لكن المعلم حدّد مجموعة من الشروط لقبول المبادرة، أولها أن "يضمن دي ميستورا موافقة الفصائل الموجودة في مدينة حلب على تجميد الصراع، والبقاء في المدينة وتسوية أوضاعها، إضافة إلى عودة الإدارة المحلية بسلطاتها المتنوعة وقوات حفظ النظام إلى الأحياء التي يسيطرون عليها الآن". ومن شروط المعلم، أيضاً، "تسهيل وصول المساعدات الغذائية عبر الطريق الدولي الواصل بين دمشق وحلب، وتسليم هيئات المجتمع المدني التابعة للنظام السوري توزيع هذه المساعدات"، كما أعلن في مقابلة للتلفزيون الروسي أثناء وجوده في موسكو.
وبهذه الشروط، يجعل المعلم خطة دي مستورا أقرب إلى التعجيزية، إذ جاءت بعيدة عن مضمون المقترح القائم أساساً على تجميد مناطق الصراع، وقاربت تسوية أوضاع أشبه بالهدن البسيطة التي عمد إليها النظام مع بعض الفصائل في محيط مدينة دمشق.
كما أن عودة الإدارة المحلية بسلطاتها وقوات حفظ النظام إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة أشبه بالسخرية، إذ تعني هذه الشروط تسليم مناطق الصراع وليس تجميدها، كما أن النظام من خلال شرطه الأخير في تسليم هيئات المجتمع المدني التابعة له صلاحية توزيع المساعدات يلغي دور المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
ويبدو أن الرئيس السوري، بشار الأسد، يصرّ من خلال تحديد تلك الشروط، على الاستمرار في سياسة الاستنزاف التي اتّبعها على الأرض، ولكن النظام يعلم أن المعارضة المسلّحة في حلب لن توافق على هذه الشروط، وهو في المقابل يقدّم نفسه كطرف إيجابي في أي مقترح دولي، فيعمد إلى التفاوض ووضع الشروط من منطق الاستنزاف السياسي أيضاً، بدليل أن موقف المجلس العسكري في حلب من المبادرة كان واضحاً وشروطه كانت مستحيلة التنفيذ بالنسبة للنظام.
ووضع رئيس المجلس العسكري في حلب العميد، زاهر الساكت، أربعة شروط للموافقة على خطة دي مستورا، وهي انسحاب جميع المليشيات الأجنبية خارج سورية، ووقف القصف اليومي لقوات النظام على المدينة، خصوصاً عبر البراميل المتفجرة، وتسليم المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية للمحكمة الدولية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين لدى النظام، وخصوصاً النساء.
أما على الأرض، فلكلا الطرفين نقاط ضعف ونقاط قوة، فالمعارضة المسلّحة تمكنت منذ أيام عدة من السيطرة على منطقة حندرات الاستراتيجية، وأمّنت عدم محاصرة حلب، لكن جاء ذلك على حساب فقدانها العديد من المناطق في ريف إدلب لمصلحة "جبهة النصرة"، وبالتالي فإن تجميد القتال في حلب سيجعلها تتفرّغ لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"النصرة" في ريف حلب وإدلب.
أما النظام السوري فهو يعاني في الجنوب، وظهر هذا بشكل واضح في درعا، حيث سيطرت المعارضة على أجزاء واسعة في تل الحارة والشيخ مسكين، وأصبحت أقرب من أي وقت مضى إلى دمشق.
وفي حال تطبيق خطة دي مستورا، سيعمل النظام على نقل معاركه إلى الجنوب لتأمين مداخل العاصمة والمحافظة على مركز الحكم، والتركيز سياسيّاً على منع إنشاء أي مناطق آمنة في شمال سورية تقترح فرنسا وتركيا إقامتها، وهذا ما عبّر عنه المعلم بقوله إن "الخرق الآن من الجو (التحالف الدولي)، وهو ما يمكن معالجته مستقبلاً، لكن الخطر في الخرق الأرضي الذي تنوي تركيا إقامته عبر المناطق العازلة".
وسيعمل المبعوث الدولي على استغلال تلك النقاط للضغط على الطرفين من أجل إتمام صفقته، وإنجاح أول مبادرة لوقف القتال في سورية بين النظام والمعارضة منذ بدء الأحداث في عام 2011، وإعادة الحياة إلى ثاني المدن السورية، والحفاظ على ما تبقى من منشآت الدولة.
وتعليقاً على موافقة نظام الأسد المبدئية على مقترح المبعوث الأممي، رأى عضو الائتلاف الوطني السوري، برهان غليون، أنه "من الطبيعي أن يتحمّس الأسد لمثل هذا المخطط الذي يأتي ليكمل عمله التدميري، ويؤمن استمراره، بتكريس تقسيم الأمر الواقع للبلاد بينه وبين الثوار، مع احتفاظه بالجزء الأساسي من الدولة ومواردها ورموزها، وتركه سائر المناطق هدية مسمومة للثوار تتنازع عليها مع "داعش" والقوى المتطرفة الأخرى، وتأكل بعضها بعضاً فيها".
ولفت غليون إلى أنه "ليس من قبيل المصادفة أن يختار دي ميتسورا مدينة حلب، ويركّز عليها". مشيراً إلى أنه "بتجميد القتال في حلب يسمح لنظام الأسد الإيراني أن يستجمع قواه من أجل القضاء على معاقل الثوار في الغوطة الشامية، وينظف منطقته من الثوار نهائيّاً".
واعتبر أن "مشروع دي ميتسورا هو طوق النجاة لنظام الأسد المتهاوي والمهدد، الذي يأتي في اللحظة المناسبة، وهو الضربة القاضية التي يريدها حلفاؤه للثورة وأهدافها"، مشيراً إلى أن "ليس في المبادرة أي مشروع لحل سياسي".
وكان المبعوث الأممي قدّم في 31 أكتوبر/تشرين الأول "خطة تحرك" بشأن الوضع في سورية إلى مجلس الأمن الدولي، تقضي "بتجميد" القتال في بعض المناطق وبالأخص في مدينة حلب، للسماح بنقل المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والتمهيد للبدء في مفاوضات سياسية.