شراكات وخطط تعيد الجزائر إلى خارطة قطاع البتروكيماويات

17 مارس 2015
إعادة تأهيل المرافق الخاصة بصناعة النفط الجزائري(فرانس برس)
+ الخط -
تعد الجزائر من بين أبرز الدول المنتجة والمصدرة للنفط. حيث تصنف في المرتبة الـ18 عالمياً من حيث احتياطي النفط بأكثر من 12 مليار برميل، وفي المرتبة 12 عالمياً من حيث الإنتاج بـ 1.2 مليون برميل يومياً. برغم ذلك، تستورد الجزائر نحو 30% من احتياجاتها من الوقود بصنفيه البنزين والمازوت، وذلك لتلبية الطلب المتزايد علي هذه المادة في السوق الداخلية، مع أنها تحتل المرتبة الثالثة عربيًا بعد كل من السعودية والإمارات، في تنفيذ الاستثمارات في مجال تكرير البترول.


استثمارات ضخمة وشراكات
ولتدارك هذا الأمر، استثمرت الشركة النفطية الجزائرية "سوناطراك" ما قيمته سبعة مليارات دولار لتطوير الصناعات البتروكيماوية، منها 4.2 مليارات دولار لبرنامج إعادة تأهيل مصافي كل من: الجزائر العاصمة، وسكيكدة، وارزيو. وذلك لتبلغ طاقاتها الإنتاجية مجتمعة نحو 26 مليون طن سنوياً، وهي التي لا تنتج حاليا أكثر من 22 مليون طن. وعلاوة على ذلك تتطلع الجزائر إلى إنشاء خمس مصاف لتكرير النفط، ثلاث منها على مستوى الهضاب العليا، وواحدة بالجنوب والأخرى في الوسط، ما يسمح برفع مستوى التكرير إلى نحو 30 مليون طن.

وتبرز أهمية الصناعات البتروكيماوية في اقتصاديات الدول المنتجة للنفط، بحسب المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين من خلال القيمة المضافة، حيث تبلغ هذه الأخيرة لبرميل النفط الخام بعد تكريره حوالي ثلاثة دولارات، فيما تبلغ 36 دولاراً إذا تم تحويل النفط إلى بتروكيماويات أساسية (كالاثيلين والبروبلين)، أما إذا ما تم تحويله إلى منتجات نهائية ومتخصصة فتتجاوز القيمة المضافة حينها الـ 2600 دولار.

وتسعى الجزائر حالياً لإقامة شراكة مع قطر في هذا المجال، حيث أعلن وزير الصناعة الجزائري أخيراً عن مشروعي شراكة بين البلدين في الصناعة البتروكيماوية، بحيث وجه إنتاجهما لتلبية احتياجات الفلاحة في الجزائر.

وتأتي هذه الشراكة تزامنا مع برنامج استثماري لشركة سوناطراك لتنمية الصناعة البتروكيماوية على مرحلتين. الأولى، تنتهي في سنة 2020 بقيمة 18 مليار دولار، والثانية، تنتهي في سنة 2025.

ويرى الخبير الاقتصادي عبد المجيد قدي، أنه في السبعينيات كان هناك اهتمام منقطع النظير بالصناعات البتروكيماوية في الجزائر، إذ تم من أجل ذلك إنشاء مجموعة من المركبات الصناعية الخاصة بهذا المجال. ويضيف الدكتور قدي في حديث لـ "العربي الجديد" أنه ومع نهاية السبعينيات، بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، صاحب سياسة تأميم المحروقات بالجزائر، حصل تغيير سياسي كبير بالبلاد أدى إلى مراجعة شاملة للسياسة الطاقوية بها.


بلد طاقي يستورد مشتقات النفط!

