حصل "العربي الجديد" على ملف فساد على مكتب النائب العام المصري، المستشار نبيل صادق، يكشف عن تورط شركات مقاولات، بالتواطؤ مع نقيب المحامين سامح عاشور ومسؤولين بالنقابة، في تشكيل لوبي للاستيلاء على أرض ووحدات سكنية مخصصة للمحامين، وبيعها لغير المحامين لتحقيق أرباح بقيمة مئات الملايين من الجنيهات، بشكل مخالف للقوانين.
تفاصيل الملف، الذي تجري حالياً تحقيقات مكثفة فيه من النيابة العامة، ومباحث الأموال العامة بوزراة الداخلية، تكشف عن قيام شركة "جاردنز للاستثمار العقاري والتسويق"، بالاستيلاء على أرض مدينة المحامين السكنية في منطقة 6 أكتوبر غرب القاهرة، والمخصصة لإنشاء وحدات سكنية للمحامين وأسرهم، وتحويلها إلى تجمع "كمبوند" استثماري سياحي باسم "إميرالد سيتي".
كما قامت الشركة، وفق التحقيقات، ببيع الوحدات السكنية فيه لغير المحامين، وذلك بالمخالفة للقانون وقرار تخصيص الأرض، بالتواطؤ مع مسؤولين بنقابة المحامين، وذلك بأسعار 600 ألف جنيه للوحدة السكنية الواحدة، بإجمالي استثمارات خاصة للشركة بلغت قيمتها نحو 300 مليون جنيه.
بداية اكتشاف الواقعة عن طريق المصادفة من خلال إعلان شوهد من قبل بعض المحامين الذين سبق لهم أن حجزوا وحدات سكنية في مدينة المحامين والمسؤولين عنها، وفي مقدمتهم محمد سعد عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة المدينة، وطارق عثمان عبد ربه عضو مجلس الإدارة، حيث تم اكتشاف صفحة على فيسبوك باسم مشروع "إميرالد سيتي"، تروج لبيع وحدات سكنية استثمارية على نفس عنوان أرض مدينة المحامين السكنية، وتحديداً في التوسعات الشمالية أمام مدينة "البشائر".
وبتتبع الصفحة والاتصال بأرقام هواتفها المدونة في الإعلان، تبين أن هناك شقتين باسم شركة تدعى "جاردنز للاستثمار العقاري والتسويق" داخل مقر المدينة السكنية للمحامين، حيث اتضح أن الشركة اتخذت الشقتين مقرها، وبدأت منهما أعمال النصب وبيع وحدات المدينة السكنية المخصصة للمحامين للمواطنين العاديين من غير المحامين كاستثمار عقاري.
وأظهرت التحقيقات أيضاً أن الشركة نفسها قامت بتأجير مقر لها داخل مول "أركان" بمدينة الشيخ زايد، وتحديداً في المبنى رقم 4 بالمول في الطابق الرابع، وأطلقوا على أرض مدينة المحامين السكنية اسم كمبوند "إميرالد سيتي"، وحددوا سعر الوحدة السكنية فيه في 600 ألف جنيه.
كما قامت الشركة بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحت اسم "إميرالد سيتي"، ووضعت أرقام هواتف "محمولة" موهمة المواطنين بملكية كاذبة للأرض مع عرض خاص لفترة محددة يسمح بشراء شقة بسعر 570 ألف جنيه بدلاً من 600 ألف جنيه مع مقدم في حدود 57 ألف جنيه.
وبالاتصال بالأرقام المنشورة على الصفحة سالفة الذكر، يتم إبلاغ المتصل بأن المشروع داخل أرض المحامين، ثم تقوم الشركة بإيفاد المواطنين إلى مقر الشركة بمدينة المحامين، لإيهامهم بأن للشركة مقراً رسمياً في عين المكان، وأنها تملكت الشركة من نقابة المحامين، بدون منازعة، ثم يدفع المواطن الذي يقتنع بجدوى شراء شقة بدفع مقدم 10%، أي ما يعادل 57 ألف جنيه للشركة.
وبناء على هذه المعطيات، قام رئيس مجلس إدارة مدينة المحامين السكنية، محمد سعد، وبعض أعضاء الجمعية العمومية، بزيارة أحد الأعضاء لمقر الشركة بمول "أركان" بمنطقة الشيخ زايد، للتأكد من عملية النصب، وتم بالفعل رصد الأمر على أرض الواقع والحصول على كافة الرسوم الهندسية التي تؤكد بيع الوحدات السكنية الخاصة بمدينة المحامين.
إثر ذلك، توجه نحو 50 محامياً إلى قسم شرطة أكتوبر، وحرروا المحضر رقم 6536 لسنة 2016 إداري أكتوبر، بالواقعة واتهموا فيه رئيس الشركة بالنصب والاحتيال وبيع الوحدات السكنية للمحامين.
