شركات أميركية في الخرطوم للاستثمار في الصمغ العربي

29 يونيو 2017
غابات صمغ في السودان (Getty)
+ الخط -
كشف الأمين العام لمجلس الصمغ العربي في السودان، عبد الماجد عبد القادر، لـ "العربي الجديد"، عن وصول شركات أميركية إلى السودان، طلباً للاستثمار في الصمغ العربي، الذي يصل إنتاج البلاد منه 80% من إنتاج العالم، ويُستخدم بشكل واسع في الأدوية ومنتجات عديدة أخرى.
ويرتب مجلس الصمغ العربي السوداني لعقد مهرجان "صمغ السودان"، في يوليو/تموز المقبل، يستهدف تكثيف الاهتمام بالصمغ وتبيان فوائده الغذائية والاقتصادية. ويبحث المجلس، في هذا المؤتمر، سبل زيادة إنتاج الصمغ وزيادة الرقعة الزراعية في مختلف مناطق الإنتاج، ووضع أفضل الحلول باستخدام التقنيات الحديثة، وتنظيم صناعته محلياً، باستهداف رفع قدرات المنتجين وتذليل المعوقات.
وتشير إحصاءات مجلس الصمغ العربي في السودان، إلى ارتفاع صادرات الصمغ إلى 105 آلاف طن خلال العام الماضي، بواقع 150 مليون دولار. ويسعى السودان إلى زيادة الإنتاج والتوسع في الصادرات بتحفيز المنتجين هذا العام.
ويواجه منتجو الصمغ العربي في البلاد مشاكل عديدة، ما أدى إلى عدم الاستفادة من 90% من الثروة، بسبب تزامن إنتاج الصمغ مع المحاصيل الأخرى، خاصة النقدية، واتجاه معظم العمالة الشابة إلى مناطق التعدين، مما أثر بصورة سالبة في زراعة وإنتاج الصمغ العربي.
وبالتالي، أصبح أصحاب أشجار الصمغ العربي غير قادرين على استغلال مساحات كبيرة، إذ يعتمدون في إنتاجه على مواد تقليدية، كما أن السلعة مرهونة لدى شركات عالمية تستخدمها بصورة كبيرة في إنتاج الأدوية. ولاحظت "العربي الجديد"، أن أغلب المنتجين يلجؤون إلى تهريب السلعة، بسبب عدم المقدرة على تحديد أسعار تركيز جيدة، وأن معظم عائدات السلعة تعد خارج الدورة المصرفية، بسبب عجز البنوك عن جذب الأموال.
وفي هذا الصدد، قال لحاج بشير محمد، نائب رئيس اتحاد منتجي الصمغ العربي، لـ "العربي الجديد"، ظلت معظم البنوك تُحجم عن تمويل قطاع المنتجين لفقدانهم الضمانات المقابلة للقروض، حيث إن الصمغ العربي منتج طبيعي وبيئي يحتاج حصاده إلي الآلات المتطورة، ولكنه ظل يعتمد علي الآلات القديمة ضعيفة الإنتاجية التي استُعملت منذ آلاف السنين (الفارة- الفرار- الفأس). وهو ما يدعو إلى التحديث لتغطية مساحات أكبر في أقل زمن ممكن، مع ضرورة تشجيع القطاع الخاص الذي أحجم عن الاستثمار في مجال استزراع الغابات، إلى العودة للاستثمار في هذا القطاع الهام.
وشهد قطاع الصمغ العربي في السودان، عهوداً من التدهور المستمر، حتى وصل إلى فترة باتت فيه مساهمته في اقتصاد السودان، غير ذات أثر. ويعود تراجع دور الصمغ العربي إلى أسباب، لكن ذلك يبدو أنه في طريقه إلى الانتعاش بعد تحسينات نسبية في طريقها للحدوث أو حدثت بالفعل، حيث أعلن مجلس الصمغ العربي أن صادرات البلاد من الصمغ العربي، في مايو/أيار الماضي، بلغت 27 ألف طن، بعائدات وصلت إلى 45 مليون دولار.
ويعزو مهتمون وخبراء، أسباب تراجع دور الصمغ العربي، إلى التقليدية التي تسيطر على عمل القطاع، وإهمال الحكومة إدخال الميكنة الجديدة واستخدامها في عمليات جمع المحصول، علاوة على مشكلات التصحر الذي زحف على مساحات شاسعة كانت تغطي بحزام الصمغ العربي.
منتج الصمغ عثمان المكي يقول لـ "العربي الجديد"، إن ثمة مشكلات لا حصر لها تسببت في تقليل حجم الصادر سنوياً، وكشف عن خروج عدد كبير من الغابات في ولاية النيل الأزرق عن الإنتاج، بانفصال الجنوب، وتناقص الغطاء الغابي، والتغوّل الذي يمارسه المزارعون على مناطق الإنتاج وأحزمة الصمغ العربي.
