بينما قدر صندوق النقد الدولي في تقريره مساء الأثنين، أن تبلغ خسائر الدول العربية النفطية من دورة انهيار النفط خلال العام الجاري نحو 270 مليار دولار، كسبت بعض الشركات العالمية الوسيطة في تجارة النفط ومصارف وصناديق استثمارية عشرات مليارات الدولارات من المضاربة خلال دورة تحطيم الأسعار التي بدأت بالحرب النفطية بين الرياض وموسكو في شهر مارس/آذار الماضي وبلغت ذروتها في 20 إبريل/ نيسان الماضي.
من بين الشركات التي أعلنت عن حصد أرباح من دورة انهيار النفط، شركة غنفور، كبرى شركات الوسيطة في تجارة النفط، وكل من شركتي ميركوريا وترافيغورا، وهي شركات تقع مقارها في سويسرا وتتخصص عالمياً في تجارة النفط ومشتقاته.
كذلك أعلن مصرف "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي عن جني أرباح من دورة الانهيار من المضاربة على أسهم وسندات الشركات النفطية ومن المتاجرة على عقود النفط المستقبلية.
كما أن من بين الشركات وصناديق الاستثمار التي وظفت بذكاء دورة الانهيار لجني الأرباح، شركة " بارتنرز أنتوني دويل" الأميركية، وشركة "كين زياو" وصندوق "ميرشانت كوميدتي فاند" في لندن التي ربحت من توقعاتها جفاف الطلب على مشتقات الغازولين والبنزين خلال الربع الثاني من العام.
كما ربحت كذلك شركات الناقلات النفطية التي استخدمت حاوياتها في تخزين النفط العائم في البحار في وقت كانت فيه شركات المتاجرة في النفط تدفع أسعارا مرتفعة لاستئجار مخازن النفط.
وهنالك قائمة طويلة من الرابحين من المضاربة على تجارة النفط ومشتقاته خلال دورة الانهيار الأخيرة، لكن في المقابل هنالك قائمة أطول من الخاسرين وعلى رأسهم شركات النفط الصخري الأميركي والدول العربية المنتجة للنفط، وشركات الطاقة الكبرى التي اضطرت لاتخاذ إجراءات قاسية للإفلات من هاوية الإفلاس خلال الشهور الماضية.
على صعيد الرابحين، يقول تقرير لنشرة " أويل برايس" الأميركية، أن من بين الشركات التي كسبت من تخزين الخامات النفطية شركة غنفور التي تمكنت من تخزين كميات كبيرة من النفط مستفيدة من الناقلات التي تملكها وتلك التي استأجرتها مسبقاً والبالغ عددها 100 ناقلة، حسب ما ذكرت في تقرير عن نتاجها الفصلي.
وقالت الشركة في تعليق عن النتائج الفصلية الجيدة التي تمكنت من تحقيقها في تجارة النفط ومشتقاته، " ظل أداؤنا التجاري قوياً في جميع المناطق الجغرافية". ولكنها ذكرت أن قطاع المصافي في أوروبا يشكل تحدياً لها.
يذكر أن الشحنات العائمة في البحار قدّرها معاهد طاقة أميركية في شهر إبريل / نيسان الماضي بحوالى 180 مليون برميل. وهذه الشحنات تم شراؤها بأسعار منخفضة جداً بعضها أقل من 10 دولارات. لكن الشحنات العائمة تراجعت خلال شهر يونيو/ حزيران بسبب تحسن أسعار النفط، مما دعا العديد من الشركات لبيع جزء كبير من نفطها العائم في البحار.
وحسب نشرة " أويل برايس" الأميركية تمكنت غنفور من تحقيق أرباح أعلى من الأرباح التي حصدتها في العام الماضي والبالغة 20 مليون دولار، وذلك على الرغم من الاضطراب الذي حدث في تجارة النفط.
من جانبه قال مصرف غولدمان ساكس الاستثماري، الذي يملك واحدة من أكبر الوحدات المصرفية في تجارة النفط ومشتقاته، إن وحدة تجارة الطاقة بالمصرف جنت أرباحاً بلغت مليار دولار خلال العام الجاري.
وحسب بيانات وكالة بلومبيرغ الأميركية، فإن معظم هذه الأرباح تحققت من عملياته التجارية خلال شهر إبريل/ نيسان، وهو الشهر الذي شهد ذروة انهيار النفط. وكانت أسعار النفط قد تراجعت إلى أقل من الصفر ولأول مرة في تاريخ الصناعة النفطية خلال شهر إبريل الماضي.
وفي 20 إبريل اضطرت شركات النفط الصخري الأميركية لدفع أموال للتخلص من شحناتها بعد امتلاء خزانات الخامات بميناء تسليم العقود المستقبلية في منطقة كاشينغ بولاية أوكلاهوما.
