شروق أمين: سنبني هذه المدينة على الفن والحبّ

21 نوفمبر 2014
الفنانة شروق مع الصحافي أنطوني داوني (العربي الجديد)
+ الخط -
حاولنا من خلال الحواجز والأبواب الحفاظ على تقاليدنا وقيمنا، قدر المستطاع. حقّقنا انتصاراً جزئياً، أبينا الاعتراف به، وعصفت بمجتمعاتنا العديد من الأمراض الاجتماعية، التي نفينا وننفي وجودها، ونحن على يقين أنّ إنكارنا لها، لن يُصلح الحال، بل يساهم بتشويه تلك الطبيعة الشّرقية العفوية والبسيطة. إنّ عجز مجتمعاتنا عن استيعاب التبدّلات التي طرأت عليها بسرعة، ورفض الاعتراف بها، أدّى إلى إصابتها بـ"مرض النفاق". 

من خلال هذا الواقع، سلّطت المجموعة الأخيرة لأعمال الفنّانة شروق أمين، السورية ـ الكويتية، الضوء على المجتمعات العربية وما يتستّر في جنباتها من أمراض اجتماعية، مثل زواج الصغيرات في المناطق المشتعلة بالحروب، ومشاريع البناء غير المنجزة، كمدينة الحرير، التي وعدت بإحياء البنية التحتية للكويت، وغيرها.

افتتح معرض أمين في العاصمة البريطانية لندن، في أيّام كاليري. وعلى الرغم من كل الأمراض الاجتماعية، إلاّ أنّ أمين لم تمح الأمل في عنوان المعرض الذي حمل اسم "سنبني هذه المدينة على الفن والحب".

يتميّز أسلوب أمين، بالحداثي، وتعكس لوحاتها صورة جريئة عن الواقع الذي تعيشه المجتمعات العربية. كما تُعتبر أمين وجهاً بارزاً في الفنّ الكويتي المعاصر. هي التي فازت بجائزة "فنّانة العام" عام 2013، التي منحتها إيّاها مؤسّسة "المرأة العربية".
كما كانت أوّل فنّانة كويتية تُعرض لوحاتها في مزادات "كريستيز"، وهي شركة مزاد عالمية شهيرة، تبيع رسومات لفنّانين مشاهير مثل بابلو بيكاسو وليوناردو دافينشي، مقرّها الرئيسي في لندن، كما أن لديها فروعاً في مختلف مدن العالم.

تحدّثت أمين بإسهاب عن الرّسالة التي أرادت إيصالها إلى العالم من خلال فنّها، وبدأت تشرح مغزى تلك اللوحة التي تجسّد صورة عائلة عربية، حيث غطّت وجه كلّ فرد منها بوردة. قالت أمين، إنّنا نعشق الأقنعة، ونعيش أسلوبين مختلفين من الحياة. واحدة خاصّة بنا نخفيها عن العامّة وأخرى تتماشى مع متطلّبات المجتمع، نعلنها للملأ.

"لأنّني أحب وطني، أعمل جاهدة على تغيير المفاهيم الخاطئة. لو كان ابني مريضاً لما تجاهلته، بل كنت اعتنيت به حتّى يتعافى ويتماثل للشفاء"، هكذا عبّرت أمين عن حبّها لوطنها، لافتة إلى أنّها حين تتناول المسائل في وطنها، إنّما تسعى إلى معالجتها لا إلى التّشهير ببلدها.

استطردت أمين، أنّنا لا نستطيع التطوّر إن لم نطرح المشاكل للنقاش والمعالجة، مثلاً مسألة الكحول المحرّمة في غالبية الدول الخليجية، فالتحريم لا ينفي تعاطيها داخل تلك الدول وإدمان عدد لا يُستهان به عليها من أبنائنا.
تساءلت أمين: "كيف يمكننا معالجة المشكلة، حين نرفض التصريح بها"؟ واستدركت أنّها لا تعني السّماح بتعاطي الكحول، بل الاعتراف بوجود تلك المعضلة بهدف حلّها.