من جانبه، يري خبير الصمغ العربي، الدكتور محمد حمدان، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن دخول السوق العالمي بشكل أكبر يتطلب تطبيق نظم المواصفات العالمية، وقطع بأن الوفاء بها سيؤدي إلى تدفق وثبات المنتج للأسواق العالمية بلا تعقيدات، وأوصي بالاهتمام بالقيمة المضافة للصمغ عبر الصناعات التحويلية وتطوير السوق، بإنشاء المنطقة الحرة، وإنشاء معسكرات لجمع الصمغ، والترويج للمنتج كناتج مهم، وتلبية متطلبات السوق العالمي، لتحقيق فوائد وعائدات أفضل. لكنه رهن ذلك بتطبيق نظم الجودة الموجودة بالمواصفات العالمية، وزيادة معدلات الإنتاج، بالوقوف جديا على المشكلات وتذليل العقبات التي تواجه القطاع والمنتجين.
من جانبهم، أوصى مختصون بالتخطيط لزيادة الرقعة المغطاة بالأشجار المنتجة للصمغ، وإمكانية إدخال 50% من المساحات الحالية دائرة الإنتاج، وتمكين المنتجين من الحصول على التمويل، ومعالجة مشكلات الأسعار، وتدريبهم على تطبيق التقنيات الحديثة وتبنّيها، وتطوير وتنمية البنية التحتية في مناطق الإنتاج.
ويتمدد حزام الصمغ العربي في السودان في 12 ولاية، من حدود السودان المتاخمة لإثيوبيا وإرتيريا شرقًا وإلى حدود السودان من دولتي تشاد وأفريقيا الوسطي غرباً. وتشكل مساحة الصمغ العربي 500 ألف كيلو متر مربع، والتي تكاد أن تصل إلى ثلث مساحة السودان، بينما يسكن في هذه المنطقة أكثر من 14 مليون مواطن، وهم يشكلون أيضاً أكثر من ثلث السكان.
ويستحوذ الصمغ العربي على تربية أكثر من 130 مليون رأس من الحيوانات، والتي تمد البلاد أيضاً بحاجتها من اللحوم، بجانب الصادر من اللحوم الحية والمذبوحة.
من جهته، يقول عبد الماجد عبد القادر، إن حزام الصمغ العربي يضم أكثر من 30 نوعا من الأشجار الشوكية المنتجة للأصماغأ وأشهرها شجرتا "الهشاب والطلح". والصمغ العربي مادة غذائية ودوائية، إلا أنه اشتهر مع ثورة صناعة الأغذية والمشروبات في القرن التاسع عشر، ودخل في صناعة جميع أنواع المشروبات وحفظ المواد الغذائية وتجانس الأغذية وصناعة الدواء، ما جعل الصمغ العربي يحتل الصدارة في هذه الصناعات.
واستغلت دول الجوار الفوضى في السودان والإهمال، وبدأت في استغلال ثروة الصمغ العربي، عبر فتح المنافذ للمهربين. حيث يهرب الصمغ السوداني إلى إثيوبيا، بسبب ضعف السياسات والتمويل، أو أسباب متعلقة بفجوة الأسعار بين دول الجوار والسودان.
ويقول الأمين العام لمجلس الصمغ العربي، إن السودان بموارده الحالية يستطيع إنتاج أكثر من 500 ألف طن سنوياً، لكنه ظل لفترات طويلة محاصراً في إنتاجية لا تتعدى 100 ألف طن، نتيجة لصغر موسم الحصاد الذي لا يتجاوز شهرين، وشح العمالة، إضافة إلى ان معظم المنتجين من كبار السن، فضلاً عن وجود أنشطة منافسة مثل تعدين الذهب وحصاد المحاصيل الأخرى التي تتزامن مع إنتاج الصمغ العربي.
ويأتي إنتاج الصمغ السوداني حالياً فقط من حوالي 20% من المساحة الشجرية التي تملكها البلاد، وتظل 80% من المساحة معطلة.
يذكر أن نشطاء وخبراء اقتصاد دعوا، إبان فترة الحظر الاقتصادي الأميركي على السودان، إلى أن يتم استخدام سلعة الصمغ العربي كورقة ضغط على واشنطن، لأنها استثنت الصمغ من العقوبات. إلا أن الدعوة لم تجد حظها آنذاك، لأن كثيرين يرون أن أميركا يمكنها أن تحصل على السلعة من دون الحاجة إلى التطبيع مع الخرطوم، باعتبار أنها تهرب كميات مقدرة منها إلى دول الجوار وتباع في بلادها، خاصة الدول غير المنتجة للصمغ.

المساهمون