي له".

 

لكن في ظل الاعتقال السياسي والاستدعاء والإقصاء الوظيفي الذي تمارسه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ضد المواطنين المحسوبين على حركة "حماس"، يبدو التمترس وراء المادة التاسعة من القانون الأساسي، غير مقنع بتاتاً بالنسبة لكثيرين.

القرار الذي اتخذه عباس، والذي أصبحت جميع السلطات تتركز بيده بشكل واضح، في ظل غياب كامل للمجلس التشريعي المعطل منذ 2007، والصراعات الكبيرة في الجهاز القضائي، لم يأتِ عبر القنوات المعهودة، مثل مجلس الوزراء. كما أنه لم يصدر استجابة لمطالب مؤسسات المجتمع المدني أو لضغط الشارع، كما هو حال عشرات العرائض الموقعة، التي تطالب بتغيير قوانين أو إقرار قرارات رئاسية لقضايا ملحة بالنسبة للمواطن الفلسطيني، مثل تغيير قوانين أردنية بالية وسارية المفعول منذ 1967، الأمر الذي يجعل بعض المحللين يعتبرون أن الهدف من القرار هو "سياسي بالدرجة الأولى ومرتبط بالمفاوضات" الفلسطينية ــ الإسرائيلية.

 

وهذا ما ذهبت إليه حركة "حماس" عبر البيان الذي أصدره مستشار رئيس الوزراء إسماعيل هنية، طاهر النونو، الذي أشار إلى أن شطب خانة الديانة هو "توطئة لتنفيذ ما رشح من خطة جون كيري بضم عدد من المستوطنات المقامة على أراضي الضفة، وإخضاعها لسيادة الدولة الفلسطينية المقبلة، واعتبار سكانها مزدوجي الجنسية، ما يعني التنازل عن الأراضي الفلسطينية للمستوطنين".

لكن البعض اعتبر أن شطب خانة الديانة يأتي من باب التسويق الدبلوماسي، حيث يعتبر المحلل السياسي الدكتور باسم الزبيدي" أن عباس "يهدف من وراء هذه الخطوة، إلى تلميع ذاته في الدوائر الدولية، ووضع حد فاصل بينه وبين حماس، ليؤكد أنه القائد العلماني، الذي تستطيع إسرائيل والغرب أن يقيما معه حواراً".

ويلفت الزبيدي إلى أن "هذه الخطوة الصغيرة هي بمثابة رسالة للعالم يقول فيها عباس إنه، في الوقت الذي تتشبث اسرائيل بيهودية الدولة، الفلسطينيون يلغون خانة الديانة من البطاقة الشخصية، ليؤكدوا أن صراعهم سياسي على الأرض وليس دينياً".

 

وكان وزير التخطيط الأسبق، نبيل قسيس، قد حاول إلغاء خانة الديانة بمقترح قدمه عام 2005، لكن هذا المقترح أجهض في حينه، بسبب رفض إسرائيل تغيير البيانات في الهويات الشخصية، إضافة لسبب داخلي فلسطيني وهو تخوّف الأقلية المسيحية الفلسطينية من الذوبان في الأكثرية المسلمة.

من هنا يُطرح السؤال: لماذا وافقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي اليوم على هذه الخطوة ؟ يجيب علوي: "لا أعرف، لا علم لدي".

واستغرق الأمر وزارة الداخلية الفلسطينية شهراً ونصف الشهر من المباحثات مع الاحتلال ليصبح نافذاً، من دون ضجة أو تلكؤ، بحسب ما تشير إليه كل الأدلة، فهل أصبحت تل ابيب، التي تصر "على التدخل الفج في السجل السكاني الفلسطيني"، على حد تعبير علوي، متفهمة لرغبات الرئيس عباس بدولة مدنية عصرية؟

 

علوي الذي يبرر أهمية القرار العصري بحذف خانة الديانة، كان أحد أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض عام 1993، ويتذكر كيف رفضت إسرائيل مطلب المفاوض الفلسطيني بأن تكون الهوية الفلسطينية باللغة الإنكليزية فقط، لكن الدولة العبرية رفضت ذلك بشكل قاطع في حينها، متمسكة بوجود لغتها على هويات الفلسطينيين. واستغرق موضوع تقديم اللغة العربية على العبرية في الهويات الفلسطينية، أسبوعين كاملين من المفاوضات.

وتبدو إمكانية أن يكون التوجه المدني والديموقراطي، هو الدافع الأساسي لعباس من هذا القرار، مستبعدة، في إصرار المستوى الرسمي الفلسطيني، على أن يبث التلفزيون خطبة وصلاة الجمعة من مسجد التشريفات في المقاطعة، حيث يؤدي أبو مازن الصلاة، فيما يتقدم خبر صلاته الأخبار في وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).

 

وبينما يرجّح الكاتب السياسي والباحث في الشؤون الإسرائيلية، عادل شديد، أن تكون الخطوة مرتبطة بالمفاوضات، فإنه يشدد على أن الموضوع يأتي كرد على المطالبة بـ"يهودية الدولة"، وبالتالي فهو شق ايجابي بالتوجه نحو الدولة المدنية، ما يجذب التعاطف الأوروبي بأننا "دولة نساوي بين جميع مواطنينا، على النقيض من إسرائيل التي تدعي أنها دولة ديموقراطية وتقسم مواطنيها على أساس الدين".

وهناك رأي آخر يفيد بأن كل الضجة التي أثارها القرار، منبعها نظرية التشكيك والمؤامرة، إذ بات المواطن الفلسطيني يثق بأن قيادته تخفي عنه الحقيقة. وفي هذا السياق، يقول المحاضر في العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، عبد الستار قاسم، إنّ "الخلل في الموضوع مرتبط بعدم طرح الموضوع للنقاش في المجتمع الفلسطيني، ما سمح بإثارة الجدل والتأويل، وهذا يعود لغباء القيادة السياسية التي كان عليها أن تفتح المجال للحوار داخل المجتمع، وبالتالي الوصول لهذا القرار الذي هو شأن مدني".

 

وحول ما يتعلق بضم المستوطنات لسيادة الدولة الفلسطينية المستقبلية، أشار قاسم إلى أن هذه الفكرة "مرفوضة سياسياً ودينياً، فإسرائيل لا تقبل إبقاء المستوطنين اليهود تحت حكم الدولة الفلسطينية المستقبلية، فبالتالي الحديث عن ضم المستوطنات للدولة الفلسطينية المستقبلية أمر مرفوض إسرائيلياً قبل نقاشه فلسطينياً".

وعلى الرغم من عدم استشارة المسيحيين الفلسطينيين في الخطوة التي قرأوها كغيرهم في وسائل الإعلام، إلا أن المسيحيين "دعموا التوجه نحو الدولة المدنية الديموقراطية من دون تمييز"، على حد تعبير كل من رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، الأب عطا الله حنا، ورئيس الهيئة الإسلامية ــ المسيحية حنا عيسى، في اتصالين مع "العربي الجديد".