وبعد تحرير المحضر، توجهت قوة من قسم شرطة أكتوبر إلى مقر المدينة السكنية للمحامين، وتحديداً شركة "جاردنز للاستثمار العقاري والتسويق"، لمعاينة الأمر على أرض الواقع، ليتم القبض على مسؤولي التسويق في الشقتين اللتين اتخذتهما الشركة مقرها، وهما "محمد .ب"، و"عبدالله.م"، واقتيادهما إلى النيابة العامة وعرضهما على وكيل النائب العام المستشار محمد الأنصاري، وكيل نيابة أكتوبر، للتحقيق معهما واستجوابهما، والذي قرر بعد العرض على المستشار، علاء سمير، رئيس نيابة أكتوبر أول، والعرض على النائب العام، حجزهما لحين ورود تحريات المباحث حول الواقعة.
وتوالت بعد ذلك المحاضر والبلاغات من قبل المحامين الحاجزين للوحدات السكنية في مدينة المحامين، وذلك على مدار الأسبوعين الأخيرين، لتتجاوز 25 بلاغاً بأسماء مجمعة للمحامين المتضررين، وأبرزها المحاضر التي حملت الأرقام 6622 إداري أكتوبر، و35 أحوال أكتوبر، و56 أحوال أكتوبر، بخلاف البلاغات المقدمة للنائب العام المصري، المستشار نبيل صادق، والرقابة الإدارية.
وتبين من المحاضر والتحقيقات أن عدد المحامين الذين تضرروا من جراء الواقعة يناهز 1500 محام كانوا حجزوا بالفعل وحدات سكنية في مدينة المحامين في منطقة 6 أكتوبر، حيث سدد بعضهم قيمة الوحدات كلها، في حين اكتفى بعضهم بدعم المقدم المحدد في 10% من قيمة عقد شراء الشقة.
وأظهرت المحاضر والتحقيقات أيضاً، أن شركة "جاردنز للاستثمار العقاري والتسويق" قامت بتحصيل مقدمات حجوز عن وحدات سكنية، بمبلغ 35 مليون جنيه، حتى الآن، وأن المشروع الذي يروجون له والذي يحمل اسم كمبوند "إميرالد سيتي" يضم 480 وحدة سكنية كانت معروضة للبيع بـ600 ألف جنيه للوحدة.
ووفق هذه الأرقام، يصل إجمالي قيمة الوحدات السكنية في المشروع إلى 288 مليون جنيه، حيث تم بالفعل الانتهاء من حجوزات المرحلة الأولى والحصول على أموالها من المواطنين من غير المحامين، وفي طريقهم حالياً لحجوزات المرحلة الثانية في المدينة.
وكشف مسؤولو الشركة، خلال التحقيقات، أن الشركة تقوم بالترويج للوحدات السكنية التي تم بيعها لها من شركة التيسير، والتي تدخل في شراكة معها في ذات الوقت، وأنها تمتلك 28 فدانا من أصل 880 فداناً المخصصة لمدينة المحامين، وأنها تملكتها بموجب عقود مع شركة التيسير.
وقد استدعت النيابة العامة نقيب محامي الجيزة لسماع أقواله في الواقعة، إلا أنه لم يستجب للاستدعاء بعد أن تبين تواطؤه مع شركة "التيسير" وشركة "جاردنز" في الاستيلاء على أرض النقابة، بمباركة من نقيب المحامين ذاته سامح عاشور والمشارك في "لوبي فساد" الاستيلاء على أرض المحامين.
وأوفد نقيب محامي الجيزة بدلاً منه محاميين عن النقابة، إلا أن النيابة أصرت على حضوره شخصياً وجددت قرار استدعائه، كما كلفت مباحث الأموال العامة والجهات الرقابية المختصة، بالتحري والتحقيق حول الواقعة للكشف عن جميع المتورطين فيها.
كما تبين أن شركة "التيسير" التي يمتلكها رجل الأعمال محمد فكري، والتي زعمت شركة "جاردنز للاستثمار العقاري والتسويق" شراء الوحدات منها قبل البدء في تسويقها، قد صدر لها أساساً قرار من هيئة مفوضي الدولة، بمجلس الدولة، يوصي ببطلان تعاقدها مع نقابة محامي الجيزة، وذلك بعد أن منحها نقيب محامي الجيزة محمود محمد الداخلي، حق إنشاء المدينة السكنية للمحامين بمدينة 6 أكتوبر، بشكل غير قانوني بموافقة نقيب المحامين، مقابل حصولهما على عمولات وانتفاعات ومصالح شخصية.
وجاء قرار بطلان التعاقد لعدة أمور بينها بطلان عقد الجمعية العمومية المخصصة لذلك، بخلاف أن مالك شركة التيسير، متهم في نحو 32 قضية نصب وأموال عامة وإصدار شيكات بدون رصيد، وصدرت ضده أحكام بالإدانة والسجن، كما أنه يدّعي أنه مهندس، على الرغم من أن بطاقته الشخصية تفيد أنه "بدون عمل".
كما تبين التشطيب على الشركة من عضوية الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، بقرار من الجمعية العمومية للاتحاد في عام 2010، وذلك لعدم إيفائها بالتزاماتها القانونية، وأن الشركة كانت مقيدة بالاتحاد، كمبتدئة "فئة سابعة"، ما يخالف الأوراق والشهادات التي قدمتها الشركة للمناقصة، ما يؤكد وجود تزوير في الملف المقدم للنقابة، والذي تم التواطؤ عليه من أجل العمولات، والتربح الشخصي.