شبكات تهريب اللاجئين السوريين..4 طرق محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا

04 سبتمبر 2015
لاجئون سوريون في مقدونيا في طريقهم إلى أوروبا(العربي الجديد)
+ الخط -
لعدة أيام ظل اللاجئ السوري خالد (من دير الزور)، يشعر بالرعب على ذويه الذين فقد الاتصال معهم، قبيل حادثة الشاحنة التي راح ضحيتها 71 مهاجراً، بقي خالد على هذه الحال ثلاثة أيام إلى أن وصله نبأ نجاح أقاربه في الوصول إلى ألمانيا.

يومياً تخرج مئات من القوارب المطاطية من السواحل التركية من "أزمير بودروم مرمريس" إلى اليونان، يقول خالد لـ"العربي الجديد"، "غير أنني رفضت الهجرة بهذه القوارب"، ويضيف اللاجئ المستقر في هولندا، "اخترت طريق السفر براً من تركيا إلى اليونان، ومنها إلى مقدونيا وصربيا والمجر، وأخيراً كان المستقر في هولندا".

دفع خالد للمهرّب العراقي 1300 دولار أميركي في تركيا، حتى يخرجه منها إلى اليونان، وعبر مهرّب أفغاني دفع له 1500 يورو، انتقل من اليونان إلى المجر، ومنها خرج مع 3 أصدقاء، عبر دفع 1000 يورو عن كل واحد منهم إلى مهرّب فلسطيني أوصلهم إلى هولندا.

في كل يوم يخرج آلاف في رحلات الموت، إما عبر البحر أو البر، قليل منهم من يحالفه الحظ مثل خالد، إذ يقول مدير الشؤون الأوروبية في وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فيسينتي كوشيتيل، إن 124 ألف شخص (غالبيتهم من السوريين) وصلوا إلى اليونان منذ بداية العام الحالي، بينهم 50 ألفاً وصلوا في شهر يوليو/ تموز فقط.

ما هي "الخارطية"؟

يعتبر اللاجئ السوري أن وصوله إلى إحدى الجزر اليونانية العديدة في البحر المتوسط، هو بداية موطئ قدم له ولعائلته في أوروبا، من هؤلاء ياسين (من دمشق)، الذي وصل إلى اليونان حديثاً. يقول ياسين لـ"العربي الجديد": تَشرع السلطات اليونانية بتسليم السوريين وثائق تخوّلهم حرية التنقل لستة أشهر فقط، وهي ما تُعرف بـ"الخارطية"، بعدها ننتقل إلى دول البلقان الأخرى، إذ إن السلطات اليونانية باتت عاجزة عن تقديم أدنى متطلبات اللاجئ بالجزر الممتدة في بحر إيجه.

تقدّر الأمم المتحدة عدد المهاجرين واللاجئين السوريين، الذين يعبرون مقدونيا باتجاه شمال غرب أوروبا، بثلاثة آلاف فرد يومياً، كما قدّرت وكالة غوث اللاجئين أن 80 بالمائة ممّن ينتظرون اجتياز الحدود اليونانية المقدونية من منطقة سالونيكي عبر إدموني اليونانيتين باتجاه قرية جفجيليا المقدونية، هم من السوريين.

اقرأ أيضاً: التأثير النفسي للحرب في سورية.. جنون النظام وكوابيس داعش

مقبرة المهاجرين

ساهم الاضطراب السياسي والعسكري الذي يسود ليبيا بعد عام 2011 في جعلها ممراً نشطاً للاجئين القادمين من دول الصراع في أفريقيا وآسيا متجهين إلى إيطاليا ومالطة، بوابات أوروبا الجنوبية، إذ يتخذ اللاجئون والمهاجرون من المتوسط المحفوف بالمخاطر طريقاً لهم، لينجو منهم من نجا ويبتلع البحر الآلاف. وتشير أبحاث المنظمة الدولية للهجرة إلى أن أوروبا هي الوجهة الأخطر للمهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون البحر المتوسط، إذ سجلت مقتل ما يزيد عن 2000 شخص خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري غرقاً، منهم 1300 غريق في شهر نيسان/ أبريل وحده، مقارنة مع أكثر من 3400 غريق لعام 2014، كما تشير إحصائيات إلى أن هذا العدد يساوي أربعة أضعاف غرقى عام 2013، بحسب المنظمة.

