لم تعد الأنفاق أسفل عقارات المقدسيين ومقدساتهم وخاصة المسجد الأقصى، سراً كبيراً لدى الفلسطينيين سواء من تضررت عقاراتهم ومنازلهم من شبكة الأنفاق هذه، أو من هم في موقع المسؤولية المهنية والسياسية، وإن كان حصر عدد هذه الأنفاق أمراً صعباً لتشعباتها الكثيرة في باطن الأرض على عمق عدة أمتار، منها ما يتجه نحو المسجد الأقصى مباشرة، ومنها ما يتجه إلى بلدة سلوان جنوبه، ومنها ما يتجه إلى الحي اليهودي أو ما كان يعرف بحارة الشرف الفلسطينية التي دمرها الاحتلال عقب احتلاله للقدس عام 1967، وأقام على أنقاضها حيّاً يهودياً يربو عدد مستوطنيه عن ثلاثة آلاف مستوطن.
يشير خليل تفكجي، خبير الأراضي الفلسطيني المعروف، إلى أن أشهر وأكبر هذه الأنفاق هو نفق البراق الممتد على طول الجدار الغربي للمسجد الأقصى وصولاً إلى أسفل المدرسة العمرية في طريق المجاهدين بالبلدة القديمة، الذي افتتحه رئيس بلدية الاحتلال الأسبق في القدس يهودا أولمرت عام 1996، وتسبب في حينه بما عرف بهبّة النفق التي ارتقى فيها عشرات الشهداء الفلسطينيين وقتل عدد من جنود الاحتلال خلال مواجهة عسكرية مع قوى الأمن الفلسطينية. وقال: "هناك أنفاق أخرى غير معلومة، لكن الاحتلال يعترف ومنهم ما كان كشف عنه الصحافي الإسرائيلي نير حسون، بأن هناك مدينة يهودية أخرى قائمة أسفل مدينة القدس القديمة تخرج وتدخل فيها دون أن ترى الشمس أو العرب، تمتد من وسط بلدة سلوان جنوباً وتخترق الجدار الغربي للمسجد الأقصى وأسفل البلدة القديمة في القدس المحتلة، وتمر أسفل المدرسة العمرية في الجهة الشمالية من الأقصى، وتصل إلى منطقة باب العامود وتحديداً إلى مغارة الكتان شمال القدس القديمة، ومن ثم فإن الملفت في الأمر هو الحديث عن حفريات سرّية حول وأسفل المسجد الأقصى، بجزئيه، دون توفير صورة واضحة أو حتى نشر صورة فوتوغرافية أو مقطع فيديو عن هذه الحفريات السرية، حيث يمنع فيها التصوير وهي مغلقة أمام الجمهور العام.
لكنه بالرغم من ذلك، فإن هذه المعلومات المبعثرة تشكل بمجموعها صورة صارخة عن خطورة هذه الحفريات السرّية. ومن هنا لا يمكن معرفة عدد الأنفاق، لكن ما يحدث من انهيارات في كثير من المرات في العقارات بالبلدة القديمة، يكشف عن وجود أنفاق غير معلن عنها، وربما ما زال جارياً العمل عليها". وفي ما يتعلق بالدعم الذي تقدمه السلطة الفلسطينية لأصحاب العقارات المتضررة من حفر الأنفاق هذه، وخاصة ترميم منازلهم، قال تفكجي: "الدعم محدود جداً ولا يكاد يذكر. ولا يساوي حجم ما ينفقه الطرف الآخر. فمقابل الملاليم التي ننفقها نحن، هم ينفقون الملايين، علماً بأن المنازل بحاجة إلى ترميم، وهو مكلف جداً". وعبّر تفكجي عن خيبة أمله من مستوى الحراك الدبلوماسي الفلسطيني والعربي إزاء خطورة هذه الأنفاق، وما تلحقه من أضرار على العقارات وعلى هوية المدينة المقدسة، في حين أن منظمة اليونيسكو تلتزم الصمت حيال ما يجري، سواء ما يتعلق بمشروع التلفريك الذي سيقام على تلال البلدة القديمة ويمر من فوقها، أو على مستوى القطار الخفيف، علماً بأن الاحتلال لا يسمح لنا ولا لليونيسكو بالدخول إلى هذه الأنفاق. يتفق مع رأي تفكجي، باحث مقدسيّ آخر متخصص في شؤون القدس والأقصى، وهو إيهاب الجلاد، موضحاً أنّ النفق الرئيس في البلدة القديمة هو ذلك الواقع إلى غرب المسجد الأقصى والمتفرع إلى أكثر من نفق. يضيف: "هناك نفق من باب السلسلة يتجه نحو أسواق المدينة، وهو نفق قديم جداً معروف لنا، ويقع تحت الجسر الذي يسير عليه طريق باب السلسلة، وقد ذكر مجير الحنبلي وسمّاه بـ"الممر السري".
