شروط رحيل المالكي والبديل الصعب

23 يونيو 2014
المالكي لن يرحل بسهولة ( Getty)
+ الخط -

تزامن إعلان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عن عدم إرسال قوات برية للقتال مع الجيش العراقي ضد المسلحين الذي يسيطرون على مناطق شاسعة في شمال وغرب العراق، مع تصاعد الأصوات التي تنادي برحيل رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي، لأنه، برأي كثر، فشل في حكم العراق، وتسبّب بإثارة الأزمات.

ولم تصدر الأصوات العراقية المطالبة برحيل المالكي من المكون العربي السني وحده، وإنما أيضاً من قوى شيعية، على الرغم من توحدها وراء شعار "محاربة الارهاب"، على أثر فتوى المرجع الديني علي السيستاني. وذهبت شخصيات شيعية، مثل جعفر الصدر، نجل رجل الدين ومؤسس حزب الدعوة، محمد باقر الصدر، والمرجع محمد اليعقوبي، الأب الروحي لحزب الفضيلة، الى الدعوة لـ"تشكيل حكومة وحدة وطنية من دون المالكي، والتفريق بين داعش واصحاب المطالب السياسية من العرب السنّة".

من جهته، كان موقف التحالف الكردستاني واضحاً منذ بداية الأزمة، واعتبر أن "المالكي فشل في إدارة الحكم ويجب عليه الرحيل"، بل وهدد بعض الأحيان بانفصال الإقليم إذا لم يرحل المالكي.

أغلب الظنّ أن الولايات المتحدة وصلت إلى قناعة بأن القوات الأمنية العراقية غير مؤهلة للقيام بطرد المجموعات المسلحة من المدن التي استولت عليها أخيراً، وخصوصاً أن هذه القوات لم تتمكن، طيلة أكثر من ستة أشهر، من السيطرة على مدينة الفلوجة الصغيرة، التي لا تزيد مساحتها على 40 كيلومتراً.

وبعدما أجمعت الفصائل غير المتشددة من ضمن المجموعات المسلحة، على رفضها التعامل مع حكومة المالكي، وأنها ستمنع الجيش من العودة الى مدنها، يجري الحديث عن إعادة تطبيق مشروع الجنرال الأميركي، ديفيد بترايوس، القائم على فتح مفاوضات مع الفصائل المسلحة، وإقناعهم بطرد "داعش" من دون تدخل الجيش العراقي. وقد نجح الجنرال بترايوس، الذي كان قائداً لقوات التحالف في العراق، في مشروعه هذا قبل سنوات، وبفضله طردت مجالس الصحوات، التي شكلتها العشائر السنية، تنظيم القاعدة من العراق في نهاية 2010. وبدأ بترايوس يظهر في وسائل الأعلام بكثرة في الآونة الأخيرة، منتقداً حكومة المالكي ومشدداً على ضرورة إعطاء العرب السنّة في العراق حقوقهم لحل الأزمة.

اليوم، يتّفق كثيرون، من عراقيين وعرب وأجانب، على أن الحل السياسي بتشكيل حكومة جديدة يبقى الخيار الأفضل لحل الازمة الحالية في بلاد الرافدين. ولتشكيل الحكومة في إطار الاستحقاقات الانتخابية التي أفرزتها الانتخابات التشريعية في نهاية أبريل/ نيسان الماضي، وضمن السياقات الدستورية، يجب أولاً انعقاد الجلسة الاولى للبرلمان، التي يتم بموجبها الاتفاق على الرئاسات الثلاث (رئاسة البرلمان، رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس الوزراء). ويتوجب على المرشحين الفائزين انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، ومن ثم انتخاب رئيس الجمهورية، بعدد ثلثي الاصوات، وإذا لم يحصل أي مرشح على هذه الاصوات، يعاد التصويت ويمرر بغالبية الأصوات، أي 165 (نصف+1). ويتوجب على رئيس الجمهورية المنتخب عندها، تكليف مرشح أكبر كتلة (تتشكل بموجب تحالفات) بتشكيل الحكومة. وهنا تكمن المشلكة، لأنه حتى اللحظة، لم تُشكل مثل هذه الكتلة.

ويرى مراقبون أن انعدام الثقة بين الكتل السياسية، يجعل الاتفاقات في ما بينها، وانعقاد الجلسة الأولى، أمراً صعباً. ويقول المستشار في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، يحيى الكبيسي، إنه "حتى وإن انعقدت هذه الجلسة، تحت ضغوط إقليمية ودولية، يتوقع أن تستمر شهوراً طويلة، وهو ليس خياراً مجدياً، في ظل التدهور الأمني السريع الذي يشهده العراق". ويرى الكبيسي أن "الدستور هو أصلاً معطل بسبب اختراقات المالكي له". ويشير الى أن المالكي لا يسمح بانعقاد الجلسة الاولى للبرلمان، "وقد تحدث بصراحة عن وجود مَن يسمّيهم الخونة والمجرمين في داخل العملية السياسية، وهو تهديد باعتقال المرشحين الفائزين المعارضين له، كي يدفعهم الى عدم حضور هذه الجلسة".

ويرى آخرون أن انعقاد الجلسة الأولى لتشكيل الحكومة، هو أصلاً أمر غير قانوني وغير دستوري، لأن المحكمة الاتحادية لم تصادق حتى الآن على أربعة نواب فائزين في الانتخابات، ومعنى ذلك أن أي دعوة لعقد جلسة تُعدّ مخالفة دستورية، لأنه لا تجوز دعوة برلمان غير مصادق على كل أعضائه، البالغ عددهم 328.

يتحدث عدد كبير من سياسيين ومراقبين في الوسط العربي السني، أن تشكيل حكومة توافقية من دون المالكي، سيفضي الى توقف الفصائل المسلحة غير المتشددة، عن القتال، وإلى عدم التعاطف مع تنظيم "داعش"، الذي استغلّ استياء العشائر السنية من سياسات حكومة المالكي ضدها وكرهها للجيش. لكن يرى بعض المراقبين أنه لا توجد مؤشرات على أن المالكي سيرحل بسهولة، في ظل تضاؤل النفوذ الأميركي في العراق.

ويقول البروفيسور توبي دوج، الذي ألّف كتاباً عن "الحكم الدكتاتوري للمالكي" تحت عنوان "العراق: من الحرب إلى الدكتاتورية الجديدة"، إن "المالكي يمكن أن يذهب في حالة واحدة، وهي اختيار البديل من داخل الائتلاف الشيعي، وبالتحديد من قائمته (دولة القانون)، وبمباركة المرجعية الشيعية الدينية في النجف".