اقرأ أيضاً: وزارة إعلام داعش.. منظومة الترويع الفني والحرب النفسية



معضلة دبلن في المجر وإيطاليا

تُمثل المجر حجر عثرة في طريق اللاجئين السوريين الذين تمكنوا من عبور اليونان ومقدونيا وصربيا، إذ تواجههم فيها صعوبات الدخول والخروج دون بصمة تحرمهم حق اللجوء والعيش الأفضل في بقية دول الاتحاد. والبصمة إجراء يُجبَر عليه اللاجئ في حال تمكنت السلطات من توقيفه، وفقاً لما تنص عليه اتفاقية دبلن، بحيث تعد المجر وجهة اللجوء النهائية لهذا للاجئ، وهو ما يحرمه فرصة اللجوء في بقية أوروبا.

شكل العدد المرتفع من المهاجرين المارين عبر المجر أزمة كبيرة، إذ سجلت السلطات المجرية مرور أكثر من 70 ألف مهاجر منذ بداية 2015 حتى الآن، مقارنة بـ43 ألفاً في العام الماضي بأكمله، ما دفعها إلى الشروع في بناء سياج على طول الحدود مع صربيا سيبلغ طوله 175 كيلومتراً وبارتفاع يُقدّر بأربعة أمتار، بالإضافة إلى استخدام الكلاب البوليسية لمطاردة اللاجئين، وهو ما يهدد حياتهم، بالإضافة إلى اعتقال من يرفضون البصمة بعد تعنيفهم، مثل اللاجئ السوري لؤي (من دمشق)، الذي أجبر على البصمة في مكتب الشرطة، ثم أخلي سبيله، وتمكن من الذهاب إلى ألمانيا، غير أنه عاش في رعب قبل صدور قرار السلطات الألمانية الأخير بعدم طرد اللاجئين السوريين ممّن سبق لهم إجراء البصمة في دول أوروبية أخرى، كما تنص اتفاقية دبلن.

وهو ما تكرر مع حالة اللاجئ السوري ياسين (من دمشق)، الذي أجبر ورفاقه على وضع بصماتهم في دولة المجر، يقول ياسين لـ"العربي الجديد": "حظنا جيد، إذ كانت وجهتنا إلى ألمانيا، التي صارت تغض الطرف وتكسر قواعد دبلن في ما يخص المرور بالمجر، لكن اللاجئين الجدد صاروا يواجهون عائق السياج والكلاب البوليسة، والمعاملة العنيفة من الشرطة المجرية".

تشكو السلطات الإيطالية من تنصّل شركائها في اتفاقية دبلن من مسؤولياتهم، وتركهم دول جنوب المتوسط (إيطاليا واليونان) في مواجهة مشكلة المهاجرين من دون دعم أو شراكة، وهو ما دعاها إلى طلب تغيير قواعد دبلن، بحيث يتم إجراء توزيع عادل للاجئين والمهاجرين على مختلف دول الاتحاد، بعد أن ذكر مكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات"، أن نحو 170 ألف مهاجر (أغلبهم سوريون)، عبروا المتوسط عام 2014 وحده، باتجاه السواحل الإيطالية.

عقب وصول اللاجئين إلى السواحل الإيطالية، تقوم السلطات بوضعهم في "كامب مفتوح" والحصول على صورهم وأسمائهم دون القيام بإجراء البصمة لأغلب اللاجئين، فيما تقوم بالإجراء على استحياء مع عد قليل من اللاجئين الذين سيمكثون بموجبه فيها، مراعاة للانتقادات الأوروبية المتصاعدة لعدم التزامها باتفاقية دبلن.

على أسوار مجمعات استيعاب اللاجئين المؤقتة في إيطاليا، تقف عصابات متخصصة في التهريب، تتفق مع اللاجئين على إخراجهم وإرسالهم إلى وجهتهم، ومن هؤلاء المهاجر السوري علي (من القنيطرة)، الذي سافر من إيطاليا إلى سويسرا ثم فرنسا وبلجيكا وألمانيا، ثم عبر إلى الدنمارك ومنها استقر في النرويج، بعد دفع قرابة 2700 يورو.