وهناك نفق آخر يمتد من منطقة البرك التي تقع أسفل دير أخوات صهيون، وكان يحتوي في السابق على ماء يدخل إليه من طريق نفق يصل إلى الأقصى، وهو نفق قديم يعود للفترة اليونانية، في حين أن باقي الأنفاق عبارة عن منشآت بنيت في سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي بهدف ربط الأنفاق جميعها بعضها ببعض، إضافة إلى مسارات وجدت في الفترة المملوكية، وهي ليست أنفاقاً بل عبارة عن أرضيات أسفل العقارات ترتبط مع نفق "الممر السري"، ومع القناة اليونانية لتصبح نفقاً طويلاً يعرف بالنفق الغربي. كما أن هناك شبكة أنفاق أخرى أسفل حي القرمي غرب المسجد الأقصى غير معروفة وغير معلن عنها، إضافة إلى أنفاق باب العامود، ومنها أنفاق تمتد من مغارة الكتّان المعروفة بمغارة سليمان باتجاه شارع الواد، وهي غير مفتوحة حتى الآن حتى لليهود أنفسهم، لكن بالمجمل فإن معظم الأنفاق حول المسجد الأقصى وفي محيطه الهدف منها تقريب اليهود إلى أقرب نقطة من المسجد.
ويرى الجلّاد، أن الاحتلال نجح بالفعل في إقامة مدينة أخرى أسفل البلدة القديمة من القدس تشتمل على كنس ومراكز احتفالات، كما هو الحال في مغارة الكتّان التي تتميز بطولها على امتداد مائتي متر تقام فيها احتفالاتهم وطقوسهم المختلفة، وفيها يعلمون أطفالهم ويزودونهم بجرعات من الأفكار والأكاذيب المغلوطة والمضللة بادعاء وجود تاريخ قديم لليهود في القدس يمتد إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام. الجلاد لم يتردد في انتقاد حجم الدعم الذي تقدمه السلطة للمقدسيين المتضررة منازلهم جراء حفر هذه الأنفاق، بما في ذلك ضعف الحراك الدبلوماسي في الخارج وعلى مستوى العالم لنشر وتعزيز الرواية الفلسطينية، حيال ما تقوم به سلطات الاحتلال من طمس وتغيير لمعالم المدينة المقدسة. "للأسف، مثل هذا الدعم أو التعريف بما يجري صفر تماماً. إذ ليس لدينا نشرات فلسطينية تحكي قصة الأنفاق، وقصة مغارة الكتّان لتوزع على الأجانب، كما لا يوجد لدينا خريطة فلسطينية للقدس، في حين أنّ جميع الخرائط للقدس هي إسرائيلية أو أجنبية، وتحمل أسماء ومفاهيم أجنبية، وليس هناك خريطة فلسطينية باللغة الإنكليزية تعرض وجهة النظر والرواية الفلسطينية، وكل ما هو موجود من خرائط تحكي أسماء إسرائيلية. فباب الساهرة مثلاً، يعرّف بأن "باب هيرودس"، وباب المغاربة يسمونه "باب الأوساخ"، وباب النبي داود يطلقون عليه "باب صهيون".
وكانت الحكومة الإسرائيلية، صادقت قبل نحو عشر سنوات على تنفيذ خطة جديدة لتهويد القدس القديمة، تشمل حفر نفق أسفل البلدة القديمة وبناء مصعد يصل بين حائط البراق بالمسجد الأقصى المبارك، والحيّ اليهودي الذي أقيم على أنقاض حارة الشرف الفلسطينية. ويصل هذا النفق إلى الجدار الغربيّ للمسجد الأقصى تجاه الغرب، أي نحو الحيّ اليهودي الواقع عند الزاوية الجنوبية الغربية من البلدة القديمة".
واستناداً للخطة التي أقرت في حينه، تم الشروع منذ ذلك الوقت ببناء المصاعد والممرات تحت الأرض للربط بين حائط البراق والحيّ اليهودي، بما يسمح بوصول المستوطنين إلى ساحة البراق بدقائق معدودة بعيداً عن الأحياء العربية، ويسهل اقتحامهم للأقصى. وقد خصصت حكومة الاحتلال المبالغ الضخمة لاستكماله، ضمن سياق المشروع التهويدي الأشمل لأعوام 2020- 2030 بتكلفة 14 مليار دولار لتهويد القدس المحتلة. ويتزامن تنفيذ هذا المخطط مع استكمال مشروع الحدائق التوراتية السبع التي تحيط بالأقصى، بهدف محاولة تزوير الجغرافيا وإيهام العالم بمزاعم علاقة المكان بتاريخ وادعاءات اليهود بمزاعمهم التهويدية.
وتضمنت الخطة أيضاً، المصادقة على مشروع لتطوير حوض البلدة القديمة في القدس، وبناء مصاعد وممرات تحت الأرض للوصول إلى الحي اليهودي بالبلدة وصولاً إلى حائط البراق، بدلاً من استخدام الدرج، الذي يصل طوله الى 26 متراً، عدا عن بناء نفق بطول 65 متراً يربط بين مخرج المصعد حتى حائط البراق.
كما تشمل الخطة تطوير البنية التحتية لتشجيع من يسمون "الزوار" من السيّاح وغيرهم على زيارة حائط البراق، بالإضافة إلى مشاريع أخرى تتعلق بمجالي الصحة والتعليم وغيرها. وبينما تتواصل الحفريات في البلدة القديمة من القدس، دون التمكن من التعرف إلى حجم الأنفاق أسفلها وأسفل المسجد الأقصى، فإن الخطة بعيدة المدى، التي تسعى هيئة الآثار الإسرائيلية - والتي وقفت من ورائها وزيرة الثقافة الإسرائيلية السابقة ميري ريغف - إلى تنفيذها تشمل ما يسمى "كشف أسس الجدار الغربي (حائط البراق الإسلامي، وهو جزء من المسجد الأقصى)، وترميم بركة سلوان، وحفر الغرف الجوفية المنحوتة في قلعة العين، وغيرها. حي القرمي نموذج، وبينما الحفريات مستمرة ومتواصلة لمزيد من الأنفاق أسفل عقارات البلدة القديمة، كانت منازل المقدسيين هناك تتصدع وتوشك أن تنهار على رؤوس قاطنيها كما حدث في حي القرمي إلى الغرب من المسجد الأقصى، حيث يتهم المقدسيون الاحتلال وشبكة أنفاقه أسفل منازلهم بالتسبب بتضرر 28 منزلاً، بسبب التصدعات والتشققات الخطيرة التي ألحقتها أنفاق الاحتلال فيها، ما دفع بلدية الاحتلال عام 2013 إلى توجيه إخطارات فورية بإخلاء تلك المنازل خشية انهيارها. ووجهت عائلات الحي، آنذاك مناشدات إلى المؤسسات الرسمية والشعبية الفلسطينية للوقوف إلى جانبها في محنتها، ولفتت إلى أنها منذ اكتشاف التصدعات والتشققات الخطيرة شرعت بالعيش في شوارع وأزقة الحيّ، وسط تذمر من سكان تلك المنازل بغياب الدعم الكافي الذي تقدمه السلطة ولجان الترميم المختلفة للحفاظ على منازلهم ومنع انهيارها. المواطن غالب إدريس، قال للعربي الجديد، بأن عمليات الترميم التي تقوم بها بعض لجان الترميم الممولة من مصادر فلسطينية وعربية لا تفي بالغرض المطلوب منها ولا ترقى إلى مستوى الحفريات التي تنفذها جمعيات استيطانية، لشق أنفاق أسفل منزله ومنازل جيرانه.
وأشار إدريس إلى تصدع جدران منزله المتواضع في حي القرمي، وخطورة بنيته الهندسية، وبالرغم من ذلك عاد للسكن فيه بعد أن أخلاه لبعض الوقت، حيث لا يملك من المال ما يعينه على استئجار بيت خارج البلدة القديمة. وما ذهب إليه إدريس، يؤكده أيضاً المواطن المقدسي عبد القادر مجاهد، الذي كانت تملك عائلته مصنعاً لدباغة الجلود في الحي ذاته، إلا أنها اضطرت إلى إخلائه بسبب ما ناله من تصدعات وتشققات نتيجة الحفريات التي ينفذها المستوطنون في باطن الأرض لفتح مزيد من الأنفاق. وانتقد مجاهد سوء أعمال الترميم التي تنفذها اللجان المحلية وضعف الدعم الرسمي الموجه لهذه اللجان، مطالباً السلطة الفلسطينية تخصيص الموارد الكافية لحماية عقارات المقدسيين من الانهيار.
يشير خليل تفكجي، خبير الأراضي الفلسطيني المعروف، إلى أن أشهر وأكبر هذه الأنفاق هو نفق البراق الممتد على طول الجدار الغربي للمسجد الأقصى وصولاً إلى أسفل المدرسة العمرية في طريق المجاهدين بالبلدة القديمة، الذي افتتحه رئيس بلدية الاحتلال الأسبق في القدس يهودا أولمرت عام 1996، وتسبب في حينه بما عرف بهبّة النفق التي ارتقى فيها عشرات الشهداء الفلسطينيين وقتل عدد من جنود الاحتلال خلال مواجهة عسكرية مع قوى الأمن الفلسطينية. وقال: "هناك أنفاق أخرى غير معلومة، لكن الاحتلال يعترف ومنهم ما كان كشف عنه الصحافي الإسرائيلي نير حسون، بأن هناك مدينة يهودية أخرى قائمة أسفل مدينة القدس القديمة تخرج وتدخل فيها دون أن ترى الشمس أو العرب، تمتد من وسط بلدة سلوان جنوباً وتخترق الجدار الغربي للمسجد الأقصى وأسفل البلدة القديمة في القدس المحتلة، وتمر أسفل المدرسة العمرية في الجهة الشمالية من الأقصى، وتصل إلى منطقة باب العامود وتحديداً إلى مغارة الكتان شمال القدس القديمة، ومن ثم فإن الملفت في الأمر هو الحديث عن حفريات سرّية حول وأسفل المسجد الأقصى، بجزئيه، دون توفير صورة واضحة أو حتى نشر صورة فوتوغرافية أو مقطع فيديو عن هذه الحفريات السرية، حيث يمنع فيها التصوير وهي مغلقة أمام الجمهور العام.
لكنه بالرغم من ذلك، فإن هذه المعلومات المبعثرة تشكل بمجموعها صورة صارخة عن خطورة هذه الحفريات السرّية. ومن هنا لا يمكن معرفة عدد الأنفاق، لكن ما يحدث من انهيارات في كثير من المرات في العقارات بالبلدة القديمة، يكشف عن وجود أنفاق غير معلن عنها، وربما ما زال جارياً العمل عليها". وفي ما يتعلق بالدعم الذي تقدمه السلطة الفلسطينية لأصحاب العقارات المتضررة من حفر الأنفاق هذه، وخاصة ترميم منازلهم، قال تفكجي: "الدعم محدود جداً ولا يكاد يذكر. ولا يساوي حجم ما ينفقه الطرف الآخر. فمقابل الملاليم التي ننفقها نحن، هم ينفقون الملايين، علماً بأن المنازل بحاجة إلى ترميم، وهو مكلف جداً". وعبّر تفكجي عن خيبة أمله من مستوى الحراك الدبلوماسي الفلسطيني والعربي إزاء خطورة هذه الأنفاق، وما تلحقه من أضرار على العقارات وعلى هوية المدينة المقدسة، في حين أن منظمة اليونيسكو تلتزم الصمت حيال ما يجري، سواء ما يتعلق بمشروع التلفريك الذي سيقام على تلال البلدة القديمة ويمر من فوقها، أو على مستوى القطار الخفيف، علماً بأن الاحتلال لا يسمح لنا ولا لليونيسكو بالدخول إلى هذه الأنفاق. يتفق مع رأي تفكجي، باحث مقدسيّ آخر متخصص في شؤون القدس والأقصى، وهو إيهاب الجلاد، موضحاً أنّ النفق الرئيس في البلدة القديمة هو ذلك الواقع إلى غرب المسجد الأقصى والمتفرع إلى أكثر من نفق. يضيف: "هناك نفق من باب السلسلة يتجه نحو أسواق المدينة، وهو نفق قديم جداً معروف لنا، ويقع تحت الجسر الذي يسير عليه طريق باب السلسلة، وقد ذكر مجير الحنبلي وسمّاه بـ"الممر السري".
وهناك نفق آخر يمتد من منطقة البرك التي تقع أسفل دير أخوات صهيون، وكان يحتوي في السابق على ماء يدخل إليه من طريق نفق يصل إلى الأقصى، وهو نفق قديم يعود للفترة اليونانية، في حين أن باقي الأنفاق عبارة عن منشآت بنيت في سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي بهدف ربط الأنفاق جميعها بعضها ببعض، إضافة إلى مسارات وجدت في الفترة المملوكية، وهي ليست أنفاقاً بل عبارة عن أرضيات أسفل العقارات ترتبط مع نفق "الممر السري"، ومع القناة اليونانية لتصبح نفقاً طويلاً يعرف بالنفق الغربي. كما أن هناك شبكة أنفاق أخرى أسفل حي القرمي غرب المسجد الأقصى غير معروفة وغير معلن عنها، إضافة إلى أنفاق باب العامود، ومنها أنفاق تمتد من مغارة الكتّان المعروفة بمغارة سليمان باتجاه شارع الواد، وهي غير مفتوحة حتى الآن حتى لليهود أنفسهم، لكن بالمجمل فإن معظم الأنفاق حول المسجد الأقصى وفي محيطه الهدف منها تقريب اليهود إلى أقرب نقطة من المسجد.
ويرى الجلّاد، أن الاحتلال نجح بالفعل في إقامة مدينة أخرى أسفل البلدة القديمة من القدس تشتمل على كنس ومراكز احتفالات، كما هو الحال في مغارة الكتّان التي تتميز بطولها على امتداد مائتي متر تقام فيها احتفالاتهم وطقوسهم المختلفة، وفيها يعلمون أطفالهم ويزودونهم بجرعات من الأفكار والأكاذيب المغلوطة والمضللة بادعاء وجود تاريخ قديم لليهود في القدس يمتد إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام. الجلاد لم يتردد في انتقاد حجم الدعم الذي تقدمه السلطة للمقدسيين المتضررة منازلهم جراء حفر هذه الأنفاق، بما في ذلك ضعف الحراك الدبلوماسي في الخارج وعلى مستوى العالم لنشر وتعزيز الرواية الفلسطينية، حيال ما تقوم به سلطات الاحتلال من طمس وتغيير لمعالم المدينة المقدسة. "للأسف، مثل هذا الدعم أو التعريف بما يجري صفر تماماً. إذ ليس لدينا نشرات فلسطينية تحكي قصة الأنفاق، وقصة مغارة الكتّان لتوزع على الأجانب، كما لا يوجد لدينا خريطة فلسطينية للقدس، في حين أنّ جميع الخرائط للقدس هي إسرائيلية أو أجنبية، وتحمل أسماء ومفاهيم أجنبية، وليس هناك خريطة فلسطينية باللغة الإنكليزية تعرض وجهة النظر والرواية الفلسطينية، وكل ما هو موجود من خرائط تحكي أسماء إسرائيلية. فباب الساهرة مثلاً، يعرّف بأن "باب هيرودس"، وباب المغاربة يسمونه "باب الأوساخ"، وباب النبي داود يطلقون عليه "باب صهيون".
وكانت الحكومة الإسرائيلية، صادقت قبل نحو عشر سنوات على تنفيذ خطة جديدة لتهويد القدس القديمة، تشمل حفر نفق أسفل البلدة القديمة وبناء مصعد يصل بين حائط البراق بالمسجد الأقصى المبارك، والحيّ اليهودي الذي أقيم على أنقاض حارة الشرف الفلسطينية. ويصل هذا النفق إلى الجدار الغربيّ للمسجد الأقصى تجاه الغرب، أي نحو الحيّ اليهودي الواقع عند الزاوية الجنوبية الغربية من البلدة القديمة".
واستناداً للخطة التي أقرت في حينه، تم الشروع منذ ذلك الوقت ببناء المصاعد والممرات تحت الأرض للربط بين حائط البراق والحيّ اليهودي، بما يسمح بوصول المستوطنين إلى ساحة البراق بدقائق معدودة بعيداً عن الأحياء العربية، ويسهل اقتحامهم للأقصى. وقد خصصت حكومة الاحتلال المبالغ الضخمة لاستكماله، ضمن سياق المشروع التهويدي الأشمل لأعوام 2020- 2030 بتكلفة 14 مليار دولار لتهويد القدس المحتلة. ويتزامن تنفيذ هذا المخطط مع استكمال مشروع الحدائق التوراتية السبع التي تحيط بالأقصى، بهدف محاولة تزوير الجغرافيا وإيهام العالم بمزاعم علاقة المكان بتاريخ وادعاءات اليهود بمزاعمهم التهويدية.
وتضمنت الخطة أيضاً، المصادقة على مشروع لتطوير حوض البلدة القديمة في القدس، وبناء مصاعد وممرات تحت الأرض للوصول إلى الحي اليهودي بالبلدة وصولاً إلى حائط البراق، بدلاً من استخدام الدرج، الذي يصل طوله الى 26 متراً، عدا عن بناء نفق بطول 65 متراً يربط بين مخرج المصعد حتى حائط البراق.
كما تشمل الخطة تطوير البنية التحتية لتشجيع من يسمون "الزوار" من السيّاح وغيرهم على زيارة حائط البراق، بالإضافة إلى مشاريع أخرى تتعلق بمجالي الصحة والتعليم وغيرها. وبينما تتواصل الحفريات في البلدة القديمة من القدس، دون التمكن من التعرف إلى حجم الأنفاق أسفلها وأسفل المسجد الأقصى، فإن الخطة بعيدة المدى، التي تسعى هيئة الآثار الإسرائيلية - والتي وقفت من ورائها وزيرة الثقافة الإسرائيلية السابقة ميري ريغف - إلى تنفيذها تشمل ما يسمى "كشف أسس الجدار الغربي (حائط البراق الإسلامي، وهو جزء من المسجد الأقصى)، وترميم بركة سلوان، وحفر الغرف الجوفية المنحوتة في قلعة العين، وغيرها. حي القرمي نموذج، وبينما الحفريات مستمرة ومتواصلة لمزيد من الأنفاق أسفل عقارات البلدة القديمة، كانت منازل المقدسيين هناك تتصدع وتوشك أن تنهار على رؤوس قاطنيها كما حدث في حي القرمي إلى الغرب من المسجد الأقصى، حيث يتهم المقدسيون الاحتلال وشبكة أنفاقه أسفل منازلهم بالتسبب بتضرر 28 منزلاً، بسبب التصدعات والتشققات الخطيرة التي ألحقتها أنفاق الاحتلال فيها، ما دفع بلدية الاحتلال عام 2013 إلى توجيه إخطارات فورية بإخلاء تلك المنازل خشية انهيارها. ووجهت عائلات الحي، آنذاك مناشدات إلى المؤسسات الرسمية والشعبية الفلسطينية للوقوف إلى جانبها في محنتها، ولفتت إلى أنها منذ اكتشاف التصدعات والتشققات الخطيرة شرعت بالعيش في شوارع وأزقة الحيّ، وسط تذمر من سكان تلك المنازل بغياب الدعم الكافي الذي تقدمه السلطة ولجان الترميم المختلفة للحفاظ على منازلهم ومنع انهيارها. المواطن غالب إدريس، قال للعربي الجديد، بأن عمليات الترميم التي تقوم بها بعض لجان الترميم الممولة من مصادر فلسطينية وعربية لا تفي بالغرض المطلوب منها ولا ترقى إلى مستوى الحفريات التي تنفذها جمعيات استيطانية، لشق أنفاق أسفل منزله ومنازل جيرانه.
وأشار إدريس إلى تصدع جدران منزله المتواضع في حي القرمي، وخطورة بنيته الهندسية، وبالرغم من ذلك عاد للسكن فيه بعد أن أخلاه لبعض الوقت، حيث لا يملك من المال ما يعينه على استئجار بيت خارج البلدة القديمة. وما ذهب إليه إدريس، يؤكده أيضاً المواطن المقدسي عبد القادر مجاهد، الذي كانت تملك عائلته مصنعاً لدباغة الجلود في الحي ذاته، إلا أنها اضطرت إلى إخلائه بسبب ما ناله من تصدعات وتشققات نتيجة الحفريات التي ينفذها المستوطنون في باطن الأرض لفتح مزيد من الأنفاق. وانتقد مجاهد سوء أعمال الترميم التي تنفذها اللجان المحلية وضعف الدعم الرسمي الموجه لهذه اللجان، مطالباً السلطة الفلسطينية تخصيص الموارد الكافية لحماية عقارات المقدسيين من الانهيار.