أثارت التصريحات التي أطلقها السياسي اليمني، أحمد مساعد حسين، أمام جمع من وجهاء قبائل محافظة شبوة، مؤخراً، جدلاً في الأوساط السياسية اليمنية، بما حملته من انتقادات صريحة لدول التحالف السعودي الإماراتي، بالترافق مع الانتفاضة المستمرة في محافظة المهرة، البوابة الشرقية لليمن، ضد التواجد السعودي، ليبدو وكأن الرياض وأبوظبي بدأتا بقطف ثمار ممارساتهما، التي أظهرت أجندة أخرى للتحالف، تقوض الحكومة الشرعية وتفاقم أزمة اليمنيين على مختلف الصعد، في المحافظات التي تُوصف بـ"المحررة" من سيطرة مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين).
وكانت شبوة شهدت، الاثنين الماضي، تطوراً لافتاً، باحتضانها لقاءً تشاورياً لوجهاء قبائل المحافظة، لتدارس الأوضاع التي تعيشها المحافظة، في ظل الأزمة الإنسانية الناتجة عن الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع، وما وصفه المجتمعون بـ"الإهمال الكبير" الذي تعانيه شبوة، على الرغم من كونها محافظة نفطية، وهي إحدى أهم المحافظات الجنوبية، تنتشر فيها قوات موالية للإمارات، وهي "النخبة الشبوانية"، التي توجهت إليها اتهامات سابقة بممارسات تقوض عمل الحكومة الشرعية والسلطات المحلية.
وتأتي أهمية الاجتماع كونه خطوة غير مسبوقة على صعيد التحرك المحلي، الذي يسعى إلى وضع حدٍ للأوضاع الصعبة التي تعيشها شبوة، كما هو الحال، في مختلف المحافظات اليمنية. بالإضافة إلى ذلك، فقد كانت الرسالة التي خرجت بها وثيقة الاجتماع الموقعة من أبرز وجهاء القبائل، والتي حصل "العربي الجديد"، على نسخة منها، واضحة، وهي أن وجهاء شبوة عبروا عن الأسف الشديد لغياب دور التحالف، إزاء الأزمة الأخيرة، المتعلقة بانهيار الريال اليمني، أمام العملات الأجنبية، وما خلفه ذلك من أثار على الحياة المعيشية للسكان.
في المقابل، فإن التحرك الاجتماعي، الذي يسعى لفرض وجود لصوت أبناء المناطق اليمنية الخاضعة لنفوذ التحالف، تطورٌ يثير مخاوف الأخير من الاستحقاقات التي يفرضها مثل هذا التحرك.
وفي السياق، فقد جاء اجتماع قبائل شبوة، بدعوة من وزير المغتربين اليمني الأسبق، اللواء أحمد مساعد حسين، وهو أحد أبرز الأسماء السياسية المنحدرة من شبوة، والتي لعبت أدوراً متعددة على مدى العقود الماضية، سواء في مرحلة دولة الشطر الجنوبي لليمن قبل الوحدة في العام 1990، أو فيما تبعها، وكان لتصريحاته أصداء واسعة، بعد أن أعلن أمام وجهاء شبوة أن التحالف هو المسؤول عن تعمير ما دمره بالحرب، وما عطله من مصالح في المحافظة، وصولاً إلى الانتقاد الصريح لـ"من يضعون أنفسهم وكلاء للسعودية والإمارات برفع رايتيهما، في حين أن ما جاءتا به هو الفقر"، كما صرّح حسين خلال الاجتماع.
وبالتزامن مع ما شهدته شبوة، خرجت قوات "النخبة الشبوانية"، الموالية للإمارات، ببيان الثلاثاء، قالت فيه إنها ضبطت ما سمتها "شبكة تخابر"، مدعومة من "قطر" و"حزب الله" في محافظة شبوة، وتحدثت عن اعترافات للمعتقلين بالارتباط بتيار "الحراك الجنوبي"، الذي يقوده فادي باعوم.
وبصرف النظر عن التفاصيل، فإن توقيت الإعلان على الأقل بدا كما لو أنه محاولة لحرف الأنظار عن التحرك القبلي في شبوة والأصوات التي تعالت ضد سياسات التحالف.
من زاوية أخرى، فإن أبرز ما يعطي التحرك القبلي في شبوة أهمية بالغة، هو أنه يعد مؤشراً على أن الصوت الذي بدأ من محافظة المهرة، برفض التواجد العسكري السعودي منذ شهور، بدعم من وجهاء وشخصيات محلية متعددة، يمكن أن يتمدد ويتكرر في أكثر من محافظة بالبلاد، في وقتٍ لا تزال فيه احتجاجات المهرة مستمرة، على الرغم من جملة من الممارسات التي سعت إلى الالتفاف على مطالب المحتجين برفض التواجد العسكري غير المبرر للتحالف في منافذ المحافظة الجوية والبرية والبحرية، وغير ذلك من الممارسات، التي أثارت حفيظة سكان المحافظة اليمنية الحدودية مع عُمان.
يذكر أن موجة الاحتجاجات ضد التحالف السعودي الإماراتي في المدن اليمنية غير الخاضعة للحوثيين كانت قد برزت ملامحها مع أول احتجاجات شهدتها مدينة عدن، ومثلها المكلا مركز محافظة حضرموت، إذ هتف المحتجون ضد التحالف وطالبوه بالرحيل، وأنزلوا لافتات رُفعت فيها صور قادة السعودية والإمارات. هذا الأمر الذي يعد مؤشراً على أن التظاهرات والاجتماعات المتفرقة في أكثر من مدينة يمنية، باتت واقعاً قابلاً للتوسع، في المرحلة المقبلة، في ظل خيبة الأمل.