وللأسف، يقول قدي، كانت هذه المراجعة على حساب إشباع الكثير من الحاجيات الوطنية المرتبطة بالصناعة التحويلية، على اعتبار أن النفط ليس مجرد طاقة وإنما مادة أولية ومدخل صناعي لإنتاج المشتقات النفطية، وإنتاج العديد من الأسمدة والمنتجات الأخرى. ويشير الدكتور قدي إلى أن الجزائر على الرغم من كونها بلداً طاقوياً بامتياز، إلا أنها وجدت نفسها اليوم تستورد الكثير من المشتقات النفطية كالبنزين والمازوت وغيرهما، وبأثمان مضاعفة مقارنة بما تصدره كمادة خام.

وهنا يلفت الدكتور قدي إلى أن الجزائر اليوم مطالبة بمراجعة سياستها الطاقوية للنظر إلى النفط، ليس كمجرد طاقة ومصدر للعملة الصعبة فحسب، بل كمدخل صناعي وكمادة أولية تبنى عليها الكثير من الصناعات، ولعل أهمها هي الصناعات البتروكيماوية التي تؤسس للنسيج الصناعي والنسيج الاقتصادي للبلاد.

ويضيف قدي، "نجد أنفسنا ننطلق من نقطة الصفر لأن المصانع البتروكيماوية السابقة لم تعد قادرة على الإنتاج، بالنظر إلى التطور الحاصل في التكنولوجيات المستخدمة في هذا المجال". ويؤكد قدي أنه اليوم ومع الشراكة القطرية المقررة في هذا الإطار، يمكن للجزائر أن تطور هذه الصناعة، بالنظر إلى ما لديها من قدرات بشرية وموارد مالية تتمتع بها "سوناطراك" كشركة، وأيضاً القدرات المالية المتاحة للحكومة الجزائرية.

ويلفت إلى أن تطور النسيج الصناعي وحركة الأشخاص والنقل، كلها عوامل تفرض على الحكومة تطوير هذه الصناعة لتخفض من فاتورة الاستيراد، لأن من بين أهم المكونات لحجم الاستيراد المتزايد حالياً هو المنتوجات البتروكيماوية.


الاكتفاء بتصدير البترول
من جهته يذهب الباحث الدكتور عبد القادر بريش إلى القول بأن السياسة الطاقوية في الجزائر، بعد مراجعتها بداية الثمانينيات وإعادة هيكلة الشركات أضعفت كثيرا قطاع البتروكيماويات الذي لم يواكب التطور
.
وبقيت الجزائر مكتفية فقط بتصدير البترول الخام، لتصبح في تبعية للخارج في كثير من مشتقات البترول، وذلك نظرا للعجز الحاصل على مستوى معامل التكرير، في مقابل عدم القدرة على تلبية الطلب الداخلي على هذه المواد، فزيوت المحركات لا تزال تهيمن عليها شركتا توتال وشيل الفرنسيتان، بالنظر إلى عدم قدرة شركة نفطال الجزائرية على تلبية حاجات السوق المحلية.

ويضيف الدكتور بريش في حديث لـ "العربي الجديد" أن الجزائر تعرف عجزاً كبيراً في مواكبة تطور قطاع البتروكيماويات، وبإمكان التجربة القطرية وهي تجربة رائدة عالميا من خلال شركة كافكو النشطة في مجال الصناعات البتروكيماوية، أن تساعد كثيراً في تجاوز هذا العجز في حال ما نجحت الشراكة بين البلدين في هذا المجال، مثل ما هو الحال في مشروع بلارة للحديد والصلب.

ويتوقع الدكتور بريش أن تكون هناك أمور واعدة في المستقبل، "تمكننا من تغطية الطلب المحلي على المشتقات النفطية، وحتى التوجه نحو التصدير إلى الخارج، لأن قطاع البتروكيماويات قطاع هام، وكون مخرجاته هي مدخلات أساسية في كثير من الصناعات التي لا غنى عنها".

إقرأ أيضا: صادرات البتروكيماويات القطرية تصل إلى 85 دولة
دلالات