انتقلت بعدها إلى الحديث عن السينما في الكويت، حيث لم يكن هناك رقابة على الأعمار قبل عام 2014. وكان يُسمح لمَن هم دون الثامنة عشرة بمشاهدة جميع الأفلام المعروضة في صالات السينما، حتّى لو كانت مشاهد عنف وقتل وقطع رؤوس وذبح، مع رقابة مكثّفة على مشهد تمرّ فيه صورة قبلة. أسفت أمين على المبدأ أو المفهوم الذي ينشأ عليه أولادنا، والرسالة التي تقول لهم إنّ الحب محرّم والعنف مقبول.

"أمّا الربيع العربي، فهو إرادة الشعوب في التعبير عن آرائها. جميل أن نبدأ ثورة ونحاول التخلّص من ديكتاتور، لكن وجب أن يكون لدينا البديل أو خطّة واضحة". هكذا وصفت أمين الثورات في العالم العربي.

وكان للشخصية المزدوجة نصيباً مع أمين، حين تطرّقت إلى بعض الأشخاص الذين يظهرون الالتزام الديني، بينما يقومون بأمور مناقضة لدينهم في الخفاء.
فضّلت أمين عالم الفن على السياسة، بعدما عُرض عليها منصب سياسي، ذلك لإيمانها بأنّها تمتلك حريّة أكبر في التعبير من خلال لوحاتها، بيد أنّ دخولها الميدان السياسي سيحرمها من القيام بالكثير، "ربّما من خلال الفن لا أقوم بما يكفي، ولكنّني ألقي الضوء على الأمور التي تواريها مجتمعاتنا وأطرحها للنقاش. فمسألة زواج القاصرات في غاية الأهمية وتتعلّق بملايين منهنّ، وذلك وفق تقرير صادر عن اليونيسف جاء فيه أنّ 67 مليون فتاة تزوجت قبل بلوغ الثامنة عشرة عام 2010". تناولت أمين تلك القضية، بعدما شعرت بالغضب لدى سماعها قصّة فتاة تزوّجت في سن التّاسعة وحملت في العاشرة. وذكرت أنّ نسبة تلك الزيجات ارتفعت مع بداية الحرب، والوضع الاقتصادي السيئ دفع بالكثير من العائلات إلى بيع بناتها لتحسين أوضاعها. أرادت أمين خلق خيارات أخرى لتلك العائلات تحلّ مشاكلها وتكون البديل عن التضحية بفتياتها.

أمين في الكويت هي المرأة وليست الفنّانة، أمّا في الخارج فهي الفنّانة، وذلك بعد أن مُنعت من عرض لوحاتها هناك، كما هُدّدت بالسّجن. بيد أنّ إسكات أي شخص في عصر التّكنولوجيا بات شبه مستحيل، لذلك لم يتمكّنوا من منعها عن إيصال صوتها إلى العالم. أمين، التي حلمت بتغيير العالم منذ سن التّاسعة، كان لديها دائماً رؤية واضحة وهامّة، على حدّ تعبيرها، وتؤمن بقدرتها على إحداث التغيير، كما تطمح إلى فتح مؤسّسة تعليمية خاصّة قريباً، تُحدث ثورة في تبديل وجه التعليم عالمياً.

وعن ردّات فعل الناس في بلدها تجاه فنّها وأفكارها، تشير أمين إلى أنّ تعرّض أبنائها في المدرسة إلى مضايقات، دفعها إلى نقلهم إلى مدرسة أخرى. لكن الأمور تحسّنت منذ عامين وبات هناك تقبّل لأفكارها وفنّها أكثر من ذي قبل.

تعكس رسومات أمين الوجوه الخفيّة الموجودة في غالبية مجتمعاتنا العربية، وتخلع عنها تلك الأقنعة أحياناً مع تسليط الضوء عليها أحياناً أخرى لتظهر بجلاء مرسومة على محيّانا، حيث لا يمكننا إنكارها. كما توحي العديد من اللوحات الموجودة في المعرض بالأمل، ومنها صورة لأطفال وفراشات وورود وملائكة، أرادت من خلالها أمين أن تقول إنّ الأجيال الجديدة ستصلح ما أفسدناه.
المساهمون