وربما تكون النتائج الأخيرة القوية التي أعلن عنها مصرف "غولدمان ساكس" يوم الأربعاء ورفعت أداء وول ستريت أكبر دليل على استفادة المصرف من دورة انهيار أسعار أسهم الطاقة في سوق "وول ستريت" وتجارة صفقات النفط المستقبلية. إذ رفعت نتائجه القوية من مؤشرات سوق المال الأميركية الأربعاء.
ومصرف "غولدمان ساكس" من المصارف التي توقعت انهيار أسعار النفط، وبالتالي تمكنت من التخلص مبكراً من ركام العقود النفطية المستقبلية التي كانت لديها قبل بدء دورة الانهيار.
كما ربح المصرف كذلك من المضاربة على أسهم شركات الطاقة في " وول ستريت"، إذ تمكن من شرائها حينما بلغت أسعار الخامات ذروة الحضيض واضطرت بعض المؤسسات المالية والصناديق للتخلص من سندات شركات النفط الصخري المفلسة وعرضتها للبيع بحسومات كبيرة. كما استفاد المصرف الاستثماري من خبراته الواسعة في التسويق والمتاجرة في أسواق المال العالمية.
وفي ذات الشأن قالت نشرة "ماركت ووتش" الأميركية، إن صندوق ميرشانت كوميدتي فاند" الذي يوجد مقره في لندن قد حصد أرباحاً كبرى من مبيعات المشتقات النفطية، وساهمت هذه المبيعات في ارتفاع أرباحه بنسبة 34% خلال العام الجاري.
ونسبت النشرة إلى الشريك في الصندوق، دوق كينغ قوله، "إن خبرتنا العملية وليست الورقية في سوق المشتقات ساعدتنا في قراءة توجهات السوق".
ولاحظ خبراء في تجارة النفط ومشتقاته أن معظم الوسطاء والشركات التي حققت ارباحاً من تجارة النفط عند دورة الانهيار النفطي، بنت حساباتها حينما تفجرت الحرب النفطية بين الرياض وموسكو في مارس/آذار 2020 على أساس أن الطلب النفطي العالمي سينهار بسبب تكاتف عوامل إغراق السوق بالخامات من قبل شركة أرامكو السعودية وتداعيات جائحة كورونا التي أدت لاحقاً لإغلاق الاقتصادات الكبرى المستهلكة للنفط.
وكانت شركات النفط الصخري الأميركية قد واصلت الإنتاج بشكل عادي ولم تضع في حساباتها زيادة إنتاج النفط السعودي إلى 12.5 مليون برميل يومياً وما تلا ذلك من استئجار شركة النفط السعودية للناقلات النفطية لتحميله إلى أسواق. وهو ما تسبب بأزمة إغراق السوق بالمعروض النفطي، في وقت غاب فيه المشترون وعلى رأسهم شركات المصافي الأميركية والأوروبية. وكانت النتيجة امتلاء المخازن النفطية في أميركا، بينما هرع المضاربون للبحث عن مخازن للشحنات المحملة في الناقلات المستأجرة والمعروضة بسعر بخس جداً، وهو ما أدى إلى انهيار أسعار النفط إلى ما تحت الصفر.
وفي ذات الشأن، يرى محللون أن المصارف والشركات التي توقعت انهيار الطلب العالمي على النفط والمشتقات بسبب المزيج الخطر المكون من "إغراق أرامكو بالخامات وتداعيات إغلاق الاقتصادات المستهلكة الكبرى للمشتقات" هم الذين حققوا الأرباح، إذ إنهم تمكنوا من بيع حيازاتهم من العقود المستقبلية قبل دورة الانهيار واستأجروا بثمنها الناقلات لتحميل شحنات النفط العائمة.
كذلك ربحت الشركات والمصارف التجار التي توقعت تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنقاذ صناعة النفط الصخري من الإفلاس بالضغط على الرياض وموسكو بالعودة لطاولة المفاوضات وإجراء الخفض التاريخي الحالي البالغ 9.7 مليونات برميل يوميا والذي خفضته "أوبك+" يوم الأربعاء إلى 7.7 ملايين برميل يومياً. ومن بين المصارف التي توقعت ذلك مصرف " غولدمان ساكس".
وربحت هذه الشركات مليارات الدولارات من ارتفاع أسعار أسهم شركات الطاقة في سوق "وول ستريت" بعد انهيارها في إبريل/ نيسان. ويذكر أن أسعار أسهم شركات الطاقة في أميركا خسرت خلال أسبوع واحد نسبة 24% من قيمتها خلال شهر الانهيار الكبير في إبريل.
وقدرت وكالة بلومبيرغ وقتها هذه الخسائر بنحو 196 مليار دولار. وخسرت أسهم شركات الطاقة الكبرى، وهي "أوكسيدنتال" و"أباتشي" و"أونوك" و"نوبل إنرجي" و"هاليبرتون"، بين أسهم شركات الطاقة، في المتوسط نحو 45% على الأقل من قيمتها.