اقرأ أيضاً: محتجزون سوريون في التشيك لـ"العربي الجديد": أغيثونا



نخاسو القرن
21

يحدد العامل المادي أي طريق سيسلكه اللاجئ السوري، ومدى خطورته، فهناك من تصل كلفة رحلته إلى 3000 يورو قاطعاً بذلك البحر المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا ومنها إلى وجهته النهائية، فيما تصل الكلفة إلى 3500 يورو لمن يريد العبور من تركيا إلى اليونان ثم مقدونيا فصربيا ومن ثم المجر، ليصل بعدها إلى الوجهة التي يريد، وكذلك الأمر بالنسبة لمن يسلك طريق اليونان، ألبانيا، ثم الجبل الأسود وصربيا باتجاه المجر، في حين يدفع من يحالفه الحظ وتنجح محاولته في استخدام وثائق سفر مزورة يحصل عليها من شبكات تهريب كبيرة في اليونان 5 آلاف يورو للسفر من مطار أثينا إلى ألمانيا أو فرنسا (أو أي دولة يرغب بها) في رحلة مباشرة، عدا كلفة العبور من تركيا إلى اليونان والتي تراوح بين 1000 إلى 2000 يورو، وتعد هذه الطريقة الأكثر تفضيلاً لدى الأسر الموسرة، بعد أن قلّ الاعتماد على رحلة طيران مباشرة من إحدى الدول الأوروبية عبر وثائق سفر مزورة توفرها عصابات تهريب تركية بقيمة تتجاوز 12 ألف يورو، بحسب شهادات موثّقة حصل عليها "العربي الجديد" من عدد من اللاجئين.

يصف اللاجئ السوري حسان (من ريف دمشق)، شبكات التهريب المنتشرة على طول السواحل الليبية بنخاسي القرن 21، إذ خرج وزوجته من ليبيا إلى شواطئ إيطاليا، بالاتفاق مع أحد المهربين على عبور البحر لقاء مبلغ قدره 2000 يورو بواسطة جرافة حديدية تُقل 200 مهاجر.

صعق حسان لدى وصوله إلى نقطة الانطلاق في زوارة الليبية، حيث لا مجال للعودة ولا حديث إلا لبندقية المهربين، كما يقول، مضيفاً: تم انتقلنا بواسطة قارب خشبي مُهترئ وبعدد تجاوز الـ500 مهاجر.

بحساب ما جناه المهرّب من وراء قارب رحلة حسان، نجد أنه حصل على نصف مليون يورو، وبالعودة إلى حديث مكتب الإحصاء الأوروبي عن الـ170 ألف مهاجر ممّن عبروا البحر في العام 2014، يمكن توقّع الدخل السنوي للمهربين.

وكان رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، قد طالب في نيسان/ أبريل الماضي، باتخاذ إجراءات صارمة تجاه مهربي البشر الذين وصفهم بـ"نخاسي القرن 21"، في الوقت الذي دعت فيه دول الاتحاد الأوروبي إلى عقد جلسة لإقرار خطة أمنية أوروبية في المتوسط من شأنها إيجاد حلٍ جذري لظاهرة التهريب ومعاقبة تجار البشر، إذ أكدت منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، أن المسألة الأهم هي اتخاذ قرار سياسي حول العملية (التهريب) في البحر المتوسط لمحاربة المجموعات الإجرامية التي تمارس تهريب البشر.

وتتوالى التأكيدات الأوروبية على معاقبة المهربين المتورطين، دون البحث عن سبلٍ أكثر جدوى من شأنها إيجاد طرق آمنة لسيل المهاجرين المتدفق منذ عام 2000 وبلغ ذروته بعد أحداث سورية 2011، إذ تحدثت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن 31 ألف مهاجر قضوا أثناء هجرتهم إلى أوروبا منذ بداية عام 2000 إلى الآن.

لم تكن حادثة شاحنة النمسا القاتلة الأولى في سجل مآسي المهاجرين السوريين، إذ سبقتها حوادث غرق قوارب على سواحل لامبيدوزا، وصقلية الإيطالية، لكن اللاجئ السوري في تركيا، علي (من الزبداني)، يؤكد أن كل تلك الحوادث لن تثنيه عن حلمه الأوروبي، "إذ يظل الطريق إلى أوروبا، رغم أنه محفوف بالآمال والمخاطر، خيراً من حياة بلا أمل، وكلها مخاطر كما في سورية".

--------
اقرأ أيضاً:
الهاربون إلى الجنة.. الطريق إلى أوروبا مفروش بجثث السوريين