رغم الاختلاف الظاهري للمسرحيات الثلاث التي صدرت حديثاً للكاتب المصري شريف عبد المجيد في كتاب عن دار "النسيم" في القاهرة بعنوان "حشو مؤقت"، إلا أنها تشترك جميعاً في إظهار حرص الكاتب على وضع نصوص بأقل قدر من التفاصيل، وبفصلٍ واحد، تتماشى مع الإمكانات المحدودة للفرق المسرحية المستقلة.
وثمة رابط آخر بين هذه الأعمال يتعلق بسياقها الدرامي، ويتمثل في ذلك الوهم الذى يسيطر على أبطال المسرحيات الثلاث، ويفرض نفسه على المشهد ككل؛ علماً أن درجة الوهم وطبيعته تتفاوتان من مسرحية إلى أخرى؛ وهم مرضي يدفع أصحابه إلى العيش في عالم افتراضي اختلقوه بأنفسهم كي يستطيعوا من خلاله التعايش مع هواجسهم ومعاناتهم الشخصية.
في المسرحية الأولى التي تحمل عنوان "الوصية"، يبرز هذا الوهم بقسوة من خلال شخصية سعاد، وهي سيدة أربعينية فاتها قطار الزواج وتعيش مع أمها بمفردها بعد أن هجرهما أخوتها لأسباب مختلفة، يتعلق أغلبها بالبحث عن لقمة العيش. وبسبب ارتباطها الشديد بأمها، ستتألم كثيراً حين تموت الأم وتتركها بمفردها؛ ألم قد يفسّر عدم إعلانها عن هذه الوفاة وصعوبة استيعابها حقيقة ما حدث.
وفي هذا السياق، ظلت سعاد تعيش مع جثة والدتها وتتعامل معها كما لو أنها لا تزال على قيد الحياة، فتحكي لزميلاتها في مصنع الملابس، حيث تعمل، عن يومياتها مع أمها ومعاناة الأخيرة مع المرض. وحين تسألها صاحبة المصنع يوماً عن أمها معربة عن رغبتها في زيارتها، تتعلل سعاد بحجج مختلفة ثم لا تجد في النهاية مفراً سوى التخلص من تلك السيدة بالقتل، حين تفاجئها بالزيارة وتكتشف حقيقة الأمر. وتتابع سعاد العيش مع الجثتين حتى يُكتشف أمرها، علماً أنها تظل على إنكارها لحقيقة وفاة أمها حتى النهاية.
المسرحية الثانية التي تحمل عنوان "حشو مؤقت"، فنتعرف إلى شخصين قررا في لحظة ما أن يكون لهما دور في تقويم المجتمع الذي يعتبرانه غارقاً في الانحلال والبعد عن الدين. ومن هذا المنطلق، يتّخذان لهما مكاناً نائياً داخل إحدى ورش الميكانيك المهجورة والقريبة من إحدى الطرق الصحراوية التي تفصل بين مدينتين، ويقرران تطبيق الشريعة كما يفهمانها على العابرين؛ ليجتمع في النهاية عدد من الأشخاص المختلفين في توجهاتهم الثقافية والشخصية في مكان واحد، ويواجهون معاً ذلك الخطر الذي يمثله قاطعا الطريق.
أما المسرحية الثالثة التي تحمل عنوان "كونشرتو الزوجين والراديو" فيتناول عبد المجيد فيها حياة زوج وزوجة داخل إطار خيالي إستعراضي. إذ يعيش كل منهما في وهم خاص يفصله تماماً عن الآخر، بينما تبدو الأطماع والإغراءات المحيطة بهما هي المحرك الرئيس لسياق الأحداث. فالزوج يمارس الكتابة ويتعايش مع مبادئه التي ترفضها الزوجة لأنها لا تتماشى مع مقتضيات العصر الاستهلاكي المليء بالمغريات.
وسرعان ما نكتشف أن الزوج يعيش حالة من الشلل الإبداعي، فهو لا يكتب شيئاً رغم الساعات التي يقضيها أمام الأوراق، بينما تعيش الزوجة في انتظار ضربة الحظ التي لن تأتي؛ انتظار سيزيد من نزعتها الاستهلاكية التي يرفضها الزوج في البداية، لكنه لن يبلث أن يتبعها على هذه الطريق العبثية مرغماً.
شريف عبد المجيد كاتب قصصي استهل تجربته الإبداعية كمصور فوتوغرافى حظيت صوره بعدد من المعارض الفردية. له فيلم عن الثورة المصرية تحت عنوان "غرافيتي"، كما صدرت له عدة مجموعات قصصية، منها: "مقطع جديد لأسطورة قديمة" و"خدمات ما بعد البيع" و"جريمة كاملة". و"حشو مؤقت" أولى تجاربه في الكتابة